لم يدرك علي أحمد (23 سنة) يوماً أنه سيعيش في أوروبا بعد أن كانت أحد أحلامه، لكنه كان يستبعد الوصول إليها، لكن الظروف قادت أحمد إلى العيش في فنلندا بعد أن قرر الهجرة من العراق نهائياً.
ترك علي أحمد مدرسته بعد أن كان في الثانوية واتجه إلى بلد آخر، تاركاً خلفه والديه وشقيقه الأصغر وثلاث شقيقات.
يقول أحمد الذي يستكمل دراسته الجامعية في الجامعات بفنلندا لـ"اندبندنت عربية"، إن "قرار هجرة العراق اتخذته إبان موجة الهجرة التي اجتاحت بعض البلدان ومنها العراق في عامي 2014 و2015، وقتها كان تنظيم داعش يسيطر على بعض المدن العراقية، القرار لم يكن سهلاً إطلاقاً".
موجات الهجرة مستمرة
ولم تتوقف موجات الهجرة بعد الانتصار عسكرياً على التنظيم في العراق وسوريا التي كانت عبر تركيا ثم اليونان وبعدها الدخول إلى الدول الأوروبية الأخرى، وفي الآونة الأخيرة تمكنت المجاميع التي تعمل في شبكات التهريب من اتخاذ بيلاروس طريقاً جديداً نحو أوروبا بعد أن شكلت عملية الحصول على التأشيرة أمراً سهلاً بالنظر إلى تأشيرة البلدان الأوروبية الأخرى، وشهدت الحدود البيلاروسية - الليتوانية خلال الأشهر الماضية توقيف عشرات الأشخاص والأسر الهاربة من الأوضاع المضطربة في العراق نحو أوروبا، مما دفع السلطات الأوروبية هناك إلى التنسيق مع الحكومة العراقية لوقف تدفق المهاجرين.
وتعد بيلاروس محطة رئيسة لانتقال المهاجرين عبرها إلى ليتوانيا، بسبب السياسة اللينة التي تتبعها وكذلك ضعف المراقبة على حدود البلاد، وتوفي عدد من العراقيين على الحدود البيلاروسية - الليتوانية بسبب البرد، كذلك تعرض معظم اللاجئين العراقيين إلى عمليات نصب واحتيال.
وفي وقت سابق، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، عن توجيه الوزارة السفارة العراقية في موسكو بإرسال وفد دبلوماسي إلى بيلاروس، للوقوف على حادث مقتل شاب عراقي على الحدود مع ليتوانيا، كذلك تسهيل عودة المواطنين العالقين في بيلاروس إلى العراق.
وقال الصحاف في بيان إنه "بتوجيه وزير الخارجية فؤاد حسين تابعت سفارة جمهورية العراق في موسكو باهتمام بالغ موضوعة مقتل المواطن جعفر حسين يوسف من تولد 1981 على الحدود بين ليتوانيا وبيلاروس، أوفدت عدداً من الدبلوماسيين للوقوف على تفاصيل الحادث ميدانياً في الشريط الحدودي بين بيلاروس وليتوانيا، وبحضور عائلة الفقيد وممثلين عن السلطات المعنية في الجانب البيلاروسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الصحاف أن "وزير الخارجية أجرى اتصالات وتلقى أخرى من عدد من الشخصيات ووزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ومنهم جوزيب بوريل منسق السياسة والأمن في الاتحاد الأوروبي ووزيري خارجية ليتوانيا ولاتفيا، لنفس الغرض المتعلق بموضوعة الهجرة واللجوء، وبيّن الموقف الرسمي بشأن العودة الطوعية للاجئين العراقيين".
وذكر أن "وزارة الخارجية العراقية تتابع باهتمام تطوّرات ملف المهاجرين العراقيين والمسافرين إلى بيلاروس أخيراً، وأنها مع العودة الطوعية للاجئين"، محذراً المسافرين إلى بيلاروس بأن "لا يكونوا ضحية شبكات التهريب والاتجار بالبشر".
تداعيات خطيرة
وأسهمت الظروف التي مرت على العراق خلال العقدين الماضيين في هجرة الآلاف من بلادهم إلى بلدان إقليمية ودولية، الأمر الذي له تداعيات خطيرة في المستقبل على البلد بسبب فقدانه الكثير من الطاقات الشابة والكفاءات وأصحاب الخبرة، على الرغم من أن العراق يعد من أغنى مناطق بلدان منطقة الشرق الأوسط.
وأكد أحمد أن "انتشار البطالة وعدم توافر الفرص الوظيفية وغياب المستقبل والظروف الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية التي يعيشها العراق أجبرتني على الخروج من البلد، بخاصة أن هناك الآلاف من حملة الشهادات العليا لم يجدوا أي فرصة عمل حتى الآن"، مشيراً إلى أن "فنلندا بلد جميل جداً، وما يخفف غربتنا أن هناك الكثير من العراقيين المهاجرين حيث نخلق طقوساً خاصة وجواً عراقياً بامتياز".
في حين، أكد المغترب في كندا حيدر حسام (28 سنة) أن "قرار الهجرة من العراق كان من أفضل القرارات على الرغم من المعاناة التي مررت بها هنا في كندا".
وأشار حسام "قرار خروجي من العراق كان بسبب عدم استقرار الوضع العام في البلد". وذكر أن "الكثير من الشباب اليوم في العراق يبحث عن فرص عمل، بينما أغلب من كان خارج العراق أسس عملاً وهو في وضع مستقر".
أسباب عديدة للهجرة
وتشير الباحثة والأكاديمية العراقية، نهلة نجاح، إلى أن "أسباب رئيسة تدعو الشباب للهجرة، أبرزها البطالة وعدم الاستقرار الوظيفي وتوفر أبسط الخدمات ومتطلبات الحياة الكريمة، وعدم توفر الأجواء الديمقراطية وقمع الحقوق والحريات، كذلك الفساد السياسي الذي ينعكس على كل مفاصل الحياة العامة".
وأضافت "أيضاً هناك التحديات الرئيسة التي يواجهها المهاجرون منها تحديات اقتصادية واجتماعية ومعرفية، كما أن هناك توصيات ينبغي أن نقدمها للشباب الذين يفكرون في الهجرة، كدراسة موضوع الهجرة والمخاطر المحتملة من كل جهة قبل الشروع به، والتواصل مع المهاجرين وتكوين فكرة عن طبيعة الحياة في الدولة المراد الهجرة لها، ودراسة التحديات وفرص العمل المتاحة ومقارنتها مع المهارات الشخصية التي يمتلكها الفرد".
وأقرت أن "مواقع التواصل الاجتماعي لها دور كبير في دفع الشباب إلى الهجرة بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال رسم صورة إيجابية عن واقع الحياة في الغرب، ولكن الواقع يختلف تماماً على الرغم من جودة الحياة هناك ولكن لكل شيء ثمنه، وعلى الشباب إدراك أنه مهما كانت الفرص إيجابية لحياة أفضل لا بديل عن الوطن، ولكن أحياناً اليأس من تغيير الواقع السياسي والاقتصادي هو الدافع الأكبر للرغبة في حياة كريمة تحفظ الحقوق والحريات".