دخلت روسيا بشكل لافت على مسار التحقيقات المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت، من خلال إعلان رئيس وكالة الفضاء الروسية ديمتري روغوزين عن الاستجابة للطلب الرسمي اللبناني بتسليم صور الأقمار الصناعية التي تملكها روسيا لانفجار المرفأ. الأمر الذي أثار عديداً من التساؤلات في شأن عدم المبادرة منذ الأيام الأولى للانفجار لتقديم تلك الصور، لا سيما أن مالك الباخرة روسوس التي نقلت 2750 طناً من نيترات الأمونيوم من مرفأ باتومي في جورجيا إلى مرفأ بيروت هو روسي الجنسية، ويدعى إيغور غريتشوشكين، كذلك قبطانها بوريس بروكوشيف.
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر قضائي متابع لتحقيقات المرفأ أن المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار تقدم بطلبات لدول غربية عدة، إضافة إلى روسيا لتزويده بصور الأقمار الصناعية لمدة ستة أشهر قبل الانفجار لتحليلها وتقييمها ومقاربتها لناحية القرائن التي توصل إليها في تحقيقه، وضمها إلى القرار الظني الذي شارف على نهايته.
ويكشف المصدر أن تأخير صدور القرار الظني يعود إلى سببين أساسيين، الأول هو عدم قدرته على الاستماع إلى الوزراء والنواب المدعى عليهم، والثاني هو تأخير استلام التقارير الاستخبارية الغربية ومنها التقرير التقني الفرنسي الذي كان متوقعاً استلامه منذ أسابيع. ويشير المصدر إلى أنه في حال تسلم لبنان الصور الفضائية من روسيا، فإن ذلك سيحفز الفرنسيين للإسراع في إنجاز تقريرهم.
ويلفت المصدر إلى أن أهمية صور الأقمار الصناعية تكمن في إمكانية حسم فرضية الاستهداف الإسرائيلي، في حين أن فرضيات التفجير الأرضي أو الإهمال يحسمها التحقيق والقرائن التي تثبتها مجموعة أدلة وصور الكاميرات المحيطة بالمرفأ.
تسويق دعائي
ويعتقد العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، بأن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى من خلال الإعلان عن تسليم لبنان صور الأقمار الصناعية إلى تسويق سمعة بلاده، لا سيما أن انتظار أكثر من سنة على تفجير بيروت يعطي انطباعاً بأنه انتظر طوال هذه الفترة، ويتأكد أن الدول الغربية لم تتجاوب مع الطلب اللبناني، فاتخذ المبادرة". ويلفت إلى أنه "لا يمكن تقدير قيمة تلك الصور قبل وصولها إلى لبنان ودراستها من قبل المتخصصين".
ويرى أن "تلك الصور قد لا تأتي بأي نتيجة إطلاقاً، كما أنها قادرة على تغيير كل السيناريوهات المطروحة، بما فيها تحقيقات القاضي البيطار"، مشيراً إلى أن "الصور في حال كانت واضحة ودقيقة قادرة على كشف المرفأ ومحيطه قبل الانفجار وبعده، ويمكن أن تكشف الأشخاص الداخلين والخارجين من موقع الجريمة".
ويضع عبد القادر مسألة دخول روسيا على خط تحقيقات مرفأ بيروت في سياق "محاولة بوتين تسجيل نقاط على الدول الغربية التي تؤكد حرصها على لبنان والعلاقات التاريخية معه"، مشيراً إلى أن "هذه الخطوة تصب في سياق تحسين الوضعية الروسية على المستوى اللبناني، لا سيما أن موسكو شريك أساسي في التنقيب عن النفط والغاز في البحر اللبناني، وتشكل أحد أعمدته الأساسية من ضمن التحالف الثلاثي للتنقيب المؤلف من توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية".
استبعاد فرضية الاعتداء
ويستبعد مصدر أمنى لبناني أن تكشف الصور الروسية فرضية اعتداء عسكري على مرفأ بيروت، مستنداً إلى تصريحات الرئيس الروسي الذي قال إن "بقاء شحنة الأمونيوم في ميناء بيروت كان ناتجاً من عدم تعامل السلطة معها بالاهتمام الذي تفرضه خطورتها، بل تعاملت انطلاقاً من رغباتها في بيع الشحنة بشكل مريح لتحقيق أرباح غير مشروعة، ما أدى إلى هذه الكارثة". ويؤكد المصدر الأمني أن بوتين من المفترض أن يكون قد اطلع على الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية.
ويكشف المصدر الأمني أن إصرار الجانب اللبناني في الحصول على تلك الصور يهدف إلى إنهاء فرضية اعتداء عسكري خارجي على المرفأ، أكثر من قيمتها المادية بإثبات أو نفي قرائن أخرى قد تكون التحقيقات توصلت إليها، مشيراً إلى أن السلطات اللبنانية سبق وطلبت تلك الصور من أكثر من دولة غربية، منها فرنسا التي شاركت في فريق من المحققين.
معركة القضاء الأعلى
وعلى خط التحقيقات في قضية مرفأ بيروت، لا تزال مسألة عزل القاضي البيطار مستمرة، سواء عبر دعاوى الارتياب المشروع أو دعاوى مخاصمة الدولة التي يقدمها الوزراء والنواب المدعى عليهم في القضية، أو من خلال الضغوط السياسية المتزايدة. وتشير أوساط سياسية إلى أن الثنائي "حزب الله" وحركة "أمل" انتقل إلى مرحلة المطالبة بعزل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الذي يحمله الثنائي مسؤولية حماية القاضي البيطار وإحباط محاولات الإطاحة به من خلال سلسلة الدعاوى القضائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويكشف مصدر وزاري عن أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تلقى عرضاً من الثنائي بأن تعود جلسات مجلس الوزراء مقابل أن تجري الحكومة سلسلة تعيينات جديدة في مناصب حساسة داخل القضاء أبرزها موقع رئاسة مجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي والمدعي العام المالي. والهدف الأساسي من ذلك هو إزاحة القاضي عبود من موقعه ليتم لاحقاً تطيير المحقق العدلي. إلا أن مصادر الثنائي ترفض الاعتراف بأن هناك مقايضة، على الرغم من إبداء إصرارها على إزاحة القاضي البيطار الذي تتهمه بتسييس التحقيق وتوجيهه ضد "حزب الله" بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية التي تريد توريط الحزب بقضية الانفجار.
في حين كان لـ "نادي قضاة لبنان" موقف حاسم لمنع ما يتردد عن تسوية لتغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى كشرط الثنائي لحل الأزمة الحكومية، مشدداً على أن عبود هو رئيس سلطة دستورية. وتوجه النادي، في بيان، إلى المسؤولين السياسيين بالقول "آن الأوان لتتعودوا على قضاة مستقلين لا يلبون طلباتكم مهما كانت، حلوا أزماتكم بعيداً من السلطة القضائية، واحترموا مبدأ الفصل بين السلطات، كفى تهديماً وتخريباً في ما تبقى من معاقل الدولة".
صمود ومواجهة
وفي السياق، يؤكد وزير العدل السابق إبراهيم نجار أن "التحقيق في انفجار مرفأ بيروت سيصمد في وجه محاولات العرقلة المستمر، وأن البيطار سيتابع مهماته لأن هناك شبه إجماع على ذلك"، معتبراً أن "القاضي يطبق القانون بحذافيره". وأكد أن "القضاء اللبناني يقوم على قناعات راسخة بأن دولة القانون يجب أن ترتقي إلى مصاف المبادئ الكلية في لبنان".
ويرى نجار أن "هناك محاولات لتعطيل عمل القضاء، وأن السياسيين يمعنون في ضرب التحقيق في انفجار المرفأ، لكن النتيجة هي أن لدينا قضاة شجعاناً سيطبقون القانون كي نقول إنه ما زال في لبنان بقايا دولة قانون ومؤسسات".
وحتى الساعة، رفعت بوجه القاضي البيطار 24 دعوى قضائية ورد شكوى بهدف كف يده عن الملف. وبلغ عدد الدعاوى المقدمة من النائبين غازي زعيتر وحسن خليل 12 دعوى. أما وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس فتقدم بست دعاوى، إضافة إلى ثلاث من النائب نهاد المشنوق، ودعوى مخاصمة الدولة من قبل رئيس الحكومة السابق حسان دياب، وأخرى تقدمت بها المحامية مي الخنساء بجرم ارتكاب الإرهاب وتمويله والنيل من هيبة الدولة وارتكاب جرائم الفتنة والتحقير وجرائم ضد القانون والدستور اللبناني. كذلك قدم المواطن هاشم أحمد طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول).