دخلت الحرب الدائرة في إثيوبيا بين جبهة تحرير "تيغراي" وقوات الدفاع الإثيوبية، عامها الثاني، مع ما ترتب عليها من مخاطر على البلاد خصوصاً ومنطقة القرن الأفريقي عموماً، وثمة تساؤلات عن عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حل لهذه المأساة حتى الآن.
تفاعل متأخر
ويرى مراقبون أن تقصير المجتمع الدولي تجاه حرب إثيوبيا صاحب بداياتها، ليرافق التطورات الأخيرة التي أعلنت فيها جبهة تحرير "تيغراي" زحفها إلى العاصمة أديس أبابا بعد استيلائها على عدد من المدن شمال البلاد.
ففي الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أعرب مجلس الأمن عن "قلقه العميق" من تصعيد النزاع في إثيوبيا، ودعا إلى وقف إطلاق النار في البلاد، كما طالبت الدول الأعضاء بـتهيئة الظروف لبدء حوار إثيوبي شامل لحل الأزمة، وكانت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو قالت، إن "الصراع المستمر منذ عام في إقليم تيغراي الإثيوبي بلغ مستويات كارثية"، وأضافت أن "خطر انزلاق إثيوبيا إلى حرب أهلية حقيقة".
وفي الثالث من نوفمبر، أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه لتصاعد النزاع في إثيوبيا، مجدداً دعوته الأطراف إلى الوقف الفوري للحرب، والبحث عن حل سلمي لحماية وحدة البلاد وسيادتها. وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، إنه يتابع بقلق عميق تصاعد المواجهة العسكرية في إثيوبيا، مجدداً دعوته للحل السلمي.
وكانت الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا "إيقاد"، عبرت هي الأخرى عن قلقها للوضع المتصاعد في إثيوبيا، داعية إلى حوار وطني شامل، وقال مديرها التنفيذي ورقنه قبيو، إنه يتابع بقلق شديد الوضع السياسي المتصاعد في إثيوبيا.
الأعمال العدائية
وفي السابع من نوفمبر الحالي أيضاً، طالبت 16 دولة بقيادة الولايات المتحدة أطراف الصراع في إثيوبيا بوقف الأعمال العدائية، والدخول في مفاوضات من دون شروط مسبقة لوقف دائم لإطلاق النار، ودعت هذه الدول، من بينها فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، إريتريا إلى سحب قواتها من الأراضي الإثيوبية، كما دعت إلى مساءلتها عن الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبتها قواتها في إثيوبيا.
وكانت الأمم المتحدة قد أخفقت مراراً في إصدار بيان يلقى إجماعاً دولياً حول أزمة إثيوبيا بسبب اعتراض كل من روسيا والصين.
تطور النزاع
وقال معتصم عبد القادر الحسن مدير المركز الأفريقي للاستشارات، إن "جذور المشكلة الإثيوبية ترجع إلى الإرث السياسي الطويل لجبهة تحرير تيغراي منذ نجاح رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي في تكوين تحالف جمع عدداً من القوميات والكيانات تحت مسمى الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية"، واستطاع، عبر استعانته بالسودان، طرد الرئيس الاشتراكي منغستو هيلامريام عام 1991 واستيلاءه على السلطة، وما نتح عن هذه التطورات من هيمنة منفردة لقومية الـ"تيغراي" على السلطة، قبل أن تسقط نظامها ثورة قومية من إقليمي "أوروميا"، و"أمهرا"، ومورست ضغوط محلية ودولية أقصت عناصر الجبهة عن القيادة السياسية، ليتولى آبي أحمد، المنتمي لقومية "الأورومو"، مقاليد رئاسة الوزراء بدعم مباشر من قوميته، وقومية "أمهرا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف مدير المركز الأفريقي للاستشارات، "تم اختيار أحمد لإكمال فترة رئيس الوزراء السابق هيلامريام ديسالين (من قومية جنوب إثيوبيا) الذي قدم استقالته إبان الثورة. وبعد إكماله الفترة المتبقية، أقدم آبي أحمد على إرجاء موعد الانتخابات البرلمانية التي كان مفترضاً إجراؤها، وفق الدستور في 29 أغسطس (آب) 2020، ما تسبب في مشكلة دستورية تمسكت بها الجبهة، وتهمته بالعمل لتمديد بقائه في السلطة، وفي خطوة منفردة، أجرت انتخابات في إقليمها بالموعد المحدد ما عرض الإقليم لعقوبات فيدرالية بحجب ميزانيته وتصويت البرلمان الإثيوبي في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 بعدم الاعتراف بتلك الانتخابات التي فازت فيها الجبهة.
وتابع معتصم عبد القادر الحسن، "مقدمات الحرب ترجع إلى فبراير (شباط) 2020 عند زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي العاصمة الإثيوبية، وقيل حينها إن هناك اتفاقاً خفياً تلعب فيه إريتريا دوراً مسانداً لإثيوبيا بحكم خلفيات العداء مع قومية "تيغراي".
طابع عرقي
وسط هذه التطورات، قال الباحث في الشؤون الدولية عادل عبد العزيز حامد، "ما تسببت فيه الحرب من دمار، وما تبعها من ظروف إنسانية مفجعة، جعل الأمور تتعقد أكثر وتتخذ طابعاً عرقياً"، لافتاً في الوقت عينه إلى اتخاذ الأمم المتحدة، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، ودول غربية عدة مواقف تتهم فيها الحكومة الإثيوبية وإريتريا بارتكاب تجاوزات وفظائع ترقى إلى جرائم حرب، و"فسرت القيادة الإثيوبية هذه المواقف كانحياز للجبهة التي نجحت في تسويق ظروف وآثار الحرب، ومن هنا، تولد الجفاء بين أديس أبابا والجهات الغربية، ما زاد الأمور تعقيداً، وأفشل الوساطات، بخاصة الجهود المبذولة من قبل واشنطن، كما فشلت الأمم المتحدة، نتيجة خلافات سياسية وأيديولوجية بين الفاعلين من دولها، في خلق مناخ لوقف الحرب".
خلق السلام
وعن توقعاته المستقبلية للدور المنوط بالمجتمع الدولي تجاه تطورات الأزمة الإثيوبية قال الباحث في الشؤون الدولية، "نداءات الأطراف للسلام، والبحث عن سبل اتفاق ستظل هي السائدة في خطاب تلك الجهات وبخاصة الدول الكبرى، لكن هناك واقعاً على الأرض لا يمكن تجاهله في الانتصارات التي يحققها كل من الطرفين في سبيل حسم المعركة لصالحه، وهو عامل يحول دون تحقيق سلام قريب، وليس للمنظمة الدولية ومجلس الأمن الدولي فعالية حقيقية تجاه المشكلة في ظل التنافس السياسي الحالي بين الدول الكبرى".