استقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد الثلاثاء وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد آل نهيان، في أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع منذ قطع دول خليجية عدة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق إثر اندلاع النزاع السوري، إلا أن الخطوة لقيت انتقاداً من واشنطن.
وبكثير من الترحيب الشعبي والرسمي استقبلت دمشق وزير الخارجية الإمارتي والوفد المرافق له في تطور استثنائي على صعيد السياسة الخارجية السورية المسوّرة بقوانين الحصار والمطوقة منذ سنوات الحرب بأسلاك الحذر أمام أي تقارب يحدث مع دولة عربية يتأجج بداخلها نيران المعارك والفتن والاقتتال الأهلي، في حين سبقت الزيارة بساعات منشورات بثّها ناشطون إماراتيون ألمحت عن زيارة شخصية رفيعة المستوى للعاصمة السورية من دون أن تحدد هويتها.
الزيارة المفاجئة حملت فيما يبدو من التسريبات الأولية رؤية أبعد من توطيد الأواصر بين دمشق وأبوظبي التي كانت أعادت فتحت سفارتها في دمشق عام 2018 بعد قطيعة منذ 2011، بل هي زيارة استثنائية بعد طول غياب لدولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، عدّها مراقبون كسر واضح للحصار السياسي المفروض على سوريا رسمياً.
ونشرت الصفحة الرسمية للرئاسة صوراً جمعت الأسد وضيفه أثناء استقباله وبرفقته الوفد الإمارتي المرافق وزير الدولة والتعاون الدولي، ووزير دولة في الخارجية الإماراتية، ورئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ برتبة وزير. وذكرت الصفحة الرسمية نقلاً عن الوزير الإمارتي "ثقته بتجاوز سوريا التحديات التي فرضتها الحرب، ودعم بلاده لجهود الاستقرار في سوريا وأن ما حدث فيها أثر على كل الدول العربية".
"العودة الطبيعة"
ومن جهة ثانية تشي المعلومات الواردة أن الزيارة تندرج أيضاً ضمن التمهيد الوشيك لتقارب عربي يعيد سوريا إلى حضنها العربي بعد قرار تجميد عضوية دمشق من الجامعة العربية في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 أي قبل عشر سنوات وسحب السفراء العرب منها، حيث تحثّ الخطى مصر والجزائر بالإضافة إلى الإمارات لإنهاء العزلة السورية وعودتها إلى مجلس الجامعة.
وبدون أن يرشح عن الزيارة السريعة أي نتائج واضحة ومعلنة إلا أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب السوري، بطرس مرجانة عدّ تلك الزيارة وتوقيتها تندرج ضمن مسارها الطبيعي، وبحسب رأيه أنه من غير الطبيعي ألا تحدث مثل هكذا زيارات، وأضاف في حديث أدلى به لـ "اندبندنت عربية" على هامش الزيارة: "عودة سوريا لا بد أن تحدث في نهاية المطاف إلى الجامعة، وأنا أقول من يريد أن يعيدها إلى مقعدها عليه أن يأتي إليها ويأخذها بيدها إلى مجلس دول الجامعة، ولعل دولة الإمارات ترتبط مع البلد بكثير من وشائج الأخوة علاوة عن الاستثمارات والمشاريع الهامة حتى قبل الحرب".
وأعرب أن اللقاءات التي حدثت تندرج ضمن الانفتاح العربي وتمهيداً لعودة العلاقات "أنا متأكد من أن عودة باقي الدول العربية ولو بخطوات بطيئة ستحدث وسيطغى على العلاقات السورية مع الأشقاء العرب الأجواء الأخوية".
وعلى الرغم من عدم وجود أي نشاط برلماني على المدى المنظور نوّه أن البرلمانيين طيلة فترة العشر سنوات المنصرمة كان يسود بينهم أجواء المحبة والأخوة كشعوب ولا يوجد أي استعداء بعيداً عن مواقف التشنج والقطيعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ استئناف العلاقات الدبلوماسية، جرى اتصالان هاتفيان بين الأسد وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وأرسلت الإمارات طائرات عدة محملة بمساعدات طبية الى دمشق منذ تفشي جائحة كورونا.
وفي بداية الشهر الماضي، بحث وزيرا الاقتصاد السوري والإماراتي خلال لقاء على هامش معرض "إكسبو دبي" العلاقات الاقتصادية وضمنها الاتفاق على إعادة تشكيل وتفعيل مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي بهدف تشجيع التبادل التجاري والافتصادي بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.
العقوبات الأميركية
التسريبات الأولية من الاجتماع تفضي بتطابق في وجهات النظر وبتقارب يتخطى الحدود الضيقة والتحذيرات الشديدة من قوانين العقوبات الأميركية والأوروبية على حد سواء وهذا ما يعتبره الناشط الحقوقي، رضوان العلي مخاطرة إماراتية غير محسوبة لا سيما أن البلاد ما زالت تعيش على شفير الحصار المفروض أميركياً. وأردف قائلاً "هذا التطور الجديد بلا شك سيغضب واشنطن، بخاصة بعد تفعيل وتمديد العقوبات وعلى رأسها قانون قيصر، الذي يحظر على الأفراد والشركات والدول التعاون مع السلطة في دمشق، إلا في حالة واحدة بأن يكون هناك ضوء ما للزيارة، وهذا الأمر يعني تخفيض من حجم الضغط السياسي والقانوني على دمشق".
ويرجّح أن الأمر يبدو يتجه نحو ليونة من قبل نيويورك بما يخص الملف السوري، والتقارب أحد هذه الأشكال، ومن غير المستبعد أن تواصل إتمام سحب قواتها من سوريا بعد أفغانستان، وسبق ذلك أن أشاحت النظر من طرفها عن لقاء سياسي وتقني في سبتمبر (أيلول) الماضي في الأردن وسوريا لمد خط الغاز العربي عبر الأراضي السورية إلى لبنان، مشيراً "كما نلاحظ تحركاً روسياً في الدخول بملف الشمال الشرقي وهذا ما لم يكن ليحدث من دون تفاهمات، وتخفيض من حجم النفوذ الأميركي على الأرض، مع اقتراب جيش النظام من سيطرته على مناطق غير خاضعة له يعطي إشارات واضحة بتبدل مواقف الولايات المتحدة الأميركية نهاية المطاف".
بالمقابل يرى البرلماني مرجانة أن العقوبات الأميركية ما زالت قائمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية والتي تنظر للأمور بشكل براغماتي ولكنها ترى أن العقوبات أثرت بشكل سلبي على الشعب السوري بشكل مباشر، ومن الضروري إعادة النظر بها.
إزاء ذلك أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلق الولايات المتحدة من الاجتماع الذي عقد بين البلدين، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس خلال مؤتمر صحافي "نحن قلقون من التقارير الخاصة بهذا الاجتماع والإشارة التي يرسلها". وأضاف برايس أن بلاده لن تعرب عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات مع سوريا".
العلاقات الثنائية بالمسار الإيجابي
في غضون ذلك يهتم الشارع السوري بكل أطيافه السياسية الموالية للسلطة والمعارضة، بالحدث الجديد ولم تعلق قوى المعارضة على هذه الزيارة بشكل رسمي عشية اللقاء، بل اكتفى المعارضون باستنكارها عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتقد بعضهم أن الأمر لا يصل لكسر العزلة كون السلطة لا تسيطر على كامل الأراضي السورية.
بينما الفريق الموالي قد هلل لها وعدها "نصراً" للسياسة الخارجية، بينما وجد الحياديون في الزيارة انفراجاً قادماً لا سيما في المجال الاقتصادي، الأمر الذي ينعكس على معيشتهم.
دمشق اليوم بعد الزيارة ليست كما قبلها، هكذا يعتقد الشارع السوري السياسي، لكن الأمر لن يتأكد إلا حين معرفة نتائجها، وهل ستجود الأيام القادمة بالمفاجآت كما يشتهيها والسوريون.