في عام 2020، خنق فيروس كورونا العابر للقارات قطاع السياحة عالمياً، وأوسعه الضربة تلو الضربة، فما بين إغلاق الدول حدودها، وانهيار أنظمة صحية على أثر أعداد الإصابات والوفيات، وتحول القطاعين الحكومي والخاص إلى العمل عن بعد، كانت صناعة السياحة تعيش سقوطاً صاروخياً، ونزيفاً في الأموال والوظائف، حتى بلغت الخسائر تريليون دولار، وفقد أكثر من 62 مليون شخص أعمالهم.
لكن صناع السياحة في العالم اليوم أكثر تفاؤلاً بانتعاش القطاع منذ توفر اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في كل أنحاء العالم، وأحد أبرز هؤلاء القادة، البريطانية جوليا سيمبسون، التي تشغل منصب رئيسة مجلس السفر والسياحة العالمي منذ مايو (أيار) الماضي، وتمثل أكثر من 200 رئيس تنفيذي لشركات رائدة في الطيران، والفندقة، والترفيه، والرحلات البحرية، وغيرها.
لتسليط الضوء على رحلة التعافي التدريجي التي يمر بها قطاع السياحة عالمياً، التقت "اندبندنت عربية"، رئيسة مجلس السفر والسياحة العالمي لتشارك رؤيتها مستقبل السياحة، والدروس التي قدمها الوباء، إضافة إلى أبرز المعوقات في مستقبل ما بعد "كوفيد-19"، والدور اللافت لدول صاعدة مثل السعودية، التي باتت أكبر مستثمر في القطاع، وفق البيانات الرسمية.
"كنا الأكثر تضرراً من كورونا"
تقول جوليا سيمبسون إن "قطاع السفر والسياحة كان أكثر القطاعات المتضررة بسبب الوباء، فبعد أن كانت قيمة القطاع تساوي قرابة عشرة تريليونات دولار، تقلص هذا الرقم إلى النصف، وما يعنيه ذلك للناس هو أن 62 مليون شخص فقدوا وظائفهم"، إلا أن الخبر السار، على حد وصفها، هو أن "الصناعة باتت تتحرر ببطء من تأثيرات كورونا"، متوقعة "عودة القطاع إلى ما كان عليه قبل الوباء بنسبة 80 في المئة أواخر العام المقبل".
وعن طبيعة عمل المنظمة التي تقودها، وما يميزها عن منظمة السياحة العالمية، تقول "مجلس السفر والسياحة العالمي أو (WTTC) يمثل 200 من كبار الرؤساء التنفيذيين الذين يقودون شركات رائدة منها مجموعة (هيلتون)، و(كرنفال كروز) للرحلات البحرية ومطارات دولية وشركات طيران وفنادق كبرى، إضافة إلى منظمي الرحلات". وأضافت "نحن نمثل صوت القطاع الخاص وهذا ما يجعلنا فريدين".
وأكدت في حديثها عن الجهود التي بُذلت لجمع الحكومات ومجتمعات الأعمال معاً لتعزيز تعافي السياحة في مستقبل ما بعد كورونا، أن العالم يخرج من الأزمات أقوى، مشيرة إلى أن ما لوحظ أثناء تفشي الوباء ومكافحته هو أن "الحكومات عملت بشكل وثيق للغاية مع القطاع الخاص للتوصل إلى خطط لاستعادة احتياجات الناس الصحية الأساسية، وإدخال معايير جديدة للسفر".
"إجراءات السفر ما زالت معقدة"
وعن رؤيتها مستقبل السياحة بعد ضربة الوباء، قالت إن الدول التي كانت لديها سياحة محلية مزدهرة للترفيه مثل الولايات المتحدة والصين وإلى حد ما الشرق الأوسط ساعدتهم السياحة المحلية على احتواء خسائر الوباء، ولكن حتى تضمن نجاح قطاع السياحة والسفر، فهناك حاجة إلى صلات قوية بين الدول، وهو ما يجري الآن استعادته بعد كورونا. وأعربت عن سعادتها لفتح الولايات المتحدة حدودها الأسبوع الماضي مع بقية دول العالم.
وكشفت سيمبسون عن ارتفاع حجوزات الطيران والفنادق، وهو ما يظهر وجود رغبة حقيقية لدى الناس في السفر، وثقة بأن أنظمة الصحة واللقاحات ستضمن سلامتهم، لكنها مع ذلك لا تعتبر الوضع "مثالياً"، إذ تقول، "هناك تحديات السعودية تقود للتوصل إلى حلول بشأنها، منها أن بعض الإجراءات معقدة ومكلفة للغاية، فليس سهلاً لأسرة مكونة من أربعة أفراد أن تسافر نظراً إلى إلزامية فحوص كوفيد-19 التي تكلف 200 دولار للفرد، مما يجعل سفر العائلات باهظاً"، مؤكدة أن العمل مستمر مع الحكومات لتسهيل تجربة السفر خلال فترة نهاية الجائحة.
السفر من دون لمس ضرورة
وتعتقد سيمبسون أن تجربة السفر في الوقت الحالي معقدة لأسباب منها اختلاف نوع الفحص الطبي الخاص بفيروس كورونا من بلد لآخر. ولتعزيز تعافي السياحة، فهي تدعو إلى تطبيق سياسة "السفر من دون لمس" التي تهدف إلى تقليل لمس الأسطح، والاحتكاك الجسدي، وبالتالي خفض انتشار الفيروسات، مشيرة إلى أنها عندما تستقل قطاراً أو حافلة في المملكة المتحدة، فإنها لا تحتاج إلى لمس أي شيء، وتنجز كل ما تحتاجه عبر هاتفها، وهذا هو نوع التجربة التي يريد المجلس أن يحظى المسافرون الدوليون بها، حيث سينشر قريباً تقريراً يناقش أهمية تطبيق هذا البروتوكول حول العالم.
الجائحة أكدت أهمية السياحة
وعن دور وباء كورونا في دفع قطاع السياحة إلى تبني بروتوكولات جديدة أو حلول مبتكرة لمجابهة أزمات مماثلة أو تحسين تجربة السفر، قالت رئيسة مجلس السفر والسياحة العالمي إن الجائحة دفعت الحكومات التي لم تكن تقدر السفر والسياحة على الدوام إلى إدراك أهمية السفر والسياحة لاقتصاداتها.
واستشهدت بدول منطقة البحر الكاريبي التي تعتمد بشكل كامل على السياحة، وكيف عانت حكوماتها فقدان الوظائف، وأشارت إلى أن هذه ليست الطريقة المثلى لإبراز أهمية السياحة، ولكن حين خلت المطاعم، والمسارح، والأحداث الرياضية من السياح في تلك المناطق، أدرك الناس دور قطاع السياحة وعوائده التي تمثل عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ولفتت إلى إسهام الجائحة في إدخال حلول تقنية مبتكرة إلى قطاع السفر والسياحة، إضافة إلى تأكيدها أهمية التفكير بالاستدامة، لافتة إلى أن المسافرين يريدون الاستمتاع بالأماكن الخارجية، وتقدير الطبيعة وفهمها، واكتشاف المجتمعات التي يزورونها، ويريدون في الوقت نفسه أن تكون بصمتهم الكربونية أخف بكثير، لذلك فهناك على حد وصفها "رغبة حقيقية في التركيز على الاستدامة"، في جميع الجوانب التي تمس القطاع، مثل "المناخ والمجتمع والطبيعة والتراث الثقافي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاستعداد للأسوأ
وأكدت سيمبسون ثقتها بأن استجابة القطاع لأوبئة وحالات طوارئ جديدة في المستقبل ستكون أكثر كفاءة، لافتة إلى تحسن التواصل مع الحكومات والمنظمات على مستوى العالم بعد الأزمة. واستشهدت في هذا السياق بحديث آدم ستيوارت، الرئيس التنفيذي لسلسلة من المنتجعات في منطقة البحر الكاريبي، حول العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص، وكيف أن الفنادق كانت قادرة على مساعدة الحكومة في حل بعض القضايا الاجتماعية، كما حصل أثناء الجائحة حين هبت بعض الفنادق لمساعدة المجتمع وتوزيع الطعام، وأشارت إلى أن هذا "التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص يمكن استغلاله لحل مشكلات أخرى".
وتابعت، "استثمرت الحكومات حتى الآن ثمانية تريليونات جنيه استرليني (10.8 تريليون دولار)، لضمان أمن وسلامة الناس، ولكن ما نبحث عنه من الحكومات سعياً نحو الاستدامة هو 100 مليار دولار سنوياً. إذا تمكنا من استثمار هذه الأموال في مواجهة أزمة أودت بأرواح الكثير من الأشخاص حول العالم، فبالتأكيد يمكننا العثور على أموال للتصدي لما يمكن أن يكون أزمة كبيرة أخرى".
لا فجوة مع "السياحة العالمية"
وعن التقارير التي تتحدث عن فجوة بين مجلس السفر العالمي ومنظمة السياحة العالمية، نفت رئيسة المجلس ذلك، وقالت إن "الأزمة الأخيرة أظهرت قيمة العمل المشترك مع الحكومات والوكالات الحكومية، مثل الأمم المتحدة"، مشددة على "الحاجة إلى التعاون والتنسيق المشترك مع الجميع لحل المشكلات العالمية".
السعودية قوة سياحية صاعدة
قبل أكثر من أسبوعين، زارت سيمبسون العاصمة السعودية الرياض، وأشادت بالإجراءات التي اتخذتها السعودية في قطاع السياحة والسفر وكيفية مكافحة الوباء"، لافتة إلى أن القائمين على قطاع السياحة في البلاد لا يركزون فقط على ما يمكن أن تفعله السعودية في الداخل وإنما ما يمكن أن تفعله من أجل العالم".
وتحدثت سيمبسون عن عدد من المشاريع السعودية السياحية مثل بوابة تطوير الدرعية، ونيوم، وأمالا، وذكرت أن هذه المشاريع تجري بعيدا عن الطابع التقليدي، وتعتمد التكنولوجيا بكفاءة وإبداع، ولفتت إلى دور ذلك في جذب الشباب للمجيء إلى السعودية وفهمها بشكل مختلف عن جيلها.
وأشارت إلى أن أهم مقومات السعودية السياحية هو أنها تتمتع بمركز ثقافي وتاريخي وخط ساحلي طويل، إضافة إلى كون قطاع السياحة هناك ناشئاً، مما يسهل أمام البلاد عملية البناء والابتكار، وليس مجرد التطوير على ما يوجد بالفعل. واستشهدت بمدينة "ذا لاين" التي سيبلغ عدد سكانها مليون شخص وطولها نحو 170 كيلومتراً، ومن أهدافها الحفاظ على 95 في المئة من التنوع البيولوجي والحياة البرية.
أضافت، "هذه فرصة كبيرة وأعتقد أنهم (السعوديون) سيقودون من خلال المثال. في المستقبل، هناك من سينظر إلى السعودية، ويقول هكذا يجب أن تُنجز الأمور".
وأبدت سيمبسون تطلعها إلى استضافة الرياض قمة مجلس السفر والسياحة العالمي العام المقبل. وكانت النسخة الماضية، أقيمت في المكسيك هذا العام، كأول قمة دولية حضورية منذ تفشي جائحة كورونا، بحسب الرئيسة التنفيذية، وانضم إلى التجمع أكثر من 40 دولة وشخصيات حضرت وأخرى شاهدت عن بعد، وتمخضت عن القمة استثمارات سياحية في المكسيك تقدر بـ2.5 مليار دولار.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت ستدعم نقل مقر منظمة السياحة العالمية من العاصمة الإسبانية مدريد إلى الرياض، قالت سيمبسون إن "ذلك يتعلق بالأمم المتحدة والدول وليست قضية يمكن أن يتدخل فيها القطاع الخاص"، ولكنها نوهت بطموحات الرياض في لعب دور محوري في قطاع السياحة، مشيدة بقرار السعودية إنشاء "أول مركز عالمي لمعالجة القضايا المتعلقة بالاستدامة، الذي سيكون مورداً متاحاً عالمياً للقطاعين العام والخاص".