يبدو أن عدم وجود سقف سياسي لتحركات الفصائل الشيعية الموالية لإيران وتركيز الضوء عليها كسبب رئيس للمشاكل التي تعانيها البلاد خصوصاً في ملفي الأمن والاقتصاد، وبدء المجتمع الدولي التحرك لاعتبارها منظمات إرهابية، جعل طهران تتحرك إعلامياً لإعلان عدم مسؤوليتها عن أعمال العنف التي تقوم بها.
وبدا تنصل إيران من تصرفات الفصائل الشيعية خلال الفترة الأخيرة خصوصاً من هجماتها وتهديداتها الدولة العراقية، التي كان أكثر وضوحاً بعد الاتهامات التي وجهت إليها بالوقوف وراء محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد.
وأعلنت إيران إدانتها العملية عبر وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، الذي اعتبرها "محاولة من خصوم الكاظمي لإثارة الفتنة، وتصب في مصلحة الأطراف التي احتلت العراق"، مؤكداً "حرص طهران على مساعدة العراق للكشف عن المنفذين"، لكن المسؤولين الإيرانيين لم يجروا أي اتصال مع الكاظمي بشأن الحادثة.
وذكر المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء يحيى رسول الزيدي، "أن القيادة حددت أماكن انطلاق الطائرات الثلاث التي اشتركت في العملية من منطقة شمال شرقي العاصمة، وهي تجمع المعلومات للوصول إلى الجهة المنفذة".
وبحسب مصادر أمنية رفيعة، "فإن الاستخبارات العراقية كشفت عن أن الطائرات انطلقت من منطقة الكريعات"، موضحة "أن هناك أدلة مهمة تشير إلى أن هناك أربعة أشخاص قاموا بإطلاقها".
فيما اتهم قائد القيادة العسكرية المركزية الأميركية كينيث ماكينزي، "ميليشيات إيرانية بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي"، معرباً عن "انزعاج الولايات المتحدة مما وصفه بالهجوم الإجرامي".
وتحاول وسائل الإعلام الإيرانية وحتى التابعة للفصائل الشيعية على مواقع التواصل الاجتماعي تصوير العلاقة الحالية بين الطرفين بغير الجيدة، وأنها تمر بحالة من عدم رضا هذه الفصائل عن الموقف الإيراني الرسمي من حكومة الكاظمي بشأن اعتراضاتهم على نتائج الانتخابات أو الحد من نفوذهم منذ مايو (أيار) 2020.
لكن الحديث عن فتور العلاقات بين الجانبين وفقدان إيران السيطرة على الفصائل الحليفة لها يبدو أنها محاولة للتهرب من الردود الدولية الرافضة تصرفات وأعمال الفصائل، التي تعتبرها تهدد الأمن والسلم العالميين، وإظهار إيران كأنها غير مسؤولة عمّا يجري في العراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إيران تعلم باستهداف الكاظمي
وقال مدير مركز كلواذا للدراسات والأبحاث، باسل حسين، "إن إيران تحاول ضبط حركة بعض الجماعات المسلحة وهيكلة قرارها السياسي ليكون متماشياً مع مصالحها". وأضاف، "أنه من الصعب الحديث عن وجود تغيير كبير في الموقف الإيراني تجاه الجماعات المسلحة بالعراق، لكنها ترغب في إعادة ضبط إيقاع حركتها وهيكلة قرارها السياسي والأمني بما يتماشى مع المصالح الإيرانية"، مبيناً "أن حدثاً كبيراً مثل استهداف حياة رئيس الوزراء الكاظمي من الصعوبة بمكان توقع حدوثه من دون أوامر إيرانية مباشرة، أو في الأقل من بعض أجهزتها، ثم محاولة التنصل من الأمر لاحقاً والادعاء بعدم مسؤوليتها وشجبها الواقعة".
وتابع، أن "هناك أحاديث متزايدة عن أن إيران لم تعد قادرة على السيطرة على حالة التمرد التي تبديها بعض الميليشيات المرتبطة بها، لا سيما بعد غياب قاسم سليماني، وأن بعضها بدأ يتصرف من تلقاء نفسه في أكثر من واقعة من دون الرجوع إلى القيادات الإيرانية".
وأوضح حسين، "أن إيران تحاول إعادة تعريف علاقتها بهذه الفصائل والسعي إلى بسط هيمنتها المطلقة على سلوكها، بينما تنظر إلى الخارج وتحديداً المفاوضات التي من المفترض أنها ستجري نهاية الشهر الحالي، وبالتالي هي لا تريد بعث رسائل استفزاز للمجتمع الدولي ومنها ما يتعلق بالملف العراقي".
أوامر ولاية الفقيه
من جانبه استبعد مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، "أن تعمل هذه الفصائل بصورة منفردة من دون توجيهات إيرانية، كونها مرتبطة بولاية الفقيه في قم"، وأضاف "إيران قدمت منذ عام 1979 خطاباً مزدوجاً للعلاقات الخارجية في المواقف الإقليمية، ونتذكر وجود تيارين أولهما أصولي متشدد يتجسد بولي الفقيه، وتيار آخر معتدل"، مشيراً إلى "أن سماعنا تصريحات من وزارة الخارجية في عدد كبير من القضايا تؤكد احترام دول الجوار، وفي الوقت نفسه تصريحات من خامنئي المتشدد تدعم تيارات وكتائب مسلحة، لتشكل هذه الازدواجية بالمواقف عاملاً مضللاً للسياسة الخارجية الإيرانية".
توزيع الأدوار
وبحسب فيصل "قد يكون هناك تكتيك تحاول بموجبه أن تظهر إيران أنها كدولة ليس لها علاقة مباشرة بحلفائها في علاقاتهم وسياساتهم، لكي تتبرأ من الأفعال العسكرية، لأن القانون الدولي لا يسمح بالتدخل بالشؤون السيادية للدول خصوصاً بأفعال وأنشطة عسكرية وهو مدان، ويُخضع أي دولة تمارسه لعقوبات دولية وهذا ما حصل لإيران عام 1979 إلى اليوم في معاناة من العقوبات الدولية"، معتبراً "أن ما يجري نوع من التكتيك في توزيع الأدوار بين قوى متشددة في طهران تتمثل في ولاية الفقيه وأخرى معتدلة تحاول أن تظهر وجهاً آخر للجمهورية الإسلامية".
وأشار إلى "أن هذه الكتائب المسلحة في العراق تعلن صراحة أنها تقلد خامنئي وأن مرجعيتها في (قم)، وتنفذ توجيهات دينية أو سياسية أو عسكرية أو اقتصادية مرتبطة بها، ولا يمكن الفصل بين أفعال هذه الجماعات على أنها تعمل بصورة فردية كونها مرتبطة بصورة مباشرة بولاية الفقيه هناك".