سجّل معدل التضخم في تونس ارتفاعاً خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أن حقق استقراراً نسبياً في الثلاثية السابقة من السنة الحالية. ويعود ذلك إلى الارتفاع المسجل في أسعار النسيج والملابس والخدمات. وقد بدا الارتفاع الملحوظ في الخدمات والملابس أشد تأثيراً من صعود أسعار المواد الغذائية على المؤشرات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي). أما باحتساب الانزلاق السنوي، فقد شهدت المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً في أسعارها إضافة إلى المواد المصنعة والمواد الصيدلية.
وإن اختلف المراقبون حول أسباب هذا الارتفاع وخلفياته، فقد أجمعوا على التأثير الواضح للتضخم الذي تشهده كل البلدان، وبخاصة منها دول الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس.
ونبّه محللون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" إلى ضرورة تدخل الحكومة التونسية الحالية ببرنامج اقتصادي لحماية المقدرة الشرائية للتونسيين واستمرارية المؤسسات المنتجة، بهدف ضمان تدفق السلع واستقرار الأسعار في السوق وتحقيق التوازن المفقود حالياً، الأمر الذي يهدد مردودية المنتجين وينعكس سلباً على المستهلكين على حد السواء.
استقرار نسبي
وشهدت نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي ارتفاعاً طفيفاً في شهر أكتوبر، إذ ارتفعت إلى مستوى 6.3 في المئة، بعد أن كانت في حدود 6.2 في المئة في شهري سبتمبر (أيلول) وأغسطس (آب)، ما يعد استقراراً نسبياً في التضخم، لكنه يظل مرتبطاً بالثلاثية السابقة ومقارنتها بالشهر المنقضي، عكس نسق ارتفاع الأسعار على أساس الانزلاق السنوي الذي أخذ منحى تصاعدياً ملحوظاً.
ويعود الارتفاع المسجل في شهر أكتوبر مقارنة بالأشهر السابقة إلى تطور نسق ارتفاع أسعار الملابس والأحذية من 7.8 في المئة في شهر سبتمبر إلى 8.6 في المئة خلال شهر أكتوبر، وكذلك أسعار مواد وخدمات التعليم من 6.1 في المئة خلال شهر سبتمبر إلى 7.8 في المئة في شهر أكتوبر، مع الإشارة إلى تراجع طفيف في وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 7 في المئة مقابل 7.2 في المئة.
ويبين احتساب الانزلاق السنوي ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية بنسبة 7 في المئة، بسبب ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 27.3 في المئة وأسعار زيت الزيتون بنسبة 23 في المئة وأسعار البيض بنسبة 14.4 في المئة، والغلال الطازجة بنسبة 13.7 في المئة، وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 8.3 في المئة، بينما تراجعت أسعار لحم البقر ولحم الضأن على التوالي بنسبة 4.3 في المئة و2.9 في المئة، كما تراجعت أسعار الفواكه الجافة بنسبة 7.1 في المئة، مقارنة بأسعار شهر أكتوبر 2020.
في حين شهدت أسعار المواد المصنعة ارتفاعاً بنسبة 7.5 في المئة باحتساب الانزلاق السنوي، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار المواد الصيدلية بنسبة 8.5 في المئة، وأسعار مواد البناء بنسبة 12.4 في المئة، وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 8.6 في المئة، وأسعار مواد صيانة المنزل ومواد التنظيف بنسبة 5.9 في المئة.
وارتفعت أسعار الخدمات بنسبة 4.6 في المئة. ويعزى ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 6.5 في المئة وأسعار خدمات الصحة بنسبة 6 في المئة وأسعار الإيجارات بنسبة 4.5 في المئة.
وقد سجل التضخم الضمني لشهر أكتوبر 2021 أي التضخم من دون احتساب الطاقة والتغذية، ارتفاعاً إلى مستوى 6.3 في المئة، مقارنة بـ6 في المئة خلال سبتمبر 2021. وشهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعاً بنسبة 6.2 في المئة مقابل 6.7 في المئة بالنسبة للمواد المؤطرة. ويذكر أن نسبة التضخم وفق الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 7.5 في المئة مقابل 4.3 في المئة بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التضخم المستورد
واعتبر المحلل الاقتصادي محمد الطاهر ساسي أن النسبة المسجلة خلال شهر أكتوبر 6.3 في المئة مرتفعة باعتبار المعدل العالمي للتضخم، وهو لا يتجاوز 2.2 في المئة، وهي منهكة للمقدرة الشرائية للتونسيين.
وفسّر ذلك بالتضخم المستورد باعتبار ارتفاع حجم التوريد في تونس، إذ تشهد أغلبية البلدان تضخماً في الفترة الأخيرة بحكم ارتفاع مستوى الاستهلاك بعد عودة الحركة التجارية إلى سالف نشاطها إثر أزمة "كوفيد-19"، ما زاد في نسق الطلب على حساب حجم العرض، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق العالمية، بالتالي تضخم على المستوى العالمي. وتتأثر تونس بهذا التضخم بسبب اعتمادها على توريد المواد الاستهلاكية والأولية أيضاً، والتي زادت أسعارها في السوق العالمية. لذلك ينقسم التضخم المسجل في تونس إلى 30 في المئة محلياً و70 في المئة مستورداً. ويتجسد ذلك خصوصاً في المواد الغذائية التي يعتمد تصنيعها على الحبوب وزيت الصويا بسبب ارتفاع سعر هذه المادة في السوق العالمية، وكذلك الملابس الجاهزة.
كما يتعلق التضخم بقيمة العملة المحلية الدينار، والتي تشهد تراجعاً مقارنة بالدولار لا سيما مقابل اليورو، والحال أن معظم واردات تونس تتأثر من دول الاتحاد الأوروبي. وينعكس ذلك على أسعار المواد المستوردة بالنظر إلى سعر الصرف.
ترشيد الاستهلاك
ووجب التنبيه إلى الفرق الشاسع بين التضخم المحدد من قبل المعهد الوطني للإحصاء والتضخم المعاش. بحكم عدم ضم عدد من الخدمات الاستهلاكية ضمن عملية احتساب المؤشر، وأهمها الاتصالات والإيجار وخدمات الأزمات الطارئة وما يعرف بخدمات الرفاهة، التي أصبحت جزءاً من حياة التونسيين. وإن تم اعتبار ذلك، فإن التضخم المعاش من قبل التونسيين هو ضعف المؤشر المنشور.
ويظل التضخم المحلي انعكاساً بديهياً للتضخم المستورد، خصوصاً في مجال الخدمات، كما أن تكلفة إنتاج للسلع المحلية تتكون من عديد من العناصر التي تشمل سلعاً مستوردة في آخر الأمر. وتحتاج تونس إلى استراتيجية اقتصادية متكاملة للضغط على هذه النسب المرتفعة، وتمر عبر ترشيد الاستهلاك والإنتاج وليس التقشف. فالتقشف يمثل حلاً ظرفياً، لأنه يؤدي حتماً إلى نقص الاستهلاك لدى الأفراد، بالتالي ارتفاع نسق العرض مقابل الطلب، ثم تخفيض الإنتاج من قبل المصنع أو المنتج، ما يؤدي إلى تضخم مضاعف، بينما يمثل ترشيد الاستهلاك لدى الأفراد في مرحلة أولى والدولة في مرحلة موالية، الحل الأمثل للتغلب على التضخم. ويشترط بسيره بصفة موازية مع ترشيد الإنتاج، بحصر حاجيات السوق وتمويلها بالسلع المطلوبة والمحددة حسب الحاجة. كما يتحتم التخفيض من حجم الواردات والاقتصار على السلع الأساسية الاستهلاكية والمواد الأولية.
نفي
ونفى محمد سويلم، مدير السياسة النقدية السابق بالبنك المركزي التونسي، ما تم تداوله من لجوء تونس إلى طباعة مبالغ هامة من العملة المحلية وضخها في السوق، وعلاقة ذلك بارتفاع نسبة التضخم. ورأى أن الرفع في الأسعار المباشرة لجزء من المواد الأساسية من قبل الحكومة السابقة في شهر يونيو (حزيران) أدى إلى المؤشرات الراهنة. كما أشار إلى أن التأثير المباشر للتضخم يختلف بين مستهلك وآخر حسب الدخل الفردي، علماً بأن احتساب مؤشر التضخم في تونس يتم عبر آلية سلة المستهلك العائلية، التي تتكون من 1100 مكون. وهي مواد استهلاكية متنوعة ولا تغيب عنها الخدمات بأنواعها.
أما مستوى التضخم المسجل في الشهر المنقضي، فهو مرتفع على أساس الانزلاق السنوي بحكم انخفاضه في أكتوبر 2020 إلى 5.4 في المئة، لكنه يظل بعيداً من المستويات القصوى التي سجّلتها تونس في السنوات القليلة الماضية فقد بلغ 7.7 في المئة في شهر يوليو (تموز) 2018.