كشفت صحيفة "صنداي تايمز" عن قضية فساد أخرى تحيط بحزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، في الوقت الذي ما زالت قضية الوزير السابق والنائب المحافظ المستقيل أوين بارترسون تتفاعل، إذ تطالب المعارضة باستقالة رئيس المجموعة البرلمانية للحزب، ويطالب بعضهم رئيس الوزراء بوريس جونسون بالتفكير في مستقبله كرئيس للحكومة.
وعلى الرغم من استقالة باترسون إلا أن ما حدث في البرلمان الأسبوع الماضي من ضغط قيادة الحزب على نوابه في مجلس العموم للتصويت على مشروع قرار بمنع تعليق عضويته لمدة شهر، ثم التراجع تماماً عن ذلك في اللحظة الأخيرة، ما زال حديث السياسة والإعلام في بريطانيا، حتى إن صحيفة "ديلي ميرور" اعتبرت يوم التصويت على منع "توقيف" النائب وإعادة النظر في لجنة المعايير البرمانية المستقلة "يوماً أسود على ديموقراطيتنا".
ولا يقتصر الأمر على وسائل الإعلام التي قد لا تكون مؤيدة للمحافظين، بل إن مجلة الـ "إيكونيميست"، وهي محافظة تماماً، كتبت افتتاحيتها هذا الأسبوع حول بوريس جونسون ومجموعة حزب المحافظين التي تحمست للخروج من أوروبا (بريكست)، وكان رأي الصحيفة اليمينية الرصينة أن حكومة بوريس جونسون تزدري عملية المتابعة والمحاسبة، وخلصت إلى أنه "إذا استمرت الحكومة في التصرف وأن القواعد والنظم هي للخاسرين فقط، فإنها تجلب العار للديموقراطية نفسها".
ويرى بعض أعضاء حزب المحافظين نفسه أن رئيس الوزراء ومجموعة "بريكست" في الحزب يعتبرون أنفسهم خارج إطار المحاسبة بما أنهم تمكنوا من إخراج بريطانيا من أوروبا، "رغم أنف الليبراليين وغيرهم من المؤيدين لبقاء بريطانيا في أوروبا".
اللورد بـ 3 ملايين
وفي تحقيق استقصائي أجرته "صنداي تايمز" ومؤسسة "الديموقراطية الحرة"، ونشرت خلاصته على صفحتها الأولى الأحد، رصدت أن عدداً كبيراً من أعضاء مجلس اللوردات الذين عينتهم الحكومة الحالية وحكومات حزب المحافظين السابقة حصلوا على اللقب في مقابل تبرعاتهم للحزب بأكثر من 4 ملايين دولار (3 ملايين جنيه استرليني) من كل منهم.
وكشف التحقيق أن الحزب يعين أمين الصندوق له تمهيداً لتعيينه في مجلس اللوردات، شرط أن يسهم في تمويل الحزب بأكثر من المبلغ المذكور.
وعلى مدى العقدين الأخيرين فإن 16 أمين صندوق في حزب المحافظين عينوا في مجلس اللوردات.
وإضافة إلى أمناء صندوق الحزب، يرصد التحقيق أنه منذ العام 2010 وحتى الآن تم تعيين 22 من ممولي الحزب في مجلس اللوردات بعد منحهم لقب لورد.
وأسهم هؤلاء بما مجموعه نحو 73 مليون دولار (54 مليون جنيه استرليني) تبرعات لحزب المحافظين. ورفضت لجنة التعيينات في مجلس اللوردات ستة مرشحين آخرين أرادت حكومة المحافظين تعيينهم خلال تلك الفترة. ونقلت "صنداي تايمز" عن نواب وقيادين سابقين في الحزب استنكارهم تلك الممارسة التي اعتبروها معروفة للجميع، وإن كان لايعترف بها رسمياً. وعبر ستة من الوزراء السابقين من الحزب عن عدم رضاهم عن تلك الممارسة التي وصفها أحدهم بأنها "فضيحة في عز الظهر"، كما ذكرت الصحيفة، إلا أن متحدثاً باسم حزب المحافظين قال، "لا نعتقد أنه يجب منع رجال الأعمال الناجحين والذين يقدمون إسهامات للأحزاب والقضايا السياسية من دخول مجلس اللوردات"، إلا أن الوزير السابق في حكومة المحافظين ثم رئيس مجلس اللوردات بعد ذلك اللورد فاولر، قال إن "معظم المانحين للأحزاب الكبار يريدون شيئاً في المقابل. قد يكون التأثير في توجه الحزب، وقد يكون الدفع باتجاه سياسة معينة، وقد يكون الحصول على لقب لورد أو فارس، وكل ذلك التأثير يمثل خطورة على الحزب السياسي".
ونتيجة تلك التعيينات أصبح عدد اللوردات 800 لورد، مما يجعل مجلس اللوردات البريطاني ثاني أكبر غرفة برلمانية في العالم بعد الكونغرس السنوي للحزب الحاكم في الصين.
قضية باترسون
وعلى الرغم من استقالة النائب المحافظ أوين باترسون الذي سبق وأقاله ديفيد كاميرون من حكومة محافظين سابقة، إلا أن محاولة الحكومة والحزب منع محاسبته على فساده ما زالت تتفاعل. وطالبت رئيس حزب العمال المعارض أنيليز دودز بأن يعيد رئيس الوزراء التفكير في وضعه، وقالت "إن رائحة الفساد من حكومة بوريس جونسون تزداد كل يوم، حتى إن أحد رؤساء وزراء المحافظين السابقين وصف هذه الحكومة بالفساد السياسي". وكانت لجنة ممارسات النواب خلصت في تحقيق استمر عامين إلى أن باترسون وضع البرلمان في موقف شبهة باستمرار عمله مستشاراً لشركتين، وقيامه بالضغط على الوزراء لمعاملتهما معاملة تفضيلية.
وتقاضى باترسون أكثر من ضعف مرتبه البرلماني بمرة ونصف من شركة "راندوكس" التي منحت عقوداً حكومية بنحو 675 مليون دولار (نصف مليار جنيه استرليني) في مجال اختبارات فيروس كورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحشد رئيس المجموعة البرلمانية لحزب المحافظين، جاكوب ريس موغ، نواب الحزب للتصويت على مشرورع قرار بإلغاء لجنة الممارسات البرلمانية، وتشكيل لجنة جديدة يهيمن عليها الحزب. وتعرضت رئيسة اللجنة كاترين ستون لهجمات منسقة من بعض وزراء الحكومة، بخاصة وزير الأعمال كوازي كوارتنغ، إلا أن تهديد بقية الأحزاب السياسية بمقاطعة أي لجنة أخرى يتم تشكيلها جعل حكومة بوريس جونسون تتراجع تماماً عن موقفها.
وكما ذكرت "إيكونيميست"، فإن حكومة بوريس جونسون اعتادت الرد على أي محاسبة من هيئات القرابة بتجاهل قرارها والتصرف عكسه، مما جعل عدداً من رؤساء تلك الهيئات يستقيلون من منصبهم، وبدا واضحاً أن الحملة على ماترين ستون في قضية فساد أوين باترسون هدفها دفعها للاستقالة.
يذكر أن ستون كانت ألمحت إلى أن اللجنة التي ترأسها ربما تفتح تحقيقاً جديداً في قضية فساد أخرى تتعلق بتمويل تجديد شقة رئيس الوزراء الحكومية بعدما تنتهي لجنة الانتخابات من تحقيقها في القضية، وهي قضية فساد تتعلق ببوريس جونسون نفسه.