عمد بوريس جونسون إلى التمهيد لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، خروجاً محفوفاً بالمخاطر من دون اتفاق مع الإتحاد، وذلك حين أطلق صفارة البدء في السباق للحلول محل تيريزا ماي بأسلوب عاصف.
لم تكد تمضِ ساعات على انحناء السيدة ماي لضغوط حزبها وإعلانها بالدموع عزمها على التنحي كزعيمة لحزب المحافظين الحاكم في 7 يونيو (حزيران) المقبل، حتى سارع وزير الخارجية السابق إلى الإعراب عن نيته إخراج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، سواء باتفاق مع الاتحاد أو من دونه.
وعلمت صحيفة "اندبندنت" من مصدر مقرب من جونسون الذي يُعتبر أوفر المرشحين حظاً للوصول إلى رئاسة الوزراء في يوليو (تموز) المقبل، أنه تلقى دعما من نواب حزب المحافظين الحاكم الموزعين على أجنحته كافة .
ولم يتردد جونسون بالدخول إلى ميدان المنافسة، قائلاً من على منبر مؤتمر اقتصادي في سويسرا "سنخرج من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر، بإتفاق أو من دون اتفاق. والاستعداد لعدم الاتفاق هو سبيل الوصول إلى اتفاق جيد".
في المقابل، حذّر أعضاء معتدلون في الحزب الحاكم من أن وصول أي مرشح إلى الزعامة بفضل تعهده بالخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، ينطوي على المجازفة بتعريض الحزب للانشقاق. وفي هذه الأثناء قال دومينيك غريف، وهو المدعي العام السابق، إن حزب المحافظين لن يبقى على حاله في اعقاب الأزمة .
من جانب آخر، أعلن جيريمي هانت، وزير الخارجية، عن ترشحه لأخذ مكان ماي ممهداً لانطلاق المواجهة مع سلفه جونسون، المنافس من الوزن الثقيل، على زعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء. وكذلك كان هناك إعلان مفاجئ من جانب السير غراهام برادي رئيس لجنة 1922 المهمة في الحزب ، بينما قال ستيف بيكر، وهو من أنصار البريكست المتشددين، إنه عاكف على إجراء "مشارورات" بشأن الترشح.
ومن المتوقع أن تحمل الايام القليلة المقبلة أنباء دخول قياديين آخرين، مثل مات هانوك، وزير الصحة، ومايكل غوف، وزير البيئة، و دومينيك راب وزير البريكسيت السابق، ميدان المنافسة على زعامة حزب المحافظين الحاكم. وإذا ترشح هؤلاء فعلاً ستصبح القائمة الطويلة للمتنافسين على الزعامة التي تضم روري ستيورات وأندريا ليدسون وإستر ماكفي إلى جانب جونسون وهانت، أطول مما هي عليه حالياً.
فبعد مضي أشهر على خوض المتنافسين حربا وهمية فيما بينهم، أطلق بيان التنحي المشحون بالعواطف والانفعالات الذي ألقته تيريزا ماي من أمام مقر رئاسة الحكومة في 10 داوننغ ستريت، المعركة الحقيقية . وحين اقترب الخطاب القصير من نهايته، تهدّج صوت ماي، على مرأى من زوجها فيليب، وهي تعلن عن خططها لترك منصبها قبل أن يغلق البرلمان أبوابه في يوليو (تموز) مع بدء عطلته الصيفية.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية، التي كانت تقاوم دموعها، إنها باتت تقبل، بعد ثلاث محاولات فاشلة لتمرير اتفاقها الخاص ببريكست في مجلس العموم، أن "من مصلحة البلد" البدء بعملية اختيار رئيس وزراء جديد. وتجدر الإشارة إلى أن ماي هي الشخص الخامس والثلاثين الذي ترك منصبه الحكومي بسبب البريكست في غضون 23 شهراً.
وفي تحذير واضح للحزب، لتجنّب اختيار خلَف لها، ميّال بقوة للخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، قالت ماي سيترتب على الزعيم الجديد أن يعمل للوصول إلى إجماع، وأن يكون مستعدا للقبول بالتسويات والحلول الوسطى للخروج من الاتحاد الأوروبي على نحو يمكن معه حماية الوظائف والأمن والاتحاد.
غير أن صوتها اختنق بالعبارات حين بلغت فقرة الختام التي جاء فيها "قد يكون عملنا السياسي عرضة لضغط شديد، لكن هناك الكثير من الأشياء الجيدة في هذا البلد.. الكثير مما يجعل المرء متفائلاً به". وأضافت "سأغادر قريبا الوظيفة التي كان تقلدها هو الذروة المشرفة لحياتي برمتها، فأنا المرأة الثانية التي تحتل منصب رئيسة الوزراء، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. ولن أغادر المنصب بسوء نية، بل بعرفان كبير ودائم بالجميل لأن الفرصة سنحت لي كي أخدم البلد الذي أحب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء خطاب الاستقالة هذا، غداة الانتخابات الأوروبية التي يُعتقد على نطاق واسع بأن أداء حزب المحافظين فيها كان الأسوأ في تاريخه، لكن ماي أصرّت في خطابها أن الحزب "قادر على تجديد نفسه خلال السنوات المقبلة".
وساقت في كلمتها تلك، أمثلة على التقدم المفترض الذي تحقق في عهدها لجهة تخفيض العجز المالي، وزيادة عدد الوظائف، ووضع استراتيجية صناعية جديدة، وبناء البيوت، وتوفير التمويل للصحة العقلية، ومكافحة التمييز القائم على العرق، واتخاذ إجراءات لمعالجة الفضلات البلاستيكية، وكل هذه الإنجازات هي تركة حكومة "محترمة ومعتدلة ووطنية" كانت تقودها، على حد تعبيرها.
تجدر الإشارة إلى أن طريقة تنحي ماي كانت موضع إشادة من قبل أولئك الذين يسعون إلى الحلول محلها، فبوريس جونسون أثنى على ما قدمته من"خدمة رصينة لبلدنا ولحزب المحافظين". أما دومينيك راب فوصفها بأنها "موظفة دؤوب، ووطنية ومحافِظة مخلصة ".
ومن جانبه، قال جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال المعارض، إن ماي أظهرت عجزا في القدرة على الحكم، وإن حكومتها "خذلت البلد تماماً". وتحدى خلَفها بأن يدعو إلى تنظيم انتخابات عامة فورية.
وبدوره، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي ستستضيفه ماي في آخر أيام عملها كرئيسة وزراء، عند زيارته القريبة للمملكة المتحدة، إنه "يشعر بالألم" لمغادرة رئيسة الوزراء البريطانية منصبها، لكنّ قرارها كان "لمصلحة بلدها".
وفي هذا السياق، أعلن كبار المسؤولين في حزب المحافظين أن عملية انتخاب خلف لماي ستبدأ في الأسبوع الذي يلي استقالتها كزعيمة للحزب، مع شروع النواب بتقليص قائمة المرشحين في سلسلة من عمليات التصويت المتعاقبة تمهيداً لطرح قائمة قصيرة على أعضاء الحزب وهم حوالي 125 ألف شخصاً في المملكة المتحدة، كي يختاروا الزعيم الجديد.
وإذا كان المرشح القوي لرئاسة الوزراء البريطانية، بوريس جونسون، قد أكد أنه لا يسعى إلى تمديد مهلة البريكست عن موعده النهائي الحالي في 31 أكتوبر من هذا العام، والذي تحدد في اجتماع قمة مجلس الاتحاد الأوروبي في أبريل (نيسان) الماضي، فإن أي رئيس وزراء جديد يتم اختياره، سيجد نفسه أمام جدول زمني قصير لإجراء مفاوضات هدفها تعديل شروط خطة ماي التي رفض البرلمان البريطاني إقرارها ثلاث مرات.
وهذا ما جعل توبياس ايلْود، وزير الدولة البريطاني لشؤون الدفاع البريطاني، يعبر عن عدم ارتياحه قائلاً "إذا كانت تجربة بريكست علمتنا أي درس حتى الآن، فهو تجنّب إعطاء وعود ورسم خطوط حمراء قد تندم لاحقا عليها أو أنك لا تستطيع تنفيذها".
كذلك هو الحال مع غريف الذي حذّر، من أن اختيار رئيس وزراء جديد، على أساس مبدأ الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، قد يؤدي إلى انهيار الحكومة. وفي تحذيره من التحول لتبني بريكست قاسي، كما يريد اليمين داخل حزب المحافظين، قال غريف "على الجميع أن يصغوا بحثا عن طريقة للخروج من هذه الازمة وإلّا فإن الحزب لن يتمكن من النجاة في شكله الحالي... أنا مقتنع بأن الحزب على أساس وأرضية كهذين، خصوصا إذا بدأ يغازل فاراج، سيجد نفسه في وضع صعب جدًا ولن يكون بإمكانه الفوز في أي نتخابات".
وعلى صعيد متصل، انتقدت الوزيرة المحافظة السابقة آنا سوبري، التي انسحبت من الحزب بسبب أزمة البريكست وانضمت إلى حزب "التغيير البريطاني"، تعهد جونسون بالخروج من الاتحاد الأوروبي باتفاق أو من دونه، معتبرة إياه موقفا "وصولياً، وانتهازياً وخطيراً". ووصفت عمدة لندن السابق جونسون بأنه "غير مؤهل كي يكون رئيس وزرائنا".وأضافت "إذا كان علينا أن نختار رئيس الوزراء الذي نحن تواقون إليه، فهذا لن يكون جونسون المهرج الاستعراضي".
أما النائب المحافظ المخضرم السير روجر غيل فقال إن إقصاء ماي "لا يحل أي شيء، لأن المشاكل نفسها ما زالت قائمة وستستمر في الوجود". وأعرب عن ارتيابه في وجود شعبية قوية لجونسون بين النواب، مشككاً بتمكنه من الوصول إلى ورقة الاقتراع النهائي. وفي هذا الصدد أوضح القيادي القديم غيل لصحيفة "اندبندنت" أنه "حتى إذا فاز، فسيكون من الطريف التساؤل في ما إذا كان قادرا أو غير قادر على تشكيل حكومة، لأن هناك الكثير من الأشخاص الذين أعرفهم لن يرغبوا في العمل تحت قيادة جونسون. وسأكون مندهشا إذا لم يزد عددهم عن 12 نائباً".
غير أن نصيرة بريكست البارزة، آن ماري تريفليان، التي تعمل حالياً في إطار حملة جونسون الانتخابية، قالت إنه يكسب دعمًا متزايداً من النواب من كل أجنحة الحزب، التي تقرّ بأنه المرشح الوحيد الذي يمتلك القدرة على توحيد الحزب والبلد". وأضافت لـ "اندبندنت" مبينة أن"الكثير من الزملاء الذين ربما كانوا يقولون قبل أشهر قليلة: بوريس مؤيد متطرف لبريكست، باتوا الآن يقولون إنه الشخص الوحيد الذي يمتلك "التميمة" التي ستمكنه من الفوز بالانتخابات العامة". وزادت مؤكدة ان "أشخاص بهذه المواصفات يأتون بين الحين والآخر، وهو واحد منهم".
© The Independent