خلد المحتجون السودانيون، السبت 30 أكتوبر (تشرين الأول)، يوماً في ذاكرة شعوب العالم، رسموا خلاله مشهداً من التحدي والإصرار من أجل التحرر من حكم الفرد والعسكر، وصولاً إلى دولة القانون والعدالة، والتي تعني المدنية.
هكذا، عاد آلاف المواطنين السودانيين الذين شاركوا في مليونية "الردة مستحيلة" الرافضة لقرارات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان القاضية بإعلان حالة الطوارئ في البلاد، إلى منازلهم وهم أكثر سعادة بنجاح هذه المليونية، على الرغم من حالات العنف.
لكن التساؤل الذي يفرض نفسه بعد هذه المسيرة المليونية، هل بإمكان البرهان التراجع عن قراراته بعد الرفض الواسع لها؟ وما الخطوات المقبلة التي سيتبعها المحتجون في حالة عدم الاستجابة لمطلبهم بعودة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وإلغاء كافة القرارات التي أصدرها البرهان في 25 أكتوبر الحالي؟
نقطة فاصلة
يقول الناشط السياسي عبد المنعم عثمان، إن "المليونية كانت نقطة فاصلة، وتمثل رسالة واضحة للبرهان ومن يقف معه في قراراته الأخيرة بأنه من المستحيل أن يسير في هذا الطريق، لأن الشعب السودان عصي ولا يمكن أن يصمت على هذا المخطط الانقلابي بعدما قام بثورة شعبية عارمة أطاحت بأعتى رموز الديكتاتورية، الرئيس السابق عمر البشير الذي جسم على رؤوس السودانيين ثلاثة عقود، مارس خلالها أبشع صور الديكتاتورية، من عنف وفساد لا مثيل لهما، لذلك يجب على البرهان أن يعي الدرس وأن يعرف أن حاجز الخوف من الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع انتهى، وأنه في سبيل الحرية فإن الجميع مستعد ليدفع الثمن مهما كان غالياً".
وأضاف، "لن يهدأ لنا بال حتى يتحقق طلبنا بابتعاد العسكر عن المشهد السياسي، فهم معروفون بتسلطهم وحبهم للسلطة، وأن ما ذكره البرهان من مبررات بإعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء غير صحيحة وغير مقنعة".
عصيان ومواكب
في السياق، أشارت النقابية ابتسام عبد الواحد إلى أن مليونية "الردة مستحيلة" حققت هدفها وقالت كلمتها أمام العالم كله، برفض الحشود الهادرة لأي انقلاب عسكري أو تغول من العسكر على السلطات المدنية، وذلك لأن "السودانيين جربوا أكثر من 50 عاماً منذ استقلال البلاد في 1956 من الحكم العسكري في عهد الرئيس إبراهيم عبود (1958- 1964)، والرئيس جعفر نميري (1969- 1985)، والرئيس عمر البشير (1989- 2019)، ولم يقدم غير الدمار والعزلة الدولية بسبب سياسة المحاور ورعاية الإرهاب والتدخل في شؤون الغير، فضلاً عن تراجع الاقتصاد بشكل مخيف جعل غالبية الشعب تحت خط الفقر، مما أدى إلى ارتفاع حالات التفلتات الأمنية والسرقات، وتفشي أمراض سوء التغذية لعدم مقدرة كثيرين على مجاراة أسعار السلع التي فاقت الخيال".
وأكدت أن "مناهضة قرارات البرهان ستستمر بالعصيان والمواكب الليلية في الأحياء وإغلاق الشوارع والطرقات، ولن يتوقف الحراك الثوري حتى يعلن المكون العسكري انحيازه لرغبة الشارع".
خطط وتصعيد
من جانبه، أوضح عضو لجان المقاومة بضاحية بري في الخرطوم هيثم عبد اللطيف، أن "السودانيين توحدت كلمتهم في مسيرة اليوم بمطالبتهم بالحكم المدني"، قائلاً إن "النضال ضد قرارات البرهان سيستمر حتى تسليم السلطة للمدنيين، ولن تكون هناك مساومة في ذلك، لأننا تعاهدنا بأن يكون القانون والعدالة هما الفيصل والحكم، ولن نتراجع إلى الوراء مهما يكن بعد الدماء التي سالت من أجل مناهضة حكم العسكر".
ودعا المجتمع الدولي للضغط على العسكريين، بخاصة أن العالم شاهد اليوم كمية الحشود التي انتظمت في العاصمة وضواحيها والعديد من مدن السودان، فضلاً عن مسيرات في كثير من دول العالم.
ولفت عبد اللطيف إلى أن وسائل المقاومة لتلك القرارات ستتواصل وفق برامج وخطط تعمل عليها لجان المقاومة بالتنسيق مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، تتضمن مواكب ومخاطبات جماهيرية وندوات ووقفات احتجاجية، فضلاً عن العصيان المدني الشامل، وكلها تدعو إلى احترام الشراكة بين المكونين العسكري والمدني، والعودة إلى العمل بالوثيقة الدستورية وتنفيذها بالكامل، وسيتم تصعيد هذه البرامج حسب متطلبات الموقف.
ثلاثة قتلى
في غضون ذلك، اتهم تجمع المهنيين السودانيين، قوات الجيش السوداني بالهجوم على المتظاهرين في أم درمان غرب العاصمة الخرطوم بالرصاص الحي.
وأوضح التجمع أن "قوات البرهان والانقلابيين منعت المصابين من الوصول إلى مستشفى السلاح الطبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت لجنة أطباء السودان، السبت، أن ثلاثة أشخاص قتلوا برصاص قوات الأمن خلال المسيرة المليونية.
وقال شاهد من وكالة "رويترز"، إن قوات الأمن في الخرطوم استخدمت الغاز المسيل للدموع وأطلقت النار في محاولة لتفريق حشد كبير بعد أن نصب المحتجون منصة وناقشوا إمكانية الاعتصام.
وحض تجمع المهنيين المحتجين على التمسك بالسلمية والتزام توجيهات القيادة الميدانية بشأن المسارات، داعياً المنظمات الدولية والشعوب المحبة للسلم والديمقراطية بتصويب أعينها على السودان، ورصد الجرائم التي يرتكبها المجلس العسكري الانقلابي بحق السودانيين العزل.
في المقابل، نفت الشرطة إطلاق النار على المتظاهرين، مؤكدة تعرض أحد عناصرها لطلق ناري.
تحذير من العنف
ومارس المجتمع الدولي قبيل انطلاق المسيرة المليونية ضغوطاً كبيرة، من أجل عدم التعرض للمحتجين باستخدام الرصاص، حيث حذر الاتحاد الأوروبي وواشنطن من قمعهم.
كما دعت منظمة العفو الدولية القادة العسكريين إلى عدم ارتكاب حسابات خاطئة، مؤكّدةً أنّ العالم يتابع ما سيحدث خلال هذه المسيرة.
فيما حض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجيش السوداني على ضبط النفس خلال مسيرة 30 أكتوبر.
وكان مجلس الأمن الدولي طالب العسكريين في السودان، عبر بيان صدر بإجماع أعضائه، الخميس في 28 أكتوبر بعودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون، معرباً عن قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، "رسالتنا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب بالتظاهر سلمياً، وإعادة السلطة إلى الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون"، موضحاً أن بلاده ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللاعنفي للمضي قدماً نحو أهداف الثورة السودانية.
وكان البرهان تعهد، الجمعة، "بإكمال هياكل السلطة الانتقالية والتحول الديمقراطي في أقرب وقت ممكن، حتى تتحقق قيم العدالة والحرية والسلام"، قائلاً إن "التفاوض" مع حمدوك مستمر، وهو أول المرشحين لتولي رئاسة الحكومة المقبلة.