أحيت نتائج مؤتمر باريس آمال الليبيين في إنقاذ الانتخابات العامة خلال ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وتجنيبها تداعيات الخلافات القانونية حول التشريعات الانتخابية، بخاصة الرئاسية منها، التي شكلت خلال الأسابيع الماضية تهديداً ليس على الموعد الانتخابي فحسب، بل على السلم المجتمعي.
وجاءت توصيات المؤتمر الذي استضافته فرنسا متماشية مع تطلعات الشارع وأغلب الكتل السياسية في ليبيا، بخاصة فيما يتعلق بتحصين موعد الانتخابات المتفق عليه سابقاً، والتلويح بعقوبات ضد المعرقلين، لكنها قوبلت بتحفظ مثير للاهتمام من بعض التيارات في طرابلس، ومن دول مؤثرة في سياق الصراع المحلي، مثل: روسيا، وتركيا، وإيطاليا.
البيان الختامي
وخرج مؤتمر باريس حول ليبيا بتوصيات وصفت من أغلب الأطراف داخل البلاد وخارجها بـ"المتوازنة"، وغطت المسارات الثلاثة للأزمة، السياسي والعسكري والاقتصادي، والاتفاقات الخاصة بها، التي رعتها الأمم المتحدة.
وشدد البيان الختامي للمؤتمر على أهمية التزام كل أصحاب المصلحة الليبيين، بشكل لا لبس فيه، بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر، وفق ما نصت عليه خريطة الطريق وقرارات مجلس الأمن.
وأشاد البيان بالخطوات الفنية لمفوضية الانتخابات، بما فيها تسجيل 2.8 مليون ليبي على القوائم الانتخابية، وفتح عملية التسجيل للمرشحين الرئاسيين والبرلمانيين والجدول الزمني للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإعلان المفوضية النتائج النهائية للانتخابات بشقيها في وقت واحد.
ودعا المؤتمر جميع السلطات والمؤسسات الليبية ذات الصلة إلى تقديم الدعم المطلوب للمفوضية لإجراء الانتخابات، والالتزام العلني باحترام حقوق خصومهم السياسيين قبلها وأثناءها وبعدها وقبول النتائج.
واتفق المشاركون في المؤتمر على أن الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها، الذين قد يحاولون عرقلة العملية الانتخابية أو تقويضها أو التلاعب بها أو تزييفها سوف يخضعون للمساءلة، وقد يجري إدراجهم من قبل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن.
دعم اللجنة العسكرية
وأشاد بيان مؤتمر باريس بأعمال اللجنة العسكرية (5 + 5). لافتاً إلى دورها المحوري في الحفاظ على الأمن، واتخاذ خطوات لدعم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد البيان دعم خطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية التي وضعتها اللجنة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2570 لسنة 2021.
ولقيت الفقرة الخاصة بانسحاب القوات الأجنبية، في البيان، تحفظاً من قبل روسيا وتركيا، اللتين تملكان أكبر وجود عسكري في ليبيا والأكثر تأثيراً، وهو أمر كان متوقعاً بالنظر إلى الرسالة الضمنية التي وجهتها الدولتان، وتشير إلى تحفظهما على المؤتمر حتى قبل بدايته، بمشاركتهما بممثلين أقل أهمية دبلوماسية من كل الوفود الأخرى.
وعزز الموقف الروسي - التركي الشكوك في قدرة السلطات الليبية والمجتمع الدولي على تنفيذ اتفاق سحب المقاتلين الأجانب في ليبيا قبل الانتخابات العامة.
مقدمة لسلام دائم
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الحضور المكثف في مؤتمر باريس الدولي، ومن الدول المجاورة حول ليبيا، "يعكس الرغبة في المضي قدماً لحل الأزمة الليبية، وسمح بإظهار وحدة المجتمع الدولي هذه القضية".
وقال ماكرون، في المؤتمر الصحافي الختامي، "وقف إطلاق النار في ليبيا لا يعني السلام، لكن مقدمة لذلك، يجب البناء عليها للوصول إلى سلام دائم في البلاد".
وأضاف، "المؤتمر عمل على جانبين أساسيين، أولهما دعم الانتخابات المزمع عقدها في 24 ديسمبر المقبل، وتأكيد ضرورة انعقادها في ذلك التاريخ، بينما الجانب الثاني تمثل في تأكيد ضرورة سحب القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد".
تعهد مهم
وفي ليبيا، اعتبر انتزاع تعهد من السلطات الحالية بتسليم السلطة بعد الانتخابات، بخاصة من قبل رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، أهم إنجازات المؤتمر، كون هذه المسألة شكلت نقطة محورية في الخلافات حول الانتخابات وقوانينها خلال الفترة الماضية، لأنها تمنعه من الترشح لها .
وقال الدبيبة، خلال مؤتمر صحافي، من باريس، إنه "سيسلم السلطة إذا أجريت انتخابات بشكل توافقي ونزيه بين كل الأطراف".
هل تراجع الدبيبة؟
التفاؤل الليبي بإعلان رئيس الحكومة الموحدة عبد الحميد الدبيبة، تسليم السلطة للأجسام المنتخبة نهاية السنة الحالية، لم يدم طويلاً، بعد أن عاد للحديث عن تعديل القوانين الانتخابية بمجرد رجوعه إلى طرابلس، ما اعتبر تمسكاً منه بالمشاركة في الانتخابات، التي لا تعيقها سوى هذه القوانين التي أقرتها المفوضية.
وقال الدبيبة، في تغريدة على "تويتر"، إنه "تم التأكيد خلال أعمال جلسة المؤتمر في باريس على عدة نقاط مهمة، من شأنها أن تضمن إجراء انتخابات في ظروف مناسبة وجيدة، والتي منها حث الأجسام التشريعية على تعديل قوانين الانتخابات لتكون توافقية وتحقق العدالة والشمولية وتكافؤ الفرص، وضرورة تزامن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفق جدول واضح وبين لكل الليبيين، مع ضمان إجراء الانتخابات من دون خروقات، من خلال دعمها سياسياً ومراقبتها دولياً، وأخيراً، وضع الضمانات الحقيقية لقبول نتائج الانتخابات وفرض عقوبات على المعرقلين والرافضين لهذه النتائج".
وتوافقت تصريحات الدبيبة مع ما ذكره رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي قال في تصريح بعد ختام المؤتمر، إن "مخرجات المؤتمر ملبية لتطلعات الشعب الليبي، بإجراء انتخابات متزامنة برلمانية ورئاسية في ديسمبر، مع ضرورة حل النقاط الخلافية".
نكوص ورسالة واضحة
وعلق الباحث والأكاديمي الليبي المبروك الغزالي "ما قاله الدبيبة في تغريدته ما هو إلا نص كلمته في الجلسة، التي لا تعتبر ملزمة للآخرين، أو تعبر عن رأيهم. الملزم هو البيان الختامي الصادر ممهوراً بتوقيع جميع الوفود، الذي أشاد بالخطوات التي قطعتها المفوضية حتى الآن، بما فيها إصدار التشريعات الانتخابية".
ووصف الغزالي تصريح رئيس الحكومة، بأنه "التفاف واضح على الحقيقة، وتراجع لا يخفى عن تعهداته في باريس، تشي برغبته في مواصلة الصراع على الترشح في الانتخابات، رغم العوائق القانونية وتعهداته السابقة بعدم التقدم لها".
أما وكيل وزارة الخارجية الليبية الأسبق حسن الصغير، فشدد على أن "مؤتمر باريس حول ليبيا ببيانه الختامي، أقفل الباب أمام طلبات تعديل قوانين الانتخابات نهائياً، بجانب تأكيد الجدول الزمني للانتخابات، وفق ما قاله عماد السائح رئيس مفوضية الانتخابات، في مؤتمره الأخير".
وتابع، "التزامن سيكون في الجولة الثانية، وكذلك في إعلان النتائج، والدبيبة سيعود من باريس محبطاً مثقلاً، وقد يظهر وجهاً آخر في التعامل والتعاطي والتمويل والصرف".
وفي المقابل، واصل عضو المجلس الأعلى للدولة في طرابلس عبد الرحمن الشاطر، توجيه الانتقادات إلى مؤتمر باريس حول ليبيا. واصفاً بيانه الختامي بأنه "نكتة سمجة". مستنكراً "إصدار البيان من دون الإشارة إلى الدستور أو قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات".