في احتجاجات غزة الحدودية المعروفة بـ"مسيرة العودة" عام 2018، قتل الجيش الإسرائيلي الصحافي ياسر مرتجي أثناء تغطيته تظاهرات المواطنين برصاصة أصابته في البطن مباشرة، وبعد أيام من الحدث، أسقطت الصحافي أحمد أبو حسين قتيلاً أيضاً أثناء ممارسته عمله الإعلامي، على الرغم من أن الصحافيين كانا يرتديان الشارات الرسمية (سترة وخوذة) المتعارف عليها دولياً، التي تمنحهما حماية دولية، وفقاً للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 19 من العهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية.
تزايد الانتهاكات
حينها تلقت إسرائيل انتقادات كبيرة، ودعتها الأمم المتحدة إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الصحافيين في الأراضي الفلسطينية، وعلى الرغم من ذلك، لم تتوقف الانتهاكات بحق العاملين الإعلاميين، إذ ارتكب الجيش هجمة غير مسبوقة ضد حرية الإعلام أثناء العملية العسكرية التي جرت في مايو (أيار) الماضي.
يقول مدير مكتب لجنة دعم الصحافيين في غزة صالح المصري، "إن أكثر الانتهاكات شراسة بحق الصحافيين وثقت في قطاع غزة خلال شهر مايو، وفيه قتلت إسرائيل ثلاثة صحافيين، بينهم اثنان من الضفة الغربية والقدس الشرقية، ودمرت 59 مؤسسة ومكتباً إعلامياً، ونسفت 22 منزلاً لصحافيين، وألحقت أضراراً بخمس مركبات تعود لوسائل إعلامية".
منذ بداية العام الحالي، تزايدت الانتهاكات بحق الصحافيين، ووثقت النقابة ارتكاب جنود إسرائيل أكثر من 700 انتهاك في جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، ويعد هذا الرقم ضعف الانتهاكات التي وثقت العام الماضي وتبلغ 490.
شكوى في "الجنائية الدولية"
الانتهاكات المتزايدة دفعت نقابة الصحافيين الفلسطينيين والاتحاد الدولي لهم (مؤسسة دولية مقرها بروكسل) إلى تقديم شكوى ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، لتجاوزاتها اختراقات بحق العاملين الإعلاميين.
وجاء تقديم الشكوى بعدما أقرت "الجنائية الدولية" بولايتها القضائية للتحقيق في جرائم حرب أو فظائع ارتكبت في الأراضي الفلسطينية، وشرعت في التحقيق المبدئي في انتهاكات ارتكبتها إسرائيل أثناء اعتراضها احتجاجات الحدود عامي 2018 و2019.
وهذه هي المرة الأولى التي يتبنى فيها الاتحاد الدولي للصحافيين قضية الانتهاكات الإسرائيلية بحق الإعلاميين الفلسطينيين، وتزامن رفع الشكوى في "الجنائية الدولية" مع اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول ممثل الاتحاد الدولي جيم بوملحة، "إنهم لجأوا إلى محكمة الجنايات الدولية، ورفعوا شكوى رسمية حول جرائم وانتهاكات إسرائيل بحق الصحافيين الفلسطينيين"، وشملت الشكوى استهداف وتفجير مقار تعود لوسائل إعلامية في قطاع غزة.
ويضيف بوملحة، "قدمنا مذكرات قانونية إلى الجنائية الدولية، تكشف عن أسباب قوية للاستنتاج بأن إسرائيل تستهدف بشكل ممنهج الصحافيين العاملين في فلسطين، وفشلها في التحقيق في مقتل الإعلاميين، مما يرقى إلى جرائم حرب، يعاقب عليها ميثاق روما".
استخدام القوة المميتة
وبالعادة، تقول إسرائيل إنها فتحت تحقيقاً بعد كل حادثة قتل لأحد الصحافيين لكن من دون الإفصاح عن أي نتائج. يقول الأمين العام للاتحاد الدولي أنطوني بيلانجر، "إن إخفاق السلطات الإسرائيلية في التحقيق بشكل صحيح في مقتل الزملاء الفلسطينيين يعد انتهاكاً للحق في الحياة وحرية التعبير وخرقاً للقانون الدولي".
ويشير نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر إلى "أن إسرائيل استخدمت القوة المميتة والأسلحة الأقل فتكاً باتجاه الرأس والوجه عمداً، وتسببت بإصابات دائمة وخطيرة، في حالة التعرف على هوية الصحافيين بوضوح، وهذا يمثل انتهاكاً جسيماً لحرية التعبير وتجاهلاً فاضحاً لسيادة القانون الدولي".
ومن جانبه، يقول ممثل الاتحاد الدولي جيم بوملحة، "إن الشكوى تطلب التحقيق في مقتل أحمد أبو حسين وياسر مرتجي، إلى جانب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين العدالة والمحاسبة على تلك الجرائم والتحقيق في التمييز وغيره من المسائل الممنهجة التي تعيق الصحافيين الفلسطينيين عن أداء عملهم".
5500 انتهاك
من جانبه، لجأ الاتحاد الدولي للصحافيين إلى هذه الخطوة، بعدما قدم عريضتي شكوى للأمم المتحدة، كانت الأولى لمقررة الأمم المتحدة لحرية الرأي والتعبير إيرين خان، والثانية للمقررة الأممية الخاصة بحالات الإعدام خارج القضاء أغنيس كالامارد.
يقول نقيب الصحافيين ناصر أبو بكر، "منذ عام 2008 ارتكبت إسرائيل نحو 5500 انتهاك بحق العاملين الإعلاميين، ومنذ ثلاث سنوات تعمل النقابة على جمع الوثائق التي تؤكد ارتكابها تجاوزات قاتلة بحق العاملين الإعلاميين، ومن خلال الشكوى نهدف إلى محاكمة حقيقية وفق القانون الدولي، ووجهنا الاتهام إلى قادة الجيش الإسرائيلي كونهم أعطوا الأوامر بقتلهم".
وبحسب أبو بكر، "فإن هذه القضايا لا تسقط بالتقادم، لذلك نقابة الصحافيين واثقة من هذه الخطوة، خصوصاً في ظل وجود شراكة دولية مع المؤسسة الفلسطينية"، مشيراً إلى "أن الضغوط التي تمارس عليهم لن تنجح في سحب الشكوى من أروقة الجنائية الدولية".
إنهاء حصانة إسرائيل
ومن جانبه، يقول المحامي الذي شارك في تقديم الشكوى بـ"الجنائية الدولية" طيب علي، "إن جميع الصحافيين الذين قتلتهم إسرائيل كانوا يرتدون سترات عليها علامة صحافة، وهذا دليل قوي أن أفعالها ترقى إلى جرائم حرب". ويضيف "تستهدف إسرائيل الإعلاميين بشكل منهجي ولكن بعد الخطوة القانونية في الجنائية الدولية لا يمكن مواصلة ذلك. إن الشكوى هدفها إنهاء حصانة الجيش، والسماح للصحافة الحرة ممارسة نشاطها بشكل ملائم وآمن".
ورفضت إسرائيل التحقيق معها، سواء في انتهاكاتها ضد الصحافيين أو الانتهاكات الأخرى في الأراضي الفلسطينية، وجاء ذلك على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي قال، "إن الجنائية الدولية ليس لها سلطة للتحقيق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب، وليس للمحكمة ولاية قضائية في هذه القضية".