أثارت دعوات إلى خصخصة التأمين الصحي في الأردن قلق الفقراء في البلاد، ومخاوف من استثنائهم من تقديم الرعاية الصحية مستقبلاً واقتصارها على المقتدرين مالياً، خصوصاً مع تزايد حدوث حالات وفاة على أبواب المستشفيات بسبب قلة الأسرّة، وعدم توافرها، والتراجع الذي يعانيه القطاع الصحي في عموم البلاد.
وفيما تؤكد الحكومة سعيها لتنفيذ برنامج تغطية صحية شاملة للمواطنين بحلول عام 2030، وإقرار نظام التأمين الصحي الشامل بحلول 2025، يحذر مراقبون من أن التوجه إلى خصخصة هذا القطاع ينذر بهجرة الكفاءات الطبية ويجعل الخدمة الصحية محصورة بفئات محدودة من الشعب الأردني، ويجسد تخلي الدولة عن الخدمات المنوطة بها.
خصخصة بهدف التنظيم
وبعد دعوة المدير العام لمؤسسة الغذاء والدواء، نزار مهيدات، إلى خصخصة التأمين الصحي في المملكة بحجة تنظيم القطاع الصحي، ثار عديد من التساؤلات بشأن حق الفئات الفقيرة من الأردنيين في العلاج ومصير مئات الآلاف من الحالات التي تعتمد كلياً في تلقي العلاج على المستشفيات الحكومية شهرياً، فضلاً عن عشرات الآلاف ممن يحصلون على إعفاءات صحية من الديوان الملكي بشكل دوري لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف العلاج.
ويرى مهيدات أن من شأن خصخصة التأمين الصحي توفير تنظيم إداري أكثر للقطاع الصحي، وتعزيز الرقابة عليه.
بدوره، يقول وزير الصحة الأردني، إن المملكة تهدف إلى الوصول إلى تأمين صحي شامل للمواطنين كافة بحلول عام 2030، مشيراً إلى تكلفة التغطية المجانية التي توفرها الحكومة للمصابين بأمراض مرتفعة التكلفة مثل السرطان والفشل الكلوي وأمراض الدم المزمنة، وشمول نحو 650 ألف طفل بالتأمين الصحي المجاني، بالإضافة إلى تأمين المواطنين فوق سن 60 عاماً ومتبرعي الدم والأعضاء.
تكلفة إنفاق مرتفعة
تفيد إحصائيات رسمية بأن الأردن ينفق 8.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة، في حين تؤكد وزارة الصحة أن حجم الإنفاق يبلغ نحو 4 مليارات دولار سنوياً لتوفير الخدمات الصحية.
وتبلغ نسبة الأردنيين المشمولين بالتأمين الصحي 68 في المئة، منهم 42 في المئة مشمولون بالتأمين الصحي المدني، و26 في المئة تأمينات صحية أخرى.
ووفقاً لمدير التأمين الصحي، نائل العدوان، فإن تكلفة شمول جميع الأردنيين بالتأمين الصحي قد تصل إلى مليار دولار سنوياً، وهي تكلفة مرتفعة جداً.
في موازاة ذلك، اقترحت دراسة للمجلس الأعلى للسكان، إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم القطاع الصحي وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما أثار المخاوف من التوجه نحو خصخصة القطاع الصحي برمته.
تهديد للكفاءات
في المقابل، يحذر مراقبون من أن خصخصة مستشفيات القطاع العام قد تؤدي إلى هجرة الكفاءات الطبية وإضعاف القطاع العام، واستفادة أصحاب رأس المال الخاص وتراجع الدور الحكومي في هذا القطاع الحيوي.
ويضم قطاع شركات التأمين في الأردن 24 شركة، منها 15 شركة تزاول أنواع التأمين كلها، بالإضافة إلى 7 شركات تأمين مشتركة، وشركة واحدة متخصصة في تأمينات الحياة.
ويرى مراقبون أن الخسارة الأكبر التي ستنتج عن خصخصة القطاع الصحي هي للمواطن الفقير، الذي يحصل حالياً على العلاج في المستشفيات الحكومية وبأسعار رمزية، فضلاً عن الغلبة التي ستكون للقطاع الصحي بحيث يصبح العلاج للمقتدر فحسب.
ويقول آخرون إن مشروع خصخصة الصحة، قائم منذ بداية تسعينيات القرن الماضي ويتواءم مع سياسات الخصخصة التي ستشمل القطاعات كلها قريباً، وتنهي ريعية الدولة.
ووفقاً للأرقام، تضم المملكة نحو 40 مستشفى حكومياً، بينما يضم القطاع الخاص 69 مستشفى معظمها في العاصمة عمان.
الموت على أبواب المستشفيات
وكان "منتدى الاستراتيجيات" الأردني قد أوصى بضرورة إعادة هيكلة برامج التأمين الصحي الحكومي وتكلفة الرعاية الصحية في وزارة الصحة ونظام الإعفاءات لوقف تراكم المتأخرات الصحية، الأمر الذي يستلزم تقدير التكاليف الحقيقية لخدمات وزارة الصحة بدقة، ومن ثم تعديل أسعارها بحيث تعكس التكلفة الفعلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوصى المنتدى بتعزيز القدرة التنافسية للقطاع الصحي في الأردن، وتحديد مستويات جديدة وعادلة للاشتراكات المقتطعة من الرواتب، لكن هذه التوصيات باتت مقلقة أكثر بالنسبة إلى قطاعات واسعة في الأردن، خصوصاً تلك التي تتعلق بإلغاء برنامج الإعفاءات تدريجياً، ما يعني التخلي عن تقديم الرعاية الصحية لفئة واسعة من المواطنين الذين لا تغطيهم أي مظلة تأمين، وتركهم يصارعون المرض.
ويرى مراقبون أن هذه التوصيات تعني تقليص الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية في قطاعات الصحة والتعليم وانسحاب الدولة من القيام بمسؤوليتها بتخفيض الموازنات المخصصة لهذين القطاعين.
وتقول هيئة المتابعة للحملة الوطنية من أجل العدالة في الرعاية الصحية "صحتنا حق"، إن خطط خصخصة القطاع الصحي في الأردن يعززها المفهوم الرأسمالي الليبرالي الجديد في توجيه الاقتصاد الوطني وإدارته.
ثلث الأردنيين بلا تأمين صحي!
يوضح استطلاع للرأي أجراه "مركز الدراسات الاستراتيجية" في الجامعة الأردنية عام 2019 حجم معاناة الأردنيين، في ما يتعلق بالتأمين الصحي.
في موازاة ذلك، يشير استطلاع آخر بشأن جودة الخدمات الصحية في المملكة إلى أن ثلث مواطني الأردن يشكون من سوء مستوى الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية.
ويقول الصحافي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، محمود خطاطبة، إن قرابة 3 ملايين مواطن، بلا علاج أو دواء، ويلهثون وراء حق لهم كفله الدستور.
ويضيف الخطاطبة، "ما يدعو إلى العجب، أن 18 في المئة ممن يملكون تأميناً صحياً حكومياً، يعانونه عدم توفر الأدوية بشكل دائم، وفي حال وجدت فإن ثمنها يكون مرتفعاً جداً لا تقدر الأغلبية على تأمينه، ناهيك باكتظاظ المراجعين في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، ومشكلات نقص الكوادر الطبية، بالإضافة إلى الأهم من ذلك كله، وهو تكرار الأخطاء الطبية".
ويشير الخطاطبة إلى أن من حق المواطن الأردني الذي يدفع نحو 180 ضريبة لخزينة الدولة، أن يتمتع بالرعاية الصحية الجيدة.