ما زالت الولايات المتحدة "أرض الأحلام" بالنسبة للمهاجرين، منذ القرن السابع عشر، وحتى اليوم. لم ينافس الولايات المتحدة في كونها حلم المهاجرين والمطرودين من بلادهم والباحثين عن فرص للتقدم والعيش الكريم في أنحاء العالم، إلا الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الاختلاف بينهما. فالولايات المتحدة مع كندا، أرض لشعب من المهاجرين بأكمله، بينما يستقبلهم الاتحاد الأوروبي بحسب ظروفه السياسية والاقتصادية.
كيف كانت أشكال الهجرة إلى الولايات المتحدة قبل عام 1965، وبعده، حين أنهت القوانين الجديدة نظام الحصص الذي كان يفضل المهاجرين الأوروبيين على غيرهم من جنسيات أخرى، حتى باتت غالبية المهاجرين في البلاد تتحدر من قارتي آسيا وأميركا اللاتينية.
الهجرات الأولى
منذ بداية القرن التاسع عشر، وحتى عام 1920، شهدت الولايات المتحدة موجات كبيرة من الهجرة خلال الحقبة الاستعمارية، لكن قبل ذلك ومن القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، وصل مئات الآلاف من الأفارقة المستعبدين إلى أميركا بعكس إرادتهم، بل ومحمولين إليها مكبلين.
واعتبرت مجلة "التاريخ history" الأميركية في تحقيقها الشامل عن الهجرة، أن القارة الأميركية كانت مثوى المهاجرين منذ البداية، وعلى رأسهم سكانها الأصليون الذين عبروا الجسر البري الذي يربط بين آسيا في أقصى شمالها وأميركا الشمالية منذ عشرات آلاف السنين، وبحلول القرن الخامس عشر بدأ الأوروبيون الأوائل بقيادة الإسبان والفرنسيين في إنشاء مستوطنات في ما سيصبح الولايات المتحدة. وفي عام 1607 أسس الإنجليز أول مستوطنة دائمة لهم في أميركا الحالية في جيمستاون في مستعمرة فيرجينيا.
جاء بعض أوائل المستوطنين الأميركيين بحثاً عن الحرية لممارسة عقيدتهم الدينية، ففي عام 1620 وصلت أول مجموعة دينية من البروتستانت الهاربين من الاضطهاد الديني في أوروبا إلى ماساتشوستس، حيث أقاموا مستعمرتهم. وسرعان ما تبعتهم مجموعة أكبر تسعى إلى الحرية الدينية من طائفة البيوريتان الذين أسسوا مستعمرة خليج ماساتشوستس.
وكان من أول أسباب اندفاع النسبة الأكبر من المهاجرين نحو أميركا البحث عن فرص اقتصادية بعد أن كانت السفن المستعمرة تعود إلى أوروبا محملة بالذهب والمعادن الثمينة والمزروعات الجديدة التي لم تكن معروفة سابقاً مثل البطاطا والذرة والطماطم. ومع ذلك، وبسبب سعر المرور الباهظ، فإن ما يقدر بنصف الأوروبيين البيض الذين قاموا بالرحلة أو أكثر، دفعوا ثمن تنقلهم إلى البلاد الجديدة بالتعاقد بالعمل كخدم لدى أرباب عمل مقابل عقود محددة المدة. وقد قام بعض الأشخاص بالتعاقد طواعية، ومع ذلك تم اختطاف آخرين في مدن أوروبية لإجبارهم على العبودية في أميركا.
الإيرلنديون والألمان والصينيون
ثم بدأت الهجرة من إيرلندا التي عانت مجاعة كبيرة في منتصف القرن التاسع عشر، حتى بات في أربعينيات ذلك القرن، نحو نصف المهاجرين إلى أميركا من الإيرلنديين. واستقر هؤلاء الفقراء بالقرب من نقطة وصولهم في المدن الواقعة على طول الساحل الشرقي. وبين عامي 1820 و1930، وصل نحو 4.5 مليون إيرلندي إضافي إلى الولايات المتحدة.
في الوقت ذاته، استقبلت الولايات المتحدة نحو 5 ملايين مهاجراً ألمانيا، سافر كثيرون منهم إلى الغرب الأوسط الحالي من البلاد، لشراء المزارع أو التجمع في مدن مثل ميلووكي وسانت لويس وسينسيناتي. في الإحصاء الوطني الأميركي لعام 2000، أعلن عدد أكبر من المتوقع من الأميركيين أنهم من أصل ألماني، وأظهرهم الإحصاء أنهم أكبر مجموعة مهاجرين من أصول أوروبية.
أما الصينيون الباحثون عن الذهب في كاليفورنيا فوصلوا خلال منتصف القرن التاسع عشر، وبلغ عددهم في البداية نحو 25000 شخص. ومن ذلك الحين بدأ تدفق الوافدين الجدد يبرز بعض المشاعر المعادية للمهاجرين بين فصائل معينة من السكان الذين وصلوا قبلهم، ومعظمهم من السكان البروتستانت الأنغلوساكسونيين. وكان ينظر إلى الوافدين الجدد على أنهم منافسة غير مرغوب فيها على الوظائف، بينما عانى عديد من الكاثوليك، وبخاصة من الإيرلنديين، التمييز بسبب معتقداتهم الدينية.
في الخمسينيات من القرن التاسع عشر، حاول الحزب الأميركي "المناهض للهجرة والكاثوليكية" كبح جماح الهجرة بشدة. فصدرت أول التشريعات الفيدرالية التي تهدف إلى تقييد الهجرة تحت اسم "قانون الاستبعاد الصيني لعام 1882"، الذي حظر على العمال الصينيين القدوم إلى أميركا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي عام 1890 حدد الرئيس الأميركي بنجامين هاريسون (1833-1901) جزيرة إليس الواقعة في ميناء نيويورك قرب تمثال الحرية كمحطة هجرة فيدرالية، كي يمر عبرها كل الوافدين إلى الولايات الفيدرالية في الولايات المتحدة، فدخل أكثر من 12 مليون مهاجر إلى الولايات المتحدة عبر هذه الجزيرة خلال سنوات عملها منذ عام 1892 وحتى 1954.
موجات الهجرة الكبرى
في فترة التصنيع والتقدم المتسارع للحياة الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والمالية الأميركية في معظم وجوهها، استقبلت أميركا أكثر من 20 مليون مهاجر، أي بين عامي 1880 و1920. وكان معظم الوافدين من وسط وشرق وجنوب أوروبا. في ذلك العقد وحده، هاجر نحو 600000 إيطالي إلى أميركا، وبحلول عام 1920 دخل أكثر من 4 ملايين إلى الولايات المتحدة. كما وصل يهود من أوروبا الشرقية، فارين من الاضطهاد الديني بأعداد كبيرة، فدخل "أرض الميعاد الجديدة" أكثر من مليونين منهم.
في عام 1917، وبعد هدوء موجات الهجرة بسبب الحرب العالمية الأولى، سن الكونغرس الأميركي تشريعاً يفرض على المهاجرين الذين تزيد أعمارهم على 16 عاماً اجتياز اختبار محو الأمية. وأنشأ قانون الهجرة لعام 1924 نظام حصص يقيد الدخول إلى نسبة 2 في المئة من إجمالي عدد الأشخاص من كل جنسية، وهو نظام يفضل المهاجرين من أوروبا الغربية، ويحظر المهاجرين من آسيا.
قانون الهجرة والجنسية لعام 1965
انخفضت الهجرة خلال الكساد العالمي في الثلاثينيات والحرب العالمية الثانية (1939-1945).
بين عامي 1930 و1950، انخفض عدد السكان المولودين بالخارج، في أميركا من 14.2 إلى 10.3 مليون، أو من 11.6 في المئة إلى 6.9 في المئة من إجمالي السكان، وفق مكتب الإحصاء الأميركي. بعد الحرب، أصدر الكونغرس تشريعاً خاصاً يسمح للاجئين من أوروبا والاتحاد السوفياتي بدخول الولايات المتحدة. في أعقاب الثورة الشيوعية في كوبا عام 1959، تمكن مئات آلاف اللاجئين من تلك الدولة الجزيرة من دخول الولايات المتحدة.
في عام 1965، أصدر الكونغرس قانون الهجرة والجنسية الذي ألغى نظام الحصص على أساس الجنسية وسمح للأميركيين بلم شمل أقاربهم من بلدانهم الأصلية. نتيجة لهذا القانون والتشريعات اللاحقة، شهدت الأمة تحولاً في أنماط الهجرة. فاليوم يصل غالبية المهاجرين الأميركيين من آسيا وأميركا اللاتينية بدلاً من أوروبا. وعلى مدى العقود الأربعة التالية، أدت السياسات التي تم وضعها حيز التنفيذ في عام 1965 إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للسكان الأميركيين بشكل كبير، حيث جاء المهاجرون الذين دخلوا الولايات المتحدة بموجب التشريع الجديد بشكل متزايد من بلدان في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينينة، بدلاً من أوروبا التي كانت تستنهض نفسها بعض دمار الحرب الثانية.