شاء الممثل يوسف الخال ألا يحصر تجربته بالأعمال المحلية، بل حرص على أن تكون غنية ومنوعة بالأعمال العربية والتاريخية وبالفصحى، فهو أدرك باكراً أن الشهرة والمال لا يكفيان وحدهما، ويفترض بالفنان أن يعجن نفسه في المهنة وأن يحدد مساراته وأهدافه، فسعى إلى تثقيف نفسه فنياً وصقل تجربته من خلال العمل في المسرح والسينما، إضافة إلى موهبته في مجالات الغناء التأليف والموسيقى التصويرية، لا سيما أنه ابن الشاعر الكبير يوسف الخال والرسامة والشاعرة مهى بيرقدار.
مسيرته الفنية شهدت صعوداً مطرداً و"فرملها" خلافه مع المنتجين صادق الصباح وجمال سنان، في عز تألقهما الإنتاجي، وتسبب باستبعاده عن أعمالهما لمدة خمس سنوات، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها في الأسابيع الأخيرة، ولكنه إستمر وتألق من خلال مجموعة من الأعمال المحلية والعربية بين بيروت وسوريا والإمارات.
صورة ولون
بداية يتحدث الخال عن مستوى الإنتاجات الدرامية قائلاً، "النوعية جيدة على مستوى الإخراج والصورة واللون والإضاءة، أما الكمية فليست كبيرة، ولم يعد ينتج 70 مسلسلاً سنوياً على مستوى العالم العربي، ينجح بينها 30 مسلسلاً ويحصد 10 منها الجوائز، كما كان عليه الحال في السنوات الماضية. وحالياً لا يتجاوز عدد الإنتاجات الـ 20 عملاً سنويا ينجح بينها ثلاثة أعمال، بمعدل عمل واحد من كل بلد عربي.
وتعاني الدراما من مشكلة نصوص، وضائعة بين الأعمال الغريبة التي تحتاج إلى تفكير وبين أعمال السهل الممتنع الذي لا تكون مدروسة دائماً، فنحن لا نعرف هل نقلد الأتراك أو نيتفلكس أو النصوص الغريبة أو التعقيد البوليسي أو قصص الحب السخيفة، في حين أن الأخيرة لم تعد تحظى بالرواج، ومثلها الأعمال التي تضم 50 قصة في قصة واحدة، وتلك التي تقوم على الأحادية في البطولات إلا في ما ندر، والثنائيات المكررة وأعمال المنصات المؤلفة من 10 حلقات، والمأخوذة من مجموعة أعمال ولا يفهمها الجمهور".
ويرى أن ليس هناك هوية عربية تناسب كل الجمهور. ويضيف، "الفئات الشبابية تتابع نيتفلكس، ولا يهمها التلفزيون ونادراً ما تشاهد الأعمال العربية. التجارب ليست جيدة، وما نشاهده نشعر وكأننا شاهدناه في عمل ما، لأننا غير قادرين على تأليف أعمال خاصة بنا لأنه لا توجد حرية تأليف، فالمنتج يعتبر أن التأليف "وجع رأس" ويفضل النصوص المضمونة والمجربة في أعمال أخرى، فيجري عليها إسقاطات، ثم يعربها أو يلبننها أو يمصرنها، وهذا ليس خطأ كمرحلة أولى، ولكن لا بد من تجاوزها، ونحن كممثلين نحاول عجنها وخبزها لتقديم شيء من خلالها، فحتى التقليد لا يكون صحيحاً دائماً لأنه لا يوجد إبداع، وهو إذا وجد يكون فردياً ولا توجد إبداعات على مستوى المسلسلات".
الخال الذي حرص على التنويع في تجربته الفنية يؤكد أنه راض تماماً عن تجربته المسرحية إذ يقول، "شاركت في خمس مسرحيات تعتبر الأجمل وهي "زنوبيا" و "صاحب الغبطة والسلطان" و "آخر يوم" و"الطائفة 19" و"حركة 6 أيار"، وكلها أعمال أفتخر بها لأنها تتضمن رسائل أنا مقتنع بها شخصياً، وأنا أتشرف بها لأنها أعطتني القوة وحصنتني فنياً وميزتني عن غيري ومنحتني ثقلاً فنياً.
أنا لم أدخل المجال من أجل التسلية والشهرة، بل لتقديم أعمال جيدة ترضيني وترضي قناعاتي، كما ترضي الناس وتجعلني مقدراً عندهم ويستفيدون منها، ولا يعجبون بها وحسب.
"الطائفة 19" تتحدث عن الوضع في لبنان وإلغاء الطائفية وتغيير النظام، و"حركة 6 أيار" تتحدث عن الإعلام الموجه والمسيس، وقدرته على التأثير والتحريض والتغيير والتدمير، ومسرحياً أنا جمعت بين شكسبير ومنصور الرحباني والأب فادي تابت بحيثيته الدينية والأخوين صباغ بتوجههما الوطني".
تجارب محدودة
وعما إذا كان راضياً بالقدر نفسه على أعماله السينمائية يوضح، "هي تجارب محدودة وتقتصر على ثلاثة أفلام هي، "33 يوم" عن حرب تموز 2006 والمواجهات مع العدو الإسرائيلي، ولعبت فيه دور جندي في المقاومة اللبنانية عندما كانت تحظى بغطاء عربي.
الدور مشرّف، وهو أتى في إطار قناعات لها علاقة بتحرير الوطن. الفيلم إنتاج إيراني- لبناني، ولم يعرض في لبنان، والثاني "مدام بامبنو" الكوميدي والثالث "بيبي" وهو خفيف ضمن تركيبة جميلة. لا يوجد رضا كامل عن أي عمل شاركت فيه، بل هناك الناجح دائماً الذي تتخلله بعض النواقص الصغيرة أو الأكبر قليلاً. في الأساس لم يصل أحد إلى النجاح التام".
في المقابل، لا ينكر الخال أن التلفزيون يغريه أكثر من السينما والمسرح، "في الأساس لم يصلني كثير من العروض السينمائية. في لبنان كل شيء مقسوم وكل مجال له ناسه. السينما لها ناسها وممثلوها ومعظمهم لا يظهرون في الدراما، وهناك ممثلون سينمائيون حصدوا جوائز لا أعرفهم ولا يعرفونني، لكن ليس كل ممثل تلفزيوني هو بالضرورة ممثل سينمائي، وليس كل ممثل هوليوودي شارك في مسلسل تلفزيوني أو "نيتفلكس"، مع أن هذا الوضع تغير تماماً حالياً. ميل غيبسون لم يكن يظهر على "نتفليكس"، لأنها لم تكن موجودة، ولم يشارك في أي مسلسل، حتى ممثلو المسلسلين الشهيرين "فريندز" و"بيوتي أند ذا بيست" لم يشاركوا في أعمال سينمائية إلا أخيراً. حسابات السينما تختلف تماماً عن حسابات الدراما، والممثل الجيد في الدراما يمكن أن يقدم تمثيلاً جيداً في السينما، بينما ممثلو السينما يظهرون على الشاشة الكبيرة فقط، ولا يجيدون التمثيل في مواقع التصوير الخاصة بالدراما، لأنهم يضيعون بسبب اختلاف التقنيات.
السينما والمسرح والتلفزيون ثلاث قطاعات يجمع بينها الممثل، ونادرون هم الممثلون الناجحون فيها جميعاً، وأنا واحد منهم، لأنني درست واجتهدت وثقفت نفسي ولدي تجارب فيها، لكن تجربتي في التلفزيون هي الأقوى، ولست نجم شباك تذاكر كغيري، ولا أحب أن أوضع في هذه المواجهة".
تأليف وموسيقى تصويرية
الخال الذي خاض أيضاً تجارب التلحين والغناء والموسيقى التصويرية، يؤكد أن الموسيقى والتأليف أخذا منه نصف حياته. يضيف، "يوجد استديو في بيتي أمضي فيه معظم وقتي. أنا ألفت الموسيقى التصويرية لـ 22 مسلسلاً شاركت في 15 مسلسلاً منها كممثل. كنت أصور 15 ساعة يومياً ثم أعود إلى البيت لإنجاز الموسيقى التصويرية للحلقة، لكن في السنوات الست الأخيرة لم أعد قادراً على التركيز والجمع بين التمثيل والتأليف الموسيقي، ولكني مستمر فيه كأعمال خاصة بي. لم أطرح نفسي يوماً كموسيقي، بل هي مجرد هواية قديمة تحتاج الى تخصص، وأنا لست مستعداً له حالياً، ولكن لو أتاني عرض لتأليف موسيقى تصويرية لعمل ما، فإنني أقوم به لو توفر الوقت الكافي. إلمامي بهذا المجال أفادني في معرفة إيقاعي الداخلي كممثل، والفنان الذي لا يوجد لديه إلمام موسيقي ولو بالفطرة، سواء كان ممثلاً أو مخرجاً أو نحاتاً أو رساماً، يضيع الإيقاع من عمله الفني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى ذلك، لا يمانع الخال تكرار تجربة التقديم، ويقول إنه عرض عليه قبل أربع سنوات تقديم برنامج، ولكن لم يحصل اتفاق مادي. ويوضح، "هذا النوع من العمل اكسترا، لكن التمثيل هو شغفي وعملي الأساس، وأنا أحب هذا العالم بكل تفاصيله".
سيرة ذاتية
من ناحية أخرى، يوضح أن العمل الخاص بوالده الشاعر يوسف الخال والذي كتبته والدته مها بيرقدار جاهز، ولكنه لم يتمكن من اللحاق بأعمال السير الذاتية التي شهدت إقبالاً في العالم العربي في الفترة الماضية. ويتابع، "السيرة الذاتية ليست موضة، ويمكن تقديمها في أي وقت، ولو أن الأوضاع الدول العربية بخير لكان أنجر العمل حتماً. حالياً هناك انتقائية في نوعية الأعمال التي تقدم، والأعمال الجيدة التي لا تتماشى معها تحفظ في الأدراج على أن يتم تصويرها في الوقت المناسب.
العمل من 30 حلقة، وهو يصلح لأن يكون عربياً مشتركاً بامتياز، كما السيرة الذاتية التي قدمها الصبّاح عن الفنانة صباح، لأن والدي كانت تربطه علاقة بكل المبدعين العرب، كنزار قباني ومحمد الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس وسعيد عقل والأخوين رحباني وغيرهم، ويتضمن رحلات إلى إيطاليا والفاتيكان وفرنسا والأردن، لكنه مكلف كثيراً نظراً لغناه، ولابد من أن أقدمه في يوم ما، ربما في كتاب كما يمكن أن تتبناه إحدى الجهات الإنتاجية، وما يحزنني هو أن اسمي على اسم والدي، وشكلي يشبه شكله والعمل يتحدث عنه، ويحمل النص توقيع والدتي. والدي كان شخصيه مهمة جداً في العالم العربي، وهناك خمسة عوامل تسهل تنفيذ العمل الذي تبلغ كلفته الإنتاجية 5 ملايين دولار، ولكن المنتجين يفضلون استثمارها في مكان آخر، لأن الوقت ليس مناسباً له. أمامي 10 أو 12 سنة لكي أقدم هذا الدور، وسوف أشعر بالحسرة، إذ لم ينفذ لأن والدتي تعبت عليه وضمنته كثيراً من الأحداث الدرامية، وهو ليس سيرة ذاتية فقط".