في وقت حسم أمنيون وسياسيون إسرائيليون فشل السياسة التي اتبعتها تل أبيب لمواجهة المشروع النووي الإيراني، واعتبروا انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي خطأً جسيماً، بعدما تبين أن طهران نجحت بشكل كبير في التقدم ببرنامجها، يواصل رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير الدفاع بيني غانتس تهديداتهما لإيران.
وفي ذروة نقاش السياسة الإسرائيلية في مواجهة النووي الإيراني ومدى نجاحها، اختار بينيت وغانتس الإشراف على تدريبات عسكرية، الثلاثاء 16 نوفمبر (تشرين الثاني)، لإحدى أبرز الوحدات العسكرية، "جاعش". ومن هناك، أطلقا رسائل مغايرة لموقف الأمنيين وجهات سياسية.
وقال بينيت "بغض النظر عما سيحدث بين إيران والدول العظمى، ونحن بالتأكيد قلقون من حقيقة عدم إبداء ما يكفي من الصلابة إزاء الانتهاكات الإيرانية، ستدافع إسرائيل عن نفسها بقواها الذاتية".
أما غانتس، فوسط انتشار القوات العسكرية وتدريباتها أنذر المجتمع الدولي بأن إسرائيل ستواصل العمل على الجبهات كلها، "خصوصاً الجبهة الشمالية ومنع استمرار التموضع الإيراني". وأضاف، "يجب على العالم التحرك ضد إيران".
إخفاق خطير
واعتبر الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، الانسحاب الأميركي من الاتفاق سبباً لنجاح البرنامج النووي الإيراني، إذ أُتيح المجال لإيران بالتقدم في مشروعها والوصول إلى عتبة القنبلة النووية.
حديث يدلين، الذي جاء رداً على إعلان إيران عن العودة إلى المحادثات في شأن الاتفاق النووي، أثار نقاشاً إسرائيلياً حول السياسة التي اتبعتها تل أبيب منذ سنوات في مواجهة الملف النووي.
وبحسب يدلين، فإن إيران تخشى أن يتخذ "مجلس المحافظين" في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قراراً ضدها في سياق منع السماح لمندوبي الوكالة من دخول منشآت نووية.
وحذر يدلين من أن إيران ستصل إلى المفاوضات وهي في ذروة قوتها بعد أن نجحت في الالتفاف على العقوبات، خصوصاً ما يتعلق بتصدير النفط إلى الصين.
"الخطة ب"
في سياق البحث الإسرائيلي بشأن الاستعداد لمختلف السيناريوهات المتوقعة عند المحادثات بخصوص الاتفاق النووي، اعتبر أمنيون أن "الخطة ب" التي أعدتها الولايات المتحدة في حال فشل المحادثات، قد تمنع أضراراً كبيرة، من الناحيتين الاقتصادية والدبلوماسية، لكنها في الوقت نفسه، وفق تقرير إسرائيلي، "ما زالت بعيدة جداً عن القول إن الخيارات كلها مطروحة على الطاولة"، أي أن الخطة تشمل جوانب عسكرية لمواجهة النووي الإيراني، وهو الجانب الذي تطرحه القيادة السياسية الإسرائيلية ضمن تهديداتها لإيران.
لكن، من جهة أخرى، يرى يدلين أنه بدأ يتبلور في واشنطن احتمال خيار عسكري من أجل نجاح الخطوة الدبلوماسية، بهدف التأثير في القرار الإيراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف يدلين أن الوضع الحالي "يشير إلى الفشل الكبير لسياسة حكومة بنيامين نتنياهو، التي لم تحرك ساكناً ولم تبذل جهداً من أجل تطوير بدائل لوقف البرنامج النووي، ما أدى إلى حيازة إيران ما يكفيها من مواد لصناعة قنبلة نووية، حيث تملك 25 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة و210 كيلوغرامات من المواد بمستوى 20 في المئة.
والمعضلات التي يتحدث عنها يدلين تتركز على احتمال العودة إلى الاتفاق السابق، الذي يُعد خطيراً جداً لإسرائيل، ولا تستطيع تل أبيب مواجهته، بل يتيح للإيرانيين الاستمرار في تطوير برنامجهم النووي. وهنا، يدعو يدلين متخذي القرار في إسرائيل إلى دراسة إمكانية تنفيذ عمل عسكري خلال الوقت الذي تجري فيه القوى الكبرى المفاوضات مع إيران.
السيناريو الآخر الذي يضع إسرائيل أمام معضلة، هو حدوث أزمة في حال فشل العودة إلى الاتفاق النووي. وهذا السيناريو يشكل التحدي الأكبر لإسرائيل خلال الفترة القريبة المقبلة ويضع العديد من المعضلات أمام متخذي القرار في تل أبيب. وستجد إسرائيل نفسها أمام معضلة كبيرة في كيفية وقف التقدم الإيراني لتصبح فوق "عتبة نووية".
إزاء هذه الوضعية، أوصى يدلين حكومة بينيت - لبيد التركيز على "ثلاثة أبعاد للرد على التحدي الإيراني، وهي التنسيق مع الولايات المتحدة، والتركيز الاستخباراتي والعملياتي على البرنامج النووي الإيراني كعنصر حيوي لوقف الاختراق الإيراني نحو القنبلة، إلى جانب تعزيز وتعديل البدائل العسكرية كرافعة لدبلوماسية ناجحة وكخيار أخير، في حال فشل الجهود السياسية والدبلوماسية".
بينيت يقاطع المبعوث الأميركي
وفي خطوة اعتبرها إسرائيليون استفزازية لواشنطن "وضحالة سياسية"، قاطع بينيت المبعوث الأميركي للمحادثات مع إيران في فيينا، روبرت مالي، الذي وصل إلى تل أبيب عشية استئناف المحادثات مع إيران للاجتماع مع المسؤولين الإسرائيليين.
وبحسب مقربين من بينيت، فإن رفض لقاء مالي جاء كي لا يظهر رئيس الحكومة الإسرائيلية كمن يوافق على العودة إلى الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه تذرع مقربو بينيت بأن رئيس الحكومة غير ملزم بلقاء شخصية إذا لم تكن بمنصب وزير.
لكن قرار بينيت أثار موجة غضب بين أمنيين وجهات سياسية اعتبرته عرقلة أمام الأميركيين، وهو موقف رفضه مطلعون على قرار بينيت الذي اعتبروه رداً على مواقف مالي من الاتفاق النووي مع إيران.
تراجع القدرات الهجومية
لم يقتصر اعتراف الإسرائيليين، عشية المحادثات بشأن الاتفاق النووي، على فشل السياسة الحكومية في مواجهة النووي الإيراني، بل كشف تقرير استخباراتي عن التراجع الكبير للقدرات العسكرية الإسرائيلية في مواجهة النووي، في مقابل تقدم إيران في تجميع اليورانيوم المخصب بالكميات التي تتيح لها إمكانية صناعة القنبلة.
واعترف الجيش الإسرائيلي، وفق التقرير، بأن القدرات الهجومية ضد إيران تراجعت منذ عام 2013، عند التوقيع المرحلي بين الولايات المتحدة وإيران.
التقرير الذي يناقض تهديدات غانتس وبينيت بكل ما يتعلق بالهجوم العسكري على إيران ومنشآتها النووية، يؤكد أنه سيكون من الصعب على إسرائيل وحدها مهاجمة إيران.