لقد انتقلت سوق النفط من حالة الازدهار إلى مرحلة التأزم والمشكلات الضخمة، إلى حد كبير لإراحة السائقين الأميركيين المنهكين من التضخم قبل عطلة عيد الشكر.
ويوم الجمعة، انخفض الخام الأميركي إلى أدنى مستوى له في سبعة أسابيع، ليستقر عند مستوى 76.10 دولار للبرميل.
ويمثل هذا الانزلاق أخباراً جيدة للسائقين الأميركيين، الذين تضرروا من ارتفاع أسعار البنزين التي سجلت خلال الفترة الماضية أعلى مستوى لها في 7 سنوات، وهي أزمة تسببت في توتر آراء المستهلكين بشأن الاقتصاد الأميركي الذي ما زال يرزح تحت الضغوط والمخاطر الكارثية التي خلفتها جائحة كورونا وما تبعها من أزمة في سلاسل الإمدادات، وأخيراً أزمة الطاقة التي لا يوجد ما يشير إلى حلها خلال موسم الشتاء الحالي.
تجدد أزمة الإغلاقات في أوروبا
يرى توم كلوزا، رئيس خدمة معلومات أسعار النفط، "سنرى بالتأكيد بعض التخفيضات في أسعار البنزين في المضخة. الارتياح سيكون مثل الريش وليس الهبوط". وبعد ارتفاع لا هوادة فيه، استقر متوسط سعر الغاز الوطني أخيراً عند مستوى 3.41 دولار للغالون. وقال كلوزا، "يبدو الأمر الآن كما لو أن قمم 2021 قد تم إنشاؤها".
لكن لسوء الحظ، أحد العوامل المحفزة لانهيار يوم الجمعة في السوق هو تطور مشؤوم آخر على جبهة جائحة كورونا. حيث أعلنت النمسا عن خطط لفرض إغلاق وطني شامل، وهو الأول في أوروبا خلال هذا الخريف، في محاولة لعكس الارتفاع في حالات الإصابة بفيروس كورونا. ويثير الإغلاق مخاوف في سوق النفط من قيود صحية جديدة صارمة في أماكن أخرى من شأنها إبطاء العودة الاقتصادية وتقويض الطلب على الطاقة.
وفي مذكرة بحثية حديثة، قالت لويز ديكسون، كبيرة محللي أسواق النفط في "ريستاد إنرجي"، إن "إشارات الطلب في التعاملات الأخيرة هبوطية بشكل كبير. الخطر حقيقي في أوروبا، بخاصة إذا كان تحرك النمسا إلى الإغلاق له تأثير الدومينو في جميع أنحاء القارة. إذا حذت ألمانيا حذوها، فقد تظل مستويات الأسعار دون 80 دولاراً، وستظل عند هذه المستويات فترة طويلة".
شبح عودة التعاون بين واشنطن وبكين
إلى جانب مخاوف الإغلاق وأزمات سلاسل الإمدادات وارتفاع تكلفة الشحن بنسب خرافية، فإن سوق النفط تواجه حالة من التوتر والحذر، بسبب شبح عودة تعاون الولايات المتحدة والصين للتدخل في أسواق الطاقة الساخنة.
ومنذ الانهيار إلى مستوى سلبي - 40 دولاراً للبرميل في أبريل (نيسان) من عام 2020، ارتفع الخام الأميركي بما يصل إلى 125 دولاراً للبرميل، لأن العرض ببساطة لم يواكب الطلب. وزادت منظمة "أوبك" وحلفاؤها المعروفون باسم "أوبك +" من حجم الإنتاج تدريجاً. ولم تكن شركات النفط الأميركية في عجلة من أمرها لزيادة المعروض أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسيكون للإصدار المنسق من اثنين من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم تأثير أكبر مما لو تصرفت إدارة بايدن بمفردها للاستفادة من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي. وأصدر المسؤولون في الصين بياناً يوم الجمعة، يشيرون فيه إلى أن تحرير البراميل من احتياطي الطوارئ في البلاد هو أحد الخيارات المطروحة على الطاولة.
وقالت السلطات، التي تشرف على احتياطيات النفط الاستراتيجية للصين، إن "المكتب يمضي قدماً في العمل المتعلق بإخراج النفط الخام في الوقت الحالي".
ووفقاً لقراءة نشرها البيت الأبيض، ناقش الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ خلال قمتهما الافتراضية هذا الأسبوع "أهمية اتخاذ تدابير لمعالجة إمدادات الطاقة العالمية". ويمكن أيضاً استخدام إصدار منسق من قبل الولايات المتحدة والصين كأداة مساومة لحمل "أوبك +" على فتح الصنابير وزيادة الإمدادات بعد أشهر من رفض القيام بذلك.
ويرى روبرت ياوجر، مدير العقود الآجلة للطاقة في شركة "ميزوهو" للأوراق المالية، أن "هناك قوة نيران ذات جهود منسقة تواجه سوق النفط في الوقت الحالي".
ماذا لو حدثت عوارض طبيعية؟
ومع ذلك، فإن هذا ليس حلاً طويل الأجل، لأن تحرير البراميل من احتياطيات الطوارئ لا يحل عدم التوافق الأساسي بين العرض والطلب. وتحتوي احتياطيات الطوارئ هذه على كمية محدودة من النفط الخام الذي يجري الاحتفاظ به عادةً لصدمات العرض، وليس ارتفاع الطلب وسط التعافي الاقتصادي.
لكن في حال الاعتماد على الاحتياطي الاستراتيجي للنفط في ظل الأزمة الحالية، فلن يكون هناك أية بدائل أمام الدول الكبرى المستهلكة للنفط حال حدوث أي عوارض أو ظروف خارجية سواء كانت إعصاراً أو صراعاً في الشرق الأوسط أو صدمة إمداد أخرى.
فيما كرر بنك "غولدمان ساكس" في تقرير حديث، أن الإصدار المنسق "سيوفر فقط إصلاحاً قصير الأجل للعجز الهيكلي". بينما جادل بنك "وول ستريت" بأن هذا الإصدار المنسق الآن "مسعّر بالكامل"، ما يعني أن التأثير على الأسواق قد حدث بالفعل.
وكتب المحللون الاستراتيجيون في بنك "غولدمان ساكس"، "في الواقع، إذا تم تأكيد مثل هذا الإصدار، وتمكن من إبقاء أسعار النفط منخفضة في سياق نشاط التداول المنخفض حتى نهاية العام، فسيخلق ذلك مخاطر صعودية واضحة لتوقعاتنا للأسعار لعام 2022".
وبعبارة أخرى، يتطلع البعض في "وول ستريت" بالفعل إلى تجاوز هذا التدخل الطارئ، قبل أن يحدث، ويتوقعون ارتفاع الأسعار في المستقبل.