عندما استقلّ الرئيس جو بايدن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان" متوجهاً إلى كورنوال منذ أربعة أشهر، لم يكن قد مضى على استلامه الحكم سوى ستة أشهر. وقد وصل إلى أول رحلة خارجية له كرئيس وسط موجة من المودة من حلفاء أميركا الذين سئموا التهديدات والمبالغات ومحبة الدكتاتوريين التي طبعت حكم ترمب. أما الرسالة التي ذهب لكي يوجهها فكانت: عادت أميركا إلى سابق عهدها.
والآن، بعد مرور سنة تقريباً على وجوده في سدّة الرئاسة، توجه بايدن إلى أوروبا بعد ساعات فقط من ضغطه على الكونغرس من أجل تمرير مشروع قانونه الشخصي، إعادة البناء بشكل أفضل، لكي يصل إلى وجهته وقد وفى بوعده بأنّ الولايات المتحدة ستتحرّك بالفعل من أجل وقف تقدّم تغيير المناخ في الوقت المناسب لانعقاد مؤتمر المناخ كوب 26 في غلاسكو.
وما الرسالة هذه المرّة؟ أنّ النظام الديمقراطي ناجح.
وفيما صوّر بايدن حملته الانتخابية التي تكلّلت بالنجاح في النهاية ضد دونالد ترمب باعتبارها "معركة لأجل روح أميركا" على الناخبين أن ينصروا فيها "الأمل على الخوف" و"الحقيقة على الكذب" عبر اختيارهم له ليكون الرئيس الـ46 للبلاد، حوّل ولايته بالطريقة نفسها إلى استفتاء حول الديمقراطية في مواجهة الاستبداد. وراهن بايدن، الذي غالباً ما اختار إظهار هذا الخيار بشكل واضح وصريح في تصريحاته، على أنّ الأميركيين- والعالم- سيعتبرون نجاحه دليلاً على أنّ النظام الحرّ، الذي تميّزه الانتخابات الحرة والنزيهة لاختيار حكومات تحترم حقوق الإنسان الأساسية، ليست بطيئة جداً ولا تشكّل عبئاً على عالم القرن الواحد والعشرين الذي يزداد استقطاباَ.
بعد إعلان يوم الخميس بشأن التوصّل إلى اتفاق لتمرير خطته عبر الكونغرس، وصل بايدن إلى روما يوم الجمعة وقد سوّيت بعض- وليس كل- شؤونه.
فالاتفاق الذي توصّل إليه الديمقراطيون المعتدلون والتقدميون في مجلسي النواب والشيوخ لا يرضي الجميع. ولا يشمل بنود إجازة الوالدين المدفوعة الأجر التي جعلها النقطة الرئيسية في أجندته. وما زال بحاجة أن يُمرّر بالفعل في مجلسي النواب والشيوخ، عبر أغلبيات ضئيلة تمكّن الأعضاء المنفردين بدرجة غير معتادة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن البيت الأبيض لا يعتبر "إطار العمل" الذي أُعلن يوم الخميس جزءاً من كل. بل يعتقد بأنّ بايدن يصل إلى أوروبا بعد أن وفى بتعهدّه وحقق إنجازات.
وقالت نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار في حديثها مع الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية أثناء الرحلة باتجاه روما "يصل الرئيس إلى اجتماع مجموعة الدول العشرين G20 ومؤتمر المناخ كوب 26 من موقع قوة. لقد كان قائداً منذ وطأ البيت الأبيض وسوف يظل كذلك".
وعند سؤالها إن كان فشل مجلسي النواب والشيوخ في تمرير الحزمة قبل وصول بايدن إلى غلاسكو سيشكّل إحراجاً له، رددت جان بيار تعليق رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي حول مشروع القانون منذ فترة غير بعيدة، حين اعتبره "منعطفاً".
عند كتابة هذه السطور، كانت لجنة القوانين في مجلس النواب تدرس قوانين النقاش المتعلقة بما أصبح الآن رسمياً مشروع قانون إعادة البناء بشكل أفضل- وهي الخطوة الأخيرة قبل تمرير المشروع إلى مجلس النواب لكي يوافق عليه. وفي مجلس الشيوخ، سوف يخضع لعملية تعديل طويلة غالباً ما تُستخدم كورقة ضغط تُسمّى "الانتخاب المتواصل" أو “vote-a-rama” قبل تمريره، وسوف يستخدم الجمهوريون هذه العملية لإرغام الديمقراطيين على التصويت على أمور سامة سياسياً ومحرجة، وقد يستمرّ التصويت حتى الفجر. ولذلك من غير المحتمل أن يجهز أي شيء ويُرفع لكي يضع بايدن توقيعه عليه قبل وصوله إلى اسكتلندا يوم الأحد.
ولكن هل سيعتبر قادة العالم عدم احترام المهلة النهائية المحددة عند انعقاد كوب 26 فشلاً للديمقراطية؟
يرجّح مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك سوليفان عكس هذا الاحتمال. أثناء حديثه مع الصحافيين يوم الثلاثاء، قال سوليفان إن بايدن سيجتمع "بثلّة من زعماء العالم المحنّكين الذين يفهمون السياسة في بلادهم كما يفهمون الديمقراطية الأميركية ويعون (أنها تعمل) من خلال مفاوضات معقّدة وواسعة النطاق على استثمارات هي من الأكبر في التاريخ الحديث". وأضاف سوليفان أنه يعتقد بأنّ بايدن يمشي "في المسار السليم" باتجاه الوفاء بالتزاماته عند وصوله إلى غلاسكو.
يبدو إلى الحين أن هذا الوعد قُطع واحتُرم.
© The Independent