كُشف أخيراً أن جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني المعروف باسم "أم آي 5" MI5 خرق القانون منتهِكاً ضمانات المراقبة الموضوعة في المملكة المتحدة بغرض الحدّ من إمكانية استخدام الجواسيس للبيانات التي يتم اعتراضها، وتبادلها، وتخزينها.
وأطلق ساجد جاويد وزير الداخلية البريطاني مراجعة مستقلة للنظر في "الدروس التي يمكن تعلمها"، على حدّ تعبيره، وذلك بعدما وجدت الجهة المكلفة دور الرقيب أن هناك مخاطرَ جدية لم يبلغ عنها جهاز الاستخبارات بسرعة كافية.
واشار الوزير إلى أن "إم آي 5" انتهك "قانون الصلاحيات الاستقصائية" المسؤول عن تنظيم عملية معالجة المواد التي يتمّ الحصول عليها بموجب مذكرة، بما في ذلك البيانات التي يجري اعتراضها.
وذكر جاويد، في بيان وزاري مكتوب، أن القانون يشترط على الجواسيس "التأكد من بقاء بعض المعالجات في الحد الأدنى الضروري للغرض القانوني، بما في ذلك عدد الأشخاص الذين يطلّعون على المواد، وكمية النسخ منها، وفترة تخزينها". وأضاف "يشير تقرير مكتب مفوض الصلاحيات الاستقصائية(Ipco) إلى أنه قد لا تتوفر لدى جهاز "أم آي 5" التدابير اللازمة لتأكيد الامتثال لهذه الضمانات الحكومية في أحد نطاقات التكنولوجيا الخاصة به. وخلُص تقريره بشأن ذلك إلى أن هذه المخاطر جدية وتحتاج إلى معالجة فورية". وزاد الوزير موضحاً أن "مكتب مفوض سلطات التحقيق أبدى أيضاً قلقه من أنه كان على "إم آي 5" إبلاغه بهذه المخاطر المتعلقة بالامتثال بشكل عاجل".
يُذكر أن البيانات التي يمكن الوصول إليها بموجب قانون سلطات التحقيق تشتمل على رسائل خاصة، وسجل تصفح شبكة الإنترنت، ومعلومات عن مكان المتصفح.
وكانت منظمة حقوق الإنسان "ليبرتي" قد أدانت السلطات لرفضها الكشف عن تفاصيل الخرق، والمعلومات التي تعرضت للخطر وكم استغرق ذلك من الوقت.
ومن جانبها، أكّدت ميغان غولدينغ، وهي محامية لدى ليبرتي، أن القضية تثير قلقاً عميقاً، وقد "أظهرت كم أن نظام المراقبة الخاص بالأجهزة الأمنية في المملكة المتحدة تشوبه عيوب مميتة". وأضافت المحامية "إننا إزاء نموذج واضح تماماً يبين كيف أن نظام أمننا، الذي يفترض به أن يكون رقابيا وضامناً، قد أخفق في حمايتنا من الترصد المفرط وغير المبرر وأيضاً من إحتمال الاحتفاظ بالبيانات التي أُنشئت بموجب "ميثاق المتلصصين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت " ومن الممكن، كما بات معروفا، أن يتمّ تبادل معلومات، تعود لملايين الابرياء، على نطاق واسع مع حكومات أجنبية. ولو كان الأمر بيد الحكومة، لما كان بوسعنا أن نعرف على الإطلاق أنها تقوم بذلك". ورأت ميغان أنه "إذا كان لنظام المراقبة في المملكة المتحدة أن يتمتع بشكل من أشكال الشرعية، فإننا بحاجة إلى معرفة ما حدث، وإلى أي مدى تتعرّض خصوصيتنا وأمن معلوماتنا للخطر".
أما جاويد فأشار إلى أن ليس بإمكانه إعطاء مزيد من المعلومات عن الأمر لأسباب تمسّ الأمن القومي، مؤكداً في الوقت نفسه أن تقرير مكتب مفوض سلطات التحقيق سيتضمن تفاصيل أكثر.
وأضاف أن عمل "إم آي 5" دقيق للغاية، في وقت ما زال الإرهاب مستمراً في تمدّده وتهديده للأمن". وأوضح أن "من الأهمية بمكان أن تُظهر وكالات الاستخبارات البريطانية الامتثال التام للقانون. وفي ذلك السياق، يُبين التبادل بين المفوض و"إم آي 5" بشأن هذه المسألة أن نظام المراقبة العالمي الرائد الذي أقرّه القانون (الصلاحيات الاستقصائية) يعمل كما ينبغي".
وقال القاضي اللورد (إدريان) فولفورد، مفوض الصلاحيات الاستقصائية، إنه تلقى إخطاراً بالأمر لأول مرة خلال اجتماع حضره في فبراير (شباط) الماضي، فطلب فوراً معلومات مكتوبة عن الموضوع بلغته في مارس (أذار) الفائت. وأضاف "طلبت لاحقاً إلى فريق مفتشين من مكتبي أن يمضوا أسبوعاً لدى "أم آي 5" للتحقّق من مدى اتساع نطاق مخاطر الامتثال التي تمّ تحديدها".
وتابع اللورد فولفورد "أنا مطمئن إلى أن "أم آي 5" اتخذ خطوات فورية لإدخال سلسلة خطوات مخففة، في ضوء تلك المراجعة الشاملة". وزاد " هذه الخطوات، إلى جانب برنامج يضمّ إجراءات إضافية ستجد طريقها الى التطبيق تدريجيا، سيوفران ضمانات كافية بأن الترتيبات التي تضعها إم آي 5 للعمل في نفس المجال المقلق ذي العلاقة، هي حالياً ترتيبات مُرضية لجهة التعامل مع المواد المطلوبة بصورة مبررة ".
وإذ قام مكتب مفوض الصلاحيات الاستقصائية بعملية تفتيش ترمي إلى متابعة معالجة الأمر، فهو سيجري مراجعات دورية اخرى.
وقال وزير الداخلية إن جهاز "إم آي 5" اتخذ إجراءات فورية وجوهرية مخفّفة" استجابة لتقرير مكتب مفوض الصلاحيات الاستقصائية، مؤكداً أن التطبيق قيد المراقبة. وأوضح كذلك أن "مخاطر الامتثال التي تمّ تحديدها تقتصر على كيفية معالجة المواد بعد الحصول عليها". وأضاف "إنها لا ترتبط بأي شكل من الأشكال بالطريقة التي يجمع بها جهاز "أم آي 5" المعلومات في المقام الأول، أو بضرورة جمعها ووجوب عدم الإفراط في ذلك". وتابع "تتعامل وكالات الاستخبارات البريطانية كافة مع حماية المعلومات الشخصية بجدية".
جاء ذلك في وقت تواجه فيه "ليبرتي" تحدياً قانونياً يتعلق بقانون الصلاحيات الاستقصائية، الذي ستستمع المحكمة العليا إلى مرافعات بشأنه الشهر المقبل.
ومن المتوقع أن يناقش ناشطون بأن المراقبة الجماعية التي تلتقط الرسائل، وتاريخ التصفح، وغيرها من مجموعات بيانات واسعة من دون وجود شبهة ما، تؤدي إلى" التقليل من أهمية الخصوصية وحرية التعبير بشكل خطير".
وفي العام الماضي، حكمت المحكمة العليا أن سلطة إصدار أمر لشركات القطاع الخاص بتخزين بيانات الاتصالات، بما فيها سجل الإنترنت، كي تتمكّن وكالات حكومية من الوصول إليها، ينطوي على انتهاك حق الخصوصية.
وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ قضت في سبتمبر (أيلول) العام الماضي 2018 بأن النظام السابق للمملكة المتحدة لاعتراض الجماعي بيانات الاتصالات بشكل جماعي كان غير قانوني، وذلك قبل أن يحلّ محله "قانون الصلاحيات الاستقصائية" الجديد عام 2016.
© The Independent