أعلن وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، اعتزامه تقديم التماساً بالعفو عن معتقلي الريف للملك محمد السادس، قائلاً في أحد البرامج التلفزيونية المحلية إن الأخير "هو رئيس الدولة وله كامل الصلاحيات لاتخاذ ذلك القرار"، مشيراً إلى أن "مجموعة صغيرة من المعتقلين المتبقين تقضي على خلفية أحداث الحسيمة، أحكاماً بالسجن تتراوح بين 10 و20 عاماً".
تراجع عن الخطوة!
لكن وزير العدل استدرك في حديثه أمام لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، قائلاً إن دوره في هذه القضية يتمثل فقط في تقديم طلبات العفو إلى لجنة العفو، الأمر الذي اعتبر تراجعاً عن تصريحه السابق.
وأضاف أن "هذه اللجنة مستقلة برأيها وقرارها، وستطبق المعايير والقواعد المعتمدة لديها"، مذكراً أن الملك سبق أن "أصدر عفوه عن 336 معتقلاً على ذمة قضية الريف في عامين فقط، ولقد استجاب للطلبات التي قدمت في هذا الموضوع...".
وأكد وهبي أنه سيعمل على تسريع البت في طلبات العفو الخاصة بمعتقلي الريف.
من جانبه، وصف الناشط الحقوقي، مصطفى المنوزي، خطوة وزير العدل بالتراجع، قائلاً إن وهبي استدرك بتقويم صلاحياته الدستورية، ناقلاً عن الوزير قوله إن "الأمر الوحيد الذي يمكنه القيام به في هذا الملف هو إحالة طلبات العفو الخاصة بمعتقلي حراك الريف على لجنة العفو، التي ستبت فيها وفقاً لمعاييرها، قبل إحالتها إلى الملك".
ملف "ملكي"
لطالما دافع وهبي، الذي يشغل كذلك منصب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، على ضرورة طي ملف معتقلي الريف، وسبق له الإعلان عن استعداده ترشيح معتقلي الحراك باسم حزبه في الانتخابات العامة الأخيرة.
يشير العلوي الحروني، المنسق العام لـ"اللجنة الوطنية لدعم الحراك الشعبي للريف ومطالبه العادلة"، إلى أن "وهبي لا يزال يعتقد أن ملف حراك الريف هو ملف للدعاية الاعلامية، ووسيلة لرفع منسوب التداول باسمه في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يفرق بين التصريحات التي كان يدلي بها وهو ضمن هيئة الدفاع عن المعتقلين وبين تصريحاته كأمين عام حزب ووزير للعدل بعد ذلك"، مضيفاً أن "ملف حراك الريف ملف شائك ومشبع بالألم أولاً...، وأن مخرجاته لن يكون فيها الجهاز التنفيذي طرف حل، إذ هو يكبره من حيث الحمولة السياسية، ولن تعطي المؤسسة الملكية ملفاً بهذا الثقل كجائزة لأي حزب حتى لو كان حزباً إدارياً كحزب وهبي ...".
ويوضح أن "المؤسسة التنفيذية التي جرمت الحراك في بيان الانفصال، لن تكون وسيلة ومدخلاً للحل بالوظيفة نفسها التي تتسم بالخضوع والافتقاد للقدرة على صنع القرار".
ويؤكد الحروني أن "حل ملف حراك الريف في يد أعلى سلطة بالدولة، وحين تنضج الشروط التي تراها المؤسسة الملكية مناسبة للإفراج، سيصدر العفو تحت يافطة... العطف"، مشيراً إلى أن لحظة الإفراج ستكون مباغتة للرأي العام ولن تسبقها شطحات إعلامية من أي كان.
حراك الريف
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شهد أكتوبر (تشرين الأول) 2016، حادث دهس بائع السمك محسن فكري، في شاحنة للنفايات في مدينة الحسيمة الواقعة في منطقة الريف بالشمال المغربي. أدى الحادث إلى قيام احتجاجات شعبية للتنديد بمقتل فكري الذي تمت مصادرة صناديق أسماك كان ينوي بيعها، لكن ذلك الاحتقان الشعبي عرف تراجعاً جراء زيارة وزير الداخلية للمدينة وتأكيده على التزام الحكومة بإجراء تحقيق قضائي دقيق، لتحديد ملابسات الحادث ومتابعة الجناة قضائياً، إلا أنه بعد ستة أشهر من التحقيقات صدرت أحكام برأت بعض المتهمين، وحكمت على بعضهم بالسجن لمدة تتراوح بين خمسة وثمانية أشهر، فعاد المحتجون إلى الشوارع معتبرين الأحكام القضائية لا تتماشى مع خطورة الجرم الذي تعرض له فكري.
وتعرف علاقة منطقة الريف بالسلطة توتراً تاريخياً، وذلك بعد أن شهدت المنطقة استقلالاً عن الإحتلال الإسباني بين عامي 1921 و1926 بزعامة شيخ المقاومين محمد عبد الكريم الخطابي. ومنذ ذلك الحين، كانت السلطات المغربية تخشى باستمرار نشوب نزعة استقلال أخرى، وتم استثناء المنطقة من العديد من البرامج الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، مما خلف شعوراً بالإقصاء لدى سكان المنطقة، وشكل الحادث فرصة للتنديد بعقود من التهميش.
أمل في طي الملف
يجمع النشطاء الحقوقيون على وجود أسباب لطي ملف معتقلي الريف، وذلك في ظل ائتلاف حكومي مكون في جانب منه من حزبين مقربين من السلطة، إضافة إلى التداعيات الدولية لتلك القضية.
ويشير إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إلى أنه "من أهم مطالبنا المرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية، العفو عن المعتقلين على خلفية ممارسة حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي، ويعتبر معتقلو الريف في مقدمتهم"، مؤكداً أن "كل مبادرة للعفو عنهم لا يمكن إلا أن نباركها ونعتبرها خطوة في الطريق الصحيح".
ويشدد السدراوي على ضرورة إرجاع الموظفين منهم إلى عملهم، والعمل على إدماج المتبقين في المجتمع، مشيراً إلى أن الحديث عن العفو وإطلاق سراحهم من دون التنفيذ يعد إساءة كبيرة لهم ولعائلاتهم.
من جانبه، يشير رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الخضري إلى أن "ملف معتقلي الريف من الناحية السياسية أكبر من الحكومة، لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بوجود أمل، فهذه الحكومة ربما تتمتع بحظوة أكبر لدى صناع القرار. كما أن هذا الملف يحرج الدولة المغربية وطنياً ودولياً، وتسعى إلى طيه في أسرع وقت ممكن"، مؤكداً أن "إعراب وزير العدل عن نيته طلب العفو عن معتقلي الريف أمر محمود بالنسبة لنا ونأمل تحقيقه على أرض الواقع، كما ندعو إلى إطلاق سراح باقي المعتقلين السياسيين، أمثال توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني".