"يما السمك أكلنا... يما ساعتين وإحنا بنغرق... الشباب ماتوا... يما احنا بنموت"، بهذه الاستغاثة الصوتية بلغ يحيى بربخ والدته وسكان قطاع غزة، بخبر غرق مركب كان ينقل المهاجرين غير الشرعيين من تركيا إلى اليونان، بحثاً عن فرصة لأي حياة توفر لهم لقمة عيش.
تقول محاسن بربخ، والدة يحيى (أحد المهاجرين غير الشرعيين)، إن ابنها أرسل لها الكلمات السابقة في مقطع صوتي مسجل عبر تطبيق "واتساب"، يستغيث بها ويخبرها أن المركب الذي كان على متنه غرق في عرض البحر، ولم تتوجه أي فرق إنقاذ لمساعدتهم.
البحث عن المفقودين مستمر
وتؤكد وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينيين أن مركباً يستقله مهاجرون بينهم فلسطينيون من قطاع غزة، غرق في بحر إيجة قرب السواحل التركية، ويسعى العاملون القنصليون إلى البحث عن المفقودين.
وتفيد المعلومات الواردة أن أكثر من 20 فلسطينياً من سكان غزة غرقوا على متن مركب للمهاجرين غير الشرعيين، لكن المستشار السياسي لوزارة الخارجية أحمد الديك يقول إن 11 مواطناً من القطاع غرقوا، وأن القارب كان ضيقاً ويتسع لنحو 10 أشخاص فقط، لكن وضع عليه أكثر من 30.
ويضيف الديك أنه جرى إنقاذ ثمانية أشخاص، فيما لقي اثنان مصرعهما، ولا يزال مواطن واحد مفقوداً، والسفارة الفلسطينية تواصل إجراء اتصالاتها مع الجهات المختصة لمحاولة معرفة مصيره.
74 ألفاً غادروا غزة منذ بداية العام
وبالعودة إلى بربخ، فإن الأم محاسن تقول، إن ابنها سافر نتيجة عدم توفر أي فرصة عمل له منذ سبع سنوات، بخاصة أنه يعول أسرته الصغيرة المكونة من ثلاثة أفراد.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، بل سبقها كثير من الحالات، وأبرزها ما يعرف بملف سفينة "6/9" التي فقد أثرها بركابها الفلسطينيين عام 2014.
ولم تتوفر أي أعداد للمهاجرين سواء كانوا بطرق شرعية أو غير شرعية من غزة، لكن بيانات الهيئة العامة للمعابر والحدود في وزارة الداخلية تشير إلى أن أكثر من 74 ألف مواطن تمكنوا من السفر خارج قطاع غزة عبر معبر رفح منذ بداية العام الحالي، فيما عاد منهم 57 ألفاً فقط. وبقي خارج القطاع نحو 17 ألفاً (مسافرون ولا يبحثون عن هجرة بالضرورة).
غزة غير صالحة للحياة
وفي غزة، يعاني السكان أسوأ ظروف، إذ يعتمد أكثر من 80 في المئة منهم على المساعدات الغذائية العاجلة، وتعيش 53 في المئة من الأسر تحت خط الفقر (التحصيل الشهري أقل من 300 دولار)، ونحو 33 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر المدقع (التحصيل اليومي أقل من خمسة دولارات)، فيما ارتفعت مؤشرات البطالة إلى 85 في المئة، وبلغ عدد الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل نحو 300 ألف، بحسب بيانات البنك الدولي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني إلى أن حامل الشهادة الجامعية يحتاج لنحو 16 شهراً ليجد أول فرصة عمل له، وعادة ما تكون براتب شهري يقدر بنحو 200 دولار أميركي فقط. كما أن غزة تعاني الحصار المطبق المفروض عليها منذ 16 عاماً.
وباختصار، فإن غزة باتت منطقة غير صالحة للحياة، وفقاً للأمم المتحدة، التي تشير إلى أنه في عام 2020 أصبحت منطقة منكوبة. ويقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية روبرت بايبر، إن جميع المؤشرات في غزة تسير في الاتجاه الخطأ.
فجرت حادثة غرق المركب، أخيراً، الغضب في الشارع. وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات غاضبة من استمرار فقدان شبان غزة لدى محاولتهم الهجرة هرباً من الواقع المرير، وأطلقوا نداءات تطالب بتوفير العيش الكريم لسكان القطاع.
يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة التجارة والصناعة في غزة ماهر الطباع، إن الواقع الذي خلقته إسرائيل في غزة، أدى إلى انسداد الأفق لدى الشباب، فالندرة الشديدة في الوظائف والاعتداءات العسكرية المتكررة التي تؤدي لتدمير المنشآت الاقتصادية، وفرض قيود شديدة على حركة الواردات والصادرات، تسببت في دفع الشباب إلى التفكير الحقيقي في الهجرة.
الحكومة تحاول إيجاد فرص خارج غزة!
وبالفعل، هذا ما أظهره مسح الشباب الفلسطيني لعام 2019، والذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء (مؤسسة حكومية)، إذ تبين أن 37 في المئة من سكان غزة يرغبون في الهجرة للخارج حتى وإن كانت بطرق غير شرعية، وأغلبهم من فئة الشباب الذكور.
وبحسب المسح، فإن العامل الاقتصادي هو السبب. وتشكل فئة الشباب في فلسطين 23 في المئة، أي نحو مليون و130 ألفاً في عام 2019، وتبلغ نسبة الفقر بينهم في قطاع غزة 75 في المئة.
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة سلامة معروف، إن حادثة غرق مركب المهاجرين بطرق غير شرعية سببها الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على القطاع.
ويضيف "لدينا تصور لإنقاذ واقع الشباب، وتوفير فرص عمل لهم، وهذا ضمن الأولويات الحكومية، وهناك اجتهاد لتوفير فرص العمل في دول خارجية لزيادة أعداد المرشحين للعمل".