مسجد "أبان" من أقدم المساجد التاريخية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وينسب لأبان بن عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين الذي شيده في 105 هجرية (723 ميلادية).
هذا المسجد الذي يعود للقرون الهجرية الأولى لم يتم إهماله كما هو حال مواقع تاريخية أخرى، بل نال قسطاً جيداً من العناية والترميم خلال السنوات الماضية، إلا أن منظمات مدنية انتقدت طريقة الترميم التي عمدت إلى إزالة المبنى التاريخي بنمطه المعماري المنتمي لعمارة الحضارة الإسلامية، واستبداله بنمط معماري معاصر.
معتكف العلماء والفقهاء
يذكر الكاتب محمد علي البار في كتابه "عدن لؤلؤة اليمن" أن "أبان بن عفان كان من التابعين ومن علماء وفقهاء المدينة النبوية هو من بناه بعد أن هاجر إلى عدن وأقام فيها ليعلم الناس أمور الدين، ثم رجع إلى المدينة المنورة وتوفي فيها، وقد بنى مسجده هذا عند إقامته في عدن في 105 هـ"، ويضيف، "في تلك الأثناء ولد له ابن سماه الحكم، فكان أيضاً من الفقهاء والعلماء المشهود لهم بالعلم والفقه، وعين قاضياً لعدن واشتهر بالعدل والاستقامة والكرم، وهو الذي رحل إليه الإمام أحمد بن حنبل".
ولفت البار إلى العلماء المتأخرين الذين اشتهروا بالإمامة والتدريس بمسجد أبان ومنهم "السيد مطهر الغرباني الحسني المتوفي 1968، والشيخ الداعية على باحميش العيدروسي الذي ولد بمدينة الشيخ عثمان بعدن سنة 1915، وهو عالم وفقيه صوفي وخطيب واسع الأفق والاطلاع والثقافة، وتصدر مجالس العلم في عدة مساجد بعدن، وتوفي في 1977".
تجديد وترميم
بني المسجد للمرة الأولى في عهد أبان بن عثمان في نهاية القرن الأول للهجرة، ثم جدد ووسع في 180 هجرية (796 ميلادية)، وتجدد ترميمه وتوسعته مرات عدة، وجدده التاجر سالم باشنفر سنة 1928 ثم رُمم سنة 1933 ثم 1992، وهُدم في 1997 ليتم بناؤه من جديد وافتتاحه في 1998 على نفقة مؤسسة "هائل أنعم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلق البار في كتابه عن إعادة إعمار المسجد قائلاً، "على الرغم من أن البناء بعد الترميم فخم وواسع ومؤثث تأثيثاً جيداً، إلا أنه تعرض للنقد لأنه أفقد المعلم التاريخي كثيراً من خصائصه، وانتقد كثير من المهندسين بناء المسجد الجديد لأنه أفقده خصوصيته المعمارية".
طمس الهوية
وتتفق رئيسة مبادرة "هويتي" جاكلين البطاني مع نقد البار حول إعادة إعمار المسجد، معتبرة عملية هدم المسجد ثم بناءه من جديد، أمراً مخالفاً لتقاليد البناء المعماري الحضاري ذات النمط الإسلامي.
وأضافت، "مسجد أبان مسجد تاريخي وكان يعتبر من معالم عدن التاريخية مثله مثل بقية الآثار في المدينة كالصهاريج والمنارة والفرس وغيرها من المعالم الحضارية بالمدينة، وكان من المساجد ذات الطراز المعماري البسيط، مما جعله معلماً تاريخياً مهماً، وأثراً إسلامياً شاهداً على الحضارة الإسلامية في عدن".
وانتقدت البطاني أعمال الترميم التي طرأت على المسجد، وأكدت أن "الطراز المعماري الجديد للمسجد طراز دخيل لا ينتمي للمدينة، ولا يتناسب مع تاريخها وطرازها المعماري، فأغلب مباني عدن القديمة بنيت من الحجر باستخدام خلطة البوميس بدلاً من الأسمنت، كما أن البناء الجديد لم يجسد الطراز القديم ولم يعكسه، فكان لابد من أن يبقى المسجد القديم معلماً تاريخياً ومزاراً بدلاً من هدمه بحجة التوسعة".
وتذهب البطاني في حديثها إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن "طمس وهدم المسجد بطرازه السابق وإعادة بنائه في التسعينيات من القرن الماضي من قبل مؤسسة 'هائل أنعم' بشكل آخر، يأتي ضمن إطار الحملة التي هدفت إلى طمس معالم عدن التاريخية ومساجدها من قبل قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد ضم الجنوب في حرب عام 1994"، وهي الحرب التي أسست للوحدة اليمنية إلا أن بعض أبناء جنوب اليمن يرون بأنها سعت إلى تعميم هوية موحدة على حساب الهويات الصغرى.
نمط المعمار
يقول ماهر الهتار، إمام مسجد أبان، إن المؤسسة "اعتمدت نمط بناء المساجد في البلاد على شكل هندسي واحد، بالاستناد إلى النمط المستخدم في المناطق الشمالية التي تختلف عن المناطق الجنوبية، كون التشكيل الهندسي للمساجد تكون فيها مغلقة بسبب الأجواء الباردة عكس المناطق الجنوبية الحارة".
وأضاف، "صحيح أن مؤسسة هائل وضعت مكيفات مركزية في المسجد، لكن مع انقطاعات الكهرباء يكاد يكون المسجد فرناً حاراً بسبب عدم وجود المنافذ المناسبة للمسجد على خلاف ما كان عليه".
ويعترف الإمام بأن النمط الهندسي الذي سارت عليه المجموعة الاقتصادية كان خطأ غير مقصود، أثر سلباً في الجمالية الحضارية لمسجد أبان ومساجد عدن الأخرى، وكان يستحسن "إعادة إعمار الجامع مع إبقاء واجهات الجامع والتحديث والترميم بما يناسب حاجة المسجد من التوسعة، لكن بفعل النمطية الهندسية الجديدة تم تشويه البناء التاريخي"، معرباً عن أمله بأن تكون إعادة الإعمار لأي مسجد في عدن على نسق البناء القديم، ويحافظ على نمط وهوية المعمار الإسلامي الحضاري الذي تميزت به عدن.
نيران الحرب
وبحسب إمام المسجد التاريخي، فقد تعرض المسجد عند اندلاع الحرب اليمنية في أبريل (نيسان) 2015، لإطلاق قذائف المدفعية من قبل الحوثيين طوال أيام الحرب، موضحاً أن "الصلاة استمرت في المسجد وحثت أهل المدينة على قتال الحوثيين، وهو ما جعل مسلحي الجماعة يستهدفونها بنيران أسلحتهم، ولا سيما مكبرات الصوت على مآذن المسجد".
ويشير الهتار إلى "أهمية الموقع الذي يحتله المسجد في الشارع الرئيس لمدينة عدن، الذي يمتد من الخليج الأمامي إلى عقبة عدن، وسط الحي التجاري لعدن القديمة، حيث أسواق الخبز والبهرة والاتحاد والحراج والطعام، فالجامع يكاد يكون بوابة المدينة ومركز تجمع الأسواق التجارية".