بعد حصوله على أصوات (الكتلة الأكبر) في الانتخابات الأخيرة التي جرت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بـ74 مقعداً، يجد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري أمام القوى الولائية الشيعية الشريكة له في المكون المذهبي والمخالفة له بالتوجه، التي تعرف بالإطار التنسيقي، يجد نفسه وتياره محاصراً في عملية ملتبسة تسعى للالتفاف على نتائج الانتخابات، وتتهم المفوضية المستقلة وأطرافاً خارجية بالتزوير وحرمانها من عشرة مقاعد في الأقل، لذا فإنها تسعى للتشويش على كل الأصعدة العملياتية والأمنية والإعلامية لفرض حالة الإرباك والتشكيك بالمطالبة بالفرز اليدوي وإطلاق التهم التي لها أول وليس لها آخر.
نقاط مقتدى الصدر لمنافسيه الشيعة
القوى التنسيقية تضم أغلب الذين أمسكوا المواقع الأولى في الحكومات السابقة كنوري المالكي وحيدر العبادي وعمار الحكيم وهادي العامري وفالح الفياض وسواهم ممن يرفضون قبول نتائج الانتخابات ويدعون إلى إعادتها أو فتح تحقيق حول نتائجها، لكن الصدر أقدم على طرح مبادرة من خمس نقاط رئيسة أمام القوى السياسية التي وصفها بأنها "تعتبر نفسها خاسرة في هذه الانتخابات، في وقت شهد العالم بنزاهة الانتخابات، التي لا ينبغي أن تكون خسارتهم فيها مقدمة لإنهاء وخراب العملية الديمقراطية في العراق"، كما قال الصدر الذي دعا إلى مراجعة السياسيين أنفسهم، ليعيدوا ثقة الشعب فيهم، محذراً من ضياع تاريخ المسميات السياسية ما يزيد من نفور الشعب منهم.
كما دعا الصدر إلى مجموعة من الاشتراطات في حال رغبة الأطراف السياسية الخاسرة المشاركة في الحكومة مشروطة بـ"محاسبة المنتمين إليكم ممن عليهم شبهات فساد وتسليمهم إلى القضاء النزيه، وتصفية الحشد الشعبي من العناصر غير المنضبطة، وعدم زج اسم الحشد وعنوانه في السياسة، وقطع كل العلاقات الخارجية بما يحفظ للعراق هيبته واستقلاله، إلا من خلال الجهات الدبلوماسية والرسمية، وعدم التدخل في شؤون دول الجوار وزج الشعب العراقي بحروب خارجية لا طائل منها، وحل الفصائل المسلحة أجمع دفعة واحدة، وتسليم سلاحها كمرحلة أولى إلى الحشد الشعبي عن طريق قائد القوات المسلحة (وهو رئيس الوزراء)"، وأكد الصدر بأن قوة المذهب الشيعي لا تكون بفرض القوة والخلافات الطائفية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقدمات تصعيد المواقف
كل تلك المقدمات التي دعا إليها زعيم التيار الصدري تقول إن صبره قد نفد أمام محاولات التعطيل المستمرة لتشكيل الحكومة الجديدة، والانسداد السياسي الذي فرضته القوى الشيعية التي كانت ذات يوم تشكل الأغلبية السياسية وهي مجتمعة بأكثر من 180 مقعداً، لتحتل الكتلة الكبرى وتكون أكبر كتلة برلمانية، تفرض ديكتاتورية الأغلبية على القرار السياسي، لكن ينطبق عليها وصف عراقي شهير (وجوه متوالفة وقلوب متخالفة) وهي تنشئ مراكز قوة وتتسلح ليل نهار وتصفي خصومها، وترتضي بل تفرض الانشطار السياسي العرضي: شيعة، سنة، أكراد، وتضع المحاصصة سبيلاً للحكم وتوزيع المناصب والثروات، وتتولى أموال الدولة ومراكزها وتعييناتها لكسب الأصوات الانتخابية باستغلال حاجات المجتمع الذي ملّ ورفض حالة الفساد، والتهميش لغير الموالين لها ولأحزاب السلطة، الذين فرضوا نمطاً من الحكم الثيوقراطي الهجين، الذي رفضه جميع أصحاب العقول الوطنية وجاهروا بعدائه ودعوا إلى التخلص منه. وكما يقول الدكتور مازن العبودي معلقاً على دعوة الصدر "كان خطاب السيد مقتدى الصدر واضحاً وفيه رسائل مهمة للداخل والخارج، وأسميه ضربة معلم، وقد كسب تأييداً دولياً".
ويعلق الكاتب محسد جمال الدين على ضبط سلاح الفصائل الشيعية قائلاً "لو طالبت دول العالم كلها فصائل الأحزاب الشيعية المسلحة أن تضبط سلاحها وسكتت عن مطالبة فصائل الأحزاب الكردية المسلحة، بالمثل لوقفنا صد العالم بأسره، لأننا ببساطة نريد عراقاً واحداً جيشه واحد وسلاحه واحد بمسطرة قياس واحدة، الحشد والبيشمركة، يبقيان معاً ويرحلان معاً"، على حد وصفه. ويضيف "ترحيل الأزمات لا يعني حلها، فهناك فصائل حزبية مسلحة تأتمر بأمر قادة أحزابها فقط، فلو يتعالج مستقبل كل هذه الفصائل الشيعية والكردية، ونسكت على الموضوع ويبقى الحال على ما هو عليه، فإن انتقائية الفصائل الحزبية الشيعية وحدها ستعقد المشهد".
في وقت يرى المحامي علي المعلا "أن المطالب التي أرادها الصدر في خطابه مهمة وحاسمة لإعادة العراق إلى سكة الخلاص، نحن مع كل خطاب وطني يمكن من تجاوز الأزمات".
هل وضع الصدر النقاط على الحروف لينهي أزمة تشكيل الحكومة؟ الجواب كلا، لأن الخلاف الشيعي بل الانقسام ناجم عن طرف دولي يحرض باتجاه مصالحه الحيوية بأن تبقى الأمور على حالها ضمن جو المحاصصة ومفاسدها ومكاسبها، لسرقة ثروات البلد وتعطيل مشاريعه الاقتصادية والحؤول من دون تقدمه في ترصين أمنه، ليستمر مشروع نهب البلاد وإبقاء الفوضى.