لا تبدو بوادر استعادة التواصل العربي مع النظام السوري معزولة عن تطورات إقليمية ومشاورات دولية بشأن الوضع في سوريا، بل إن هذا التواصل يمكن اعتباره جزءاً من هذه التطورات والمشاورات وتتمة طبيعية لها.
منذ عامين على الأقل فتحت قنوات اتصال بين بعض العواصم العربية ودمشق، إلا أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بقيت معلقة، ولم تسفر الاتصالات عن عودة رسمية كاملة، وبقي التشاور في إطاره الأمني والإنساني. كانت دمشق تطلب استعادة موقعها في الجامعة ودعمتها روسيا في سعيها هذا، ولم يحدث تقدم في هذا المجال، واستمر داعمو رئيس النظام السوري بشار الأسد، خصوصاً من المرتبطين بإيران، في محاولاتهم تصوير التواصل العربي مع القيادة السورية، وكأنه اعتراف بهزيمة ورضوخ للانتصار السوري على الحرب الكونية المزعومة.
الآن يبدو أن وقائع جديدة دخلت المشهد، منها وقائع عربية ودولية وإسرائيلية.
انعكست الوقائع العربية في تمكن وزير الخارجية السورية فيصل المقداد من لقاء تسعة وزراء خارجية عرب خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك، وفي اتصالات سورية عربية على مستوى الأجهزة الأمنية، وأخيراً زيارة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن نهيان إلى دمشق.
في السياق تم التواصل الأردني اللبناني السوري المصري بشأن خط الغاز العربي إلى لبنان، وبرزت إلى الواجهة الوثيقة الأردنية حول تسوية العلاقات مع نظام الأسد، التي تنص بشكل خاص على خروج جميع القوى الأجنبية من سوريا مع الاعتراف بـ"المصالح المشروعة لروسيا". وحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، "فإن الأردن أعد هذه الوثيقة قبل أشهر وناقشها الملك عبدالله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز) الماضي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) ومع قادة عرب وأجانب. وفي خلاصتها تقترح الوثيقة بدلاً من تغيير النظام، تغييراً تدريجياً في سلوكه، وآلية للوصول إلى حل سياسي على أساس القرار 2254.
لا تبدو خطوات التقارب العربية الأخيرة مع دمشق بعيدة عن مناخ الوثيقة الأردنية التي تترك انسحاب القوات الأجنبية إلى المرحلة الأخيرة، وتتحدث عن "الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا" قبل التوصل إلى الانسحاب الشامل لمختلف القوى، كما أن هذه الوثيقة تبدو في جوهرها أقرب إلى ما نقل عن أولويات إدارة بايدن التي لا تتحدث عن إخراج إيران ولا عن الدورين الروسي والتركي، وتكتفي علناً بإعلان "عدم دعمها" السلام مع دمشق.
شيء ما يتحرك بخصوص الوضع السوري ومن دون ضجيج، وبين نهاية الشهر الحالي موعد العودة إلى مفاوضات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، ونهاية مارس (آذار) المقبل، موعد انعقاد القمة الدورية لجامعة الدول العربية، يجدر بنا انتظار ترجمة لسلسلة المواقف واللقاءات المتتالية ومعظمها يتم بتكتم وحذر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عملت إيران عشية العودة إلى المفاوضات على تعزيز أوراقها، وحرصت على الظهور بمظهر المتحكم بأوضاع العراق، على الرغم من تلقيها ضربة في الانتخابات، وقادت الحوثيين في تصعيدهم الحرب ضد مأرب والسعودية، وأمسكت الوضع في لبنان على ضفتي التعطيل والتفجير، وأرسلت إلى الأميركيين شروطها الثلاثة لإنجاح التفاوض.
أبقت الولايات المتحدة على تعاملها الهادئ مع إيران، ولم تستجب للتوترات في الخليج وبحر عُمان حتى أنها أعفت إيران من المسؤولية عن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. رغم أن طهران ترفض اتهامها بمحاولة اغتيال الكاظمي. بدا أن واشنطن متمسكة بالعودة إلى خطة العمل المشتركة بأي ثمن، وخففت من الأثر الإيراني في المنطقة العربية وسوريا، ومع ذلك واصلت طهران اشتراطاتها "غير الواقعية" كما وصفها خبراء أميركيون رأوا أن ما من حكومة في أميركا تستطيع تلبية هذه الاشتراطات، وما من اتفاقات جدية من دون اتصال مباشر أميركي إيراني.
كان سعيد خطيب زادة، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، تحدث عن ثلاثة شروط للعودة إلى الاتفاق، تمثلت في اعتراف أميركا بذنبها في ترك الاتفاق، ورفع العقوبات معاً بشكل فعال، وتقديم تعهد بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق في أي حكومة أخرى. وفي تفنيد لهذه الشروط يظهر أن الهدف الإيراني أثار الغبار لإخفاء المسؤولية الإيرانية الإقليمية، وهو أمر أظهر أن المفاوضين غير قادرين على تجاهله. ليست المسألة في شروط زادة، إذ إن الشرط الأول اعترفت به إدارة بايدن، والثاني تناولته كل الجولات الست المنقضية من مباحثات فيينا، والثالث لا يمكن لأي حكومة في التاريخ أن تضمنه.
البحث الإقليمي التفصيلي بدا أساسياً في اللقاءات (الأميركية – الروسية)، بعد زيارة مدير المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز إلى موسكو مطلع الشهر الحالي تكثفت اللقاءات على أعلى المستويات في جنيف بين الروس والأميركيين، وتناولت مباحثات الجانبين الوضع في سوريا الذي يبدو نقطة ساخنة بالنسبة إلى الجميع وإلى الروس خصوصاً.
هذه اللقاءات كانت متتالية منذ سبتمبر (أيلول)، وفيها تم عرض مشروع تسهيل خط الغاز من مصر إلى لبنان عبر سوريا والأردن، كما تمت سلسلة تدابير بينها تسهيل الأميركيين حركة القوات الجوية الروسية في سماء سوريا وتعزيز القاعدة الروسية في القامشلى بالطائرات.
في المقابل لم تُبد روسيا قلقها من تصعيد إسرائيل غاراتها على المواقع الإيرانية في سوريا التي بلغت 7 غارات خلال شهر، ولم تنف ما قيل في تل أبيب عن اتفاق بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نافتالي بينيت على العمل لإخراج إيران من سوريا!
لا تسير الأمور على سكة واحدة، لكن الأشهر القليلة المقبلة حتى مارس، وهو شهر الانتخابات النيابية في لبنان المأزوم، ستكون حافلة بالعمل لإعادة تأهيل الوضع السوري على قاعدة تشذيب التأثير الإيراني. هذا ما سيكون عليه الشرط العربي ومن ورائه نظيره الدولي لعودة الأسد المحتملة إلى الجامعة العربية، وربما عبر قمة الجزائر .وإذا حصل مثل هذا الأمر فإن انعكاساته ستشمل المنطقة المحيطة، ومنها لبنان الذي يستعد لانتخابات نيابية ثم رئاسية فاصلة.