أدى صعود العملات المشفرة على مدى العقد الماضي إلى اقتحام عالم التمويل، حيث فتح الملايين من الأشخاص محافظ افتراضية في محاولة للانضمام إلى "جنون التشفير" وجني المراهنة عليها بسهولة. وأخيراً، أصبحت سوق العملات المشفرة موضوع تدقيق مكثف في جميع أنحاء العالم بعد أن نمت إلى صناعة ضخمة، حيث يتم استخدام مناطق بأكملها للتعدين، ويتم تسجيل بورصات التشفير للاكتتابات العامة الأولية، ويتحول كبار المستثمرين بشكل مفاجئ نحو تداول العملات المشفرة. ومع ذلك، اجتذب صعود العملات المشفرة أيضاً مجرمي الإنترنت الذين يخدعون المستثمرين من أجل الحصول على أموالهم. وكانت أموال المستثمرين المتورطة في مخططات "بونزي" المزعومة قد وصلت إلى أعلى مستوى لها في عقد من الزمان في عام 2020.
وفي الولايات المتحدة كشفت السلطات الفيدرالية عن 60 مخططاً مزعوماً لـ "بونزي"، العام الماضي، بإجمالي 3.25 مليار دولار من أموال المستثمرين، وهو أكبر مبلغ تم اكتشافه في عمليات الاحتيال هذه منذ عام 2010 وأكثر من ضعف المبلغ من عام 2018، وفقاً لبيانات موقع "بونزي تراكر".
وفي الآونة الأخيرة تزايد الحديث عن ارتباط العملات المشفرة بمخطط "بونزي"، فما هو هذا المخطط؟ الاسم مرتبط بتشارلز بونزي الذي اشتهر بعد القيام بعملية تزوير عقاري في ولاية كاليفورنيا، وصنفت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية "بونزي" على موقعها، بأنه نوع من الاحتيال حيث يقوم المحتالون بسرقة الأموال من المستثمرين وإخفاء السرقة عن طريق تحويل العوائد إلى العملاء من الأموال التي يساهم بها مستثمرون جدد، وغالباً ما يلجأ المنظمون إلى مستثمرين جدد من خلال الوعد باستثمار الأموال في الفرص المزعومة لتوليد عائدات عالية مع مخاطر قليلة أو معدومة.
ومن المهم الإشارة إلى أن في العديد من مخططات "بونزي"، بدلاً من الانخراط في أي استثمار أو نشاط مشروع، فإن الجهات المخادعة تركز على جذب جديد للأموال لتسديد الدفعات الموعودة للمستثمرين السابقين، وكذلك لتحويل بعض هذه الأموال "المستثمرة" لصالحها الشخصي.
وكما هي الحال مع العديد من عمليات الاحتيال، يقوم منظمو مخطط "بونزي" في كثير من الأحيان باستخدام أحدث الابتكارات أو التكنولوجيا أو المنتج، لإغراء المستثمرين وإعطائهم وعوداً بعوائد عالية.
وقالت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية إن العملات الافتراضية، مثل "بيتكوين"، قد أصبحت أخيراً شهيرة، ويقصد بها أن تكون نوعاً من أنواع المال، كما يتم تداولها في التبادلات عبر الإنترنت، بما في ذلك الولايات المتحدة، كما أنها تستخدم لشراء السلع أو الخدمات عبر الإنترنت.
العملات الافتراضية تغري "بونزي"
وتابعت الهيئة أنها تشعر بالقلق الكبير من تزايد استخدام العملات الافتراضية في السوق العالمية وهو ما قد يغري المحتالين في "بونزي" على حد قولها، حيث تستخدم العملات لتسهيل الاحتيال، أو ببساطة إجراء استثمارات ومعاملات ملفقة، وقد يتضمن الاحتيال أيضاً عرضاً أو منصة تداول غير مسجلة. وغالباً ما تعد هذه المخططات بعوائد عالية للدخول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولمخططات "بونزي" خصائص مشتركة بحسب الهيئة حيث تشترك جميعها في أنها تحقق عوائد استثمار عالية مع مخاطر قليلة أو معدومة. كما تميل الاستثمارات إلى الصعود والهبوط بمرور الوقت، كما أن جميعها استثمارات غير مسجلة، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، لا يتم تسجيلها في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC)، أو منظمي الأوراق المالية في الولايات الأميركية، وغالباً ما تكون الشركات غير مسجلة والأفراد العاملين في "بونزي" غير مرخصين، كما تمتلك "بونزي" هياكل معقدة ورسوماً سرية، إلى جانب صعوبة استلام المدفوعات، وغالباً ما يستغل المحتالون الثقة المستمدة من كون المتداولين أو المستثمرين أعضاء في مجموعة تشترك في التقارب، مثل الانتماء القومي أو العرقي أو الديني.
وفي هذا التقرير نستعرض أبرز عمليات الاحتيال من بوابة العملات المشفرة:
"بيت كونيكت"
تم إنشاء "بيت كونيكت"، "BitConnect"، كمنصة مفتوحة المصدر، وكان يُشتبه في كونها جزءاً من مخطط "بونزي" منذ اليوم الأول لولادتها بحسب "روسيا اليوم"، حيث كان لديها هيكل تسويق متعدد المستويات، وقدم أرباحاً عالية مستحيلة بفائدة مضاعفة عند واحد في المئة يومياً، وتم إغلاق بورصة العملات المشفرة الشهيرة التي تم تشغيلها بشكل مجهول في يناير (كانون الأول) 2018، بعد أن قام مسؤولو النظام الأساسي برد أموال استثمارات المستخدمين في "بيت كونيكت كوين"، وانخفضت قيمة "بيت كونيكت كوين"، التي كانت ذات يوم من بين أفضل 20 عملة رقمية ناجحة في العالم، إلى أقل من دولار واحد من أعلى مستوى سابق بلغ 500 دولار تقريباً.
وفي وقت سابق من هذا العام، رفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية دعوى قضائية ضد شركة "بيت كونيكت" ومؤسسها الهندي ساتيش كومباني، بالإضافة إلى الأميركي غلين أركارو، الذي عمل كمروج للشركة في الولايات المتحدة، وشركة "فيوتشار موني ليميتد"، وهي شركة أنشأها أركارو لجذب الناس، وفي برنامج الإقراض الخاص بـ "بيت كونيكت"، زعمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، أن "بيت كونيكت" احتالت على المستثمرين الأميركيين بنحو ملياري دولار.
"بلس توكين"
في أبريل (نيسان) 2018، كانت عبارة عن مخطط احتيال "بونزي" يشتمل بشكل أساسي على مستثمرين في الصين وكوريا الجنوبية، أطلق منشئوها أيضاً رمزاً مرتبطاً يسمى "بلس"، وعرضت "بلس توكين"، "PlusToken" مدفوعات شهرية لمستخدمي محفظة العملة المشفرة الخاصة بها.
وورد أن المبلغ الإجمالي للعملات المشفرة الذي استوعبته "بلس توكين" كان يتراوح بين ملياري دولار و2.9 مليار دولار، وتم التكهن بأن بيع العملات المشفرة من "بلس توكين" كان سبباً وراء انخفاض أسعار "بيتكوين".
في العام الماضي، أعلنت وزارة الأمن العام الصينية أنه تم اعتقال 27 "مشتبهاً جنائياً رئيسياً" و82 من الأعضاء "الرئيسين" في "بلس توكين"، وفي وقت لاحق، حُكم على زعماء العصابة المرتبطين بالمخطط بالسجن لمدد تتراوح بين عامين و11 عاماً.
"آي فان" و"بينكوين"
تم تأسيس "آي فان"، "IFan"، و"بينكوين"، "Pincoin"، من قبل مجموعة من المحتالين الفيتناميين، الذين استخدموا شركة تدعى "موديرن تيك" كواجهة بحسب "روسيا اليوم"، وادعوا أن المشاريع نشأت في الهند وسنغافورة، واستخدموا المؤسسة لعقد أحداث واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد، ما أدى إلى تراكم استثمارات بملايين الدولارات، معظمها في "بيتكوين و"إيثيريوم"، في غضون بضعة أشهر.
كما زعمت الشركة أنها كانت مدعومة من قبل المشاهير، وكثير منهم كانوا يستخدمون منصة التواصل الاجتماعي التي يُزعم أنها مدعومة من الرموز المميزة، وقيل إن رموز "آي فان" و"بينكوين" تساعد في "بناء جسر" بين النجوم ومعجبيهم، وانهار المخطط، الذي وعد بعائد 48 في المئة شهرياً على استثمار أولي، بعد أن ادعى بعض المشاهير الذين ظهروا في المواد التسويقية أن صورهم كانت تُستخدم من دون موافقتهم، وقالوا إنه لا علاقة لهم بـ "آي فان" أو "بينكوين".
ومع ذلك، اختفى المؤسسون بعدما جمعوا في خزائنهم ما مجموعه 660 مليون دولار، وورد أن ما يقرب من 32000 شخص أغرقوا أموالهم في عملية الاحتيال.
في تاريخها القصير، أظهرت العملات المشفرة تقلبات عالية، مع سلسلة من الارتفاعات والانخفاضات الدراماتيكية. وعلى الرغم من أنها تجتذب المستثمرين الذين يأملون في تكوين ثروة، فإن عدم استقرارها وافتقارها إلى التنظيم يجعلها استثماراً خطيراً، وفي بعض الأحيان يُعرض المستثمرون مدخراتهم بالكامل للخطر.