نقل الرئيس الأميركي جو بايدن سلطاته الرئاسية لنائبته كامالا هاريس لفترة وجيزة يوم الجمعة لتصبح أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تمتلك صلاحيات رئاسية بسبب تخدير الرئيس بايدن لإجراء فحص روتيني للقولون، قبل أن يسترد صلاحياته بعد 85 دقيقة، فلماذا صاحب هذا الإجراء ضجة واسعة في أميركا؟ ومتى وكيف تنتقل السلطة من الرئيس لنائبه وفقاً للدستور الأميركي، وما السوابق التاريخية لذلك؟
أسباب الاهتمام
من المعتاد أن يتولى نائب الرئيس في الولايات المتحدة سلطات الرئاسة حينما يخضع الرئيس لإجراء طبي يتطلب التخدير، فقد تكرر ذلك عدة مرات في التاريخ، كان آخرها حين تولى نائب الرئيس ديك تشيني صلاحيات الرئيس جورج دبليو بوش عندما خضع لفحص القولون الروتيني عامي 2002 و2007، لكن الإعلام الأميركي أبدى هذه المرة اهتماماً مبالغاً بنقل السلطة لمدة 85 دقيقة من الرئيس بايدن إلى نائبته هاريس صباح يوم الجمعة 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
ويعود سبب الاهتمام في جزء منه إلى أن هاريس أصبحت أول امرأة وأول شخصية سوداء وأول نائبة رئيس من جنوب آسيا في تاريخ الولايات المتحدة تتولى السلطة الرئاسية، ولو لفترة وجيزة من الزمن عملت خلالها من مكتبها في الجناح الغربي في البيت الأبيض، وكانت تتابع عملية إقرار مجلس النواب خطة بايدن الاجتماعية الضخمة، بحسب مسؤولي الإدارة الأميركية.
أما السبب الثاني لاهتمام الأميركيين فلا يعود فقط إلى إعلان طبيب بايدن أن تنظير القولون اكتشف ورماً حميداً يمكن إزالته بسهولة، وسوف يكتمل تقييم أخصائي علم الأمراض للورم في الأسبوع المقبل، وإنما أيضاً إلى أن تلك كانت المرة الأولى التي يدخل فيها الرئيس بايدن المستشفى لإجراء فحوص طبية منذ توليه السلطة في البيت الأبيض، بخاصة أنه أكبر رئيس سناً خلال الولاية الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، حيث بلغ من العمر 79 عاماً يوم السبت.
لياقة الرئيس الصحية
وعلى الرغم من أن كيفين أوكونور، طبيب بايدن الخاص، طمأن الأميركيين بأن كسر القدم الذي عاناه الرئيس العام الماضي شُفي بشكل جيد، وأن حالته بشكل عام طبيعية الآن، فإنه من الطبيعي أن يهتم الأميركيون بحالة الرئيس بايدن الصحية وسط هجوم من المعلقين المحافظين الذين أثاروا أسئلة حول عمره ولياقته لتولي المنصب، بخاصة أن آخر تحديث شامل لحالته الصحية يعود إلى ما يقرب من عامين عندما أصدرت حملته الرئاسية ملخصاً من ثلاث صفحات عن تاريخه الطبي في ديسمبر (كانون الأول) 2019، والذي أظهر أنه لا يعاني أي أعراض، على الرغم من أنه كان يعالج في الماضي من الرجفان الأذيني غير الصمامي، وهو عدم انتظام ضربات القلب، وكان يأخذ أدوية لخفض مستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية، ولمنع تجلط الدم ومنع ارتداد الحمض، إضافة إلى رذاذ أنفي للحساسية الموسمية.
وكان طبيبه أوكونور قد أوضح في السابق أن أهم حدث طبي في تاريخ بايدن كان عندما عانى تمدد الأوعية الدموية في الدماغ عام 1988، بينما كان عضواً في مجلس الشيوخ، وقد عالجه الأطباء بعملية جراحية، لكنه عانى بعدها تجلط الأوردة وانسداداً رئوياً، وعالجه الأطباء عبر مضادات التخثر عن طريق الفم لعدة أشهر لمنع الجلطات الدموية المستقبلية من الوصول إلى القلب والرئتين.
ولتأكيد الشفافية، أصدر البيت الأبيض اختصاصات الأطباء الذين فحصوا بايدن، يوم الجمعة، ومنهم استشاريون متخصصون في قياس البصر وعلاج الحساسية وطب الأسنان وجراحة عظام القدم والكاحل وجراحة العظام والعمود الفقري والعلاج الطبيعي وطب الأعصاب وأمراض القلب والأشعة والأمراض الجلدية والتخدير والجهاز الهضمي، غير أن طبيب الشيخوخة الذي يركز على كبار السن لم يكن من بين 12 أخصائياً شاركوا في الفحص الصحي التفصيلي للرئيس، لكن لا يوجد عمر محدد يبدأ عنده أطباء الشيخوخة عادة في فحص المرضى.
ومنذ أن تولى بايدن منصبه، يشير الجمهوريون بشكل دائم إلى عمره كجزء من الصراع السياسي بين الحزبين الكبيرين، ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، استجوب السيناتور جيم ريش الجمهوري، وزير الخارجية أنتوني بلينكن في جلسة استماع بمجلس الشيوخ حول لياقة بايدن للمنصب، كما أن الإعلام المحافظ واليميني يركز بشكل متكرر على هذا الأمر، ما انعكس على آراء الأميركيين. ففي استطلاع للرأي نشره موقع "بوليتيكو"، عبّر عدد متزايد من الأميركيين أنهم لا يعتقدون أن بايدن يتمتع بصحة جيدة، وانقسمت آراء المستطلعين بشكل متساوٍ حول ما إذا كان الرئيس لائقاً عقلياً لتولي المنصب، وهو أمر واجهه سلفه دونالد ترمب طوال فترة رئاسته من جانب الديمقراطيين ووسائل الإعلام الليبرالية الرئيسة.
ما ينبغي كشفه
وبينما يظهر بايدن، الذي يبلغ طوله 5 أقدام و11 بوصة، ووزنه 184 رطلاً، وكتلته 25، أنه أكثر وضوحاً وشفافية من كثير من الرؤساء خلال الأشهر العشرة الأولى من حكمه، إلا أن ترمب الذي دخل مستشفى والتر ريد العسكري في ولاية ميريلاند قرب واشنطن عام 2019 لفحص القولون بالمنظار بحسب ما ذكرت ستيفاني غريشام، السكرتيرة الصحافية السابقة لترمب في كتاب لها، أبقى هذا الأمر سراً، ولم يعلن عنه لتجنب نقل السلطة الرئاسية إلى نائب الرئيس آنذاك مايك بنس على الرغم من أنه إجراء طبي شائع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، تُستخدم الفحوص الرئاسية لتعزيز الصورة التي يرغب الرئيس في تقديمها عن صحته، وتتعلق التفاصيل المقدمة إلى حد كبير بعمر الرئيس وصحته، وإن كان لا يوجد نموذج محدد لما يجب على الرؤساء الإفصاح عنه بشأن صحتهم، ولهذا تبقى التفاصيل التي يختارون الكشف عنها متروكة لهم.
وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن ما زال يتمتع بصحة جيدة حسب تقييم الأطباء، فإن انتقال السلطة لنائبته لمدة ساعة و25 دقيقة في سابقة من نوعها لامرأة وشخصية تنتمي للأميركيين الأفارقة ومن أصول جنوب آسيوية، أثار انتباه الأميركيين إلى إمكانية أن تتولى هاريس السلطة الرئاسية مرة أخرى حال خضوع الرئيس بايدن لفحوصات تتطلب التخدير أو تعرض لأي انتكاسة صحية قد تتطلب نقل السلطة، فما الذي ينص عليه الدستور الأميركي لإجراءات نقل السلطة؟
متى يتم نقل السلطة؟
ينص القسم الثالث من التعديل الـ25 لدستور الولايات المتحدة على أنه يمكن للرئيس إرسال رسالة إلى رئيس مجلس النواب والرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ يعلن فيها أنه غير قادر على القيام بصلاحيات وواجبات منصبه. ويتولى نائب الرئيس هذه الصلاحيات والواجبات كرئيس بالنيابة، وهذا ما فعله بايدن، حيث أرسل رسالة إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والسيناتور الديمقراطي باتريك ليهي من ولاية فيرمونت، وهو الرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ، في الساعة 10:10 صباحاً قبل الخضوع للتخدير، ومن أجل إعادة الصلاحيات إليه مرة أخرى، أرسل خطاباً منفصلاً بعد انتهاء الفحص الطبي.
ووفق المتخصصين الدستوريين مثل برايان كالت أستاذ القانون الدستوري في جامعة ميتشغان وديفيد بوزين أستاذ القانون في جامعة كولومبيا، فإن التعديل الـ25 سعى إلى معالجة بعض الثغرات والأمور الغامضة في الدستور الأصلي حينما يتعلق الأمر بخلو منصب الرئيس ونائبه.
وتنص المادة الثانية من الدستور الأميركي في القسم 1، البند 6، على أنه في حالة عزل الرئيس من المنصب، أو وفاته، أو استقالته، أو عدم قدرته على أداء سلطات وواجبات المنصب، فإن السلطة الرئاسية تؤول إلى نائب الرئيس، ولكن ما الذي يؤول إلى نائب الرئيس بالضبط، هل هو منصب الرئيس أم فقط صلاحياته وواجباته؟ فعندما توفي الرئيس ويليام هنري هاريسون عام 1841، أكد نائب الرئيس جون تايلر أنه أصبح رئيساً، لكن على الرغم من قبول الكونغرس لهذه النتيجة، فإن البعض عارض تفسير وقراءة تايلر لبند الخلافة الرئاسية.
وحيث إنه لا يوجد نائب رئيس يريد أن يبدو وكأنه مغتصب للسلطة، لم يتم نقل السلطة مطلقاً من الناحية العملية، بخاصة أن الدوائر الداخلية للرئاسة عادة ما تخفي حالة الرئيس، ولهذا أصبح يُنظر إلى هذا النمط على أنه غير مسؤول بشكل متزايد بعد ظهور الأسلحة النووية خلال الحرب الباردة، حيث كانت الأمة الأميركية بحاجة إلى رئاسة تعمل بكامل طاقتها في جميع الأوقات لمواجهة أي أخطار محتملة ضد العدو السوفياتي.
ولهذا السبب سعى الرئيس دوايت أيزنهاور في عام 1958، إلى كسر هذا النمط عبر الانفتاح بشكل أكثر حول صحته ومن خلال عقد اتفاقية مع نائب الرئيس ريتشارد نيكسون تنص على أن يتولى نيكسون منصب الرئيس بالنيابة في حالة "عدم القدرة" الرئاسية.
وأدى اغتيال الرئيس جون كينيدي في 22 نوفمبر 1963 إلى تجديد الاهتمام بمسألة عدم القدرة الرئاسية وخلافة الرئيس ضمن حملة قادها السيناتور بيرش بايه في الكونغرس. وفي يوليو (تموز) 1965، تم إرسال التعديل الـ25 إلى الولايات للتصديق النهائي عليه بعد أن أقره الكونغرس بمجلسيه، وبعد أقل من عامين، صدقت الهيئة التشريعية للولاية الـ38 على التعديل ليصبح نافذاً، لأن تعديل الدستور يتطلب أيضاً موافقة ثلاثة أرباع الولايات الأميركية بعد موافقة الكونغرس.
العجز الرئاسي
أما فيما يتعلق بالعجز الرئاسي، فيحدد القسمان 3 و4 من التعديل الـ25 إجراءين لنقل السلطة إلى نائب الرئيس ليصبح رئيساً بالإنابة، حيث يسمح القسم 3 للرئيس بنقل السلطة مؤقتاً، من خلال تقديم إعلان مكتوب بأنه غير قادر على أداء صلاحيات وواجبات منصبه، ويمكن للرئيس استعادة تلك السلطات والواجبات لاحقاً من خلال تقديم إعلان ثانٍ، وهو ما فعله في السابق الرئيس رونالد ريغان لمرة واحدة، والرئيس جورج دبليو بوش لمرتين بنقل السلطة إلى نائب الرئيس بموجب القسم 3 لبضع ساعات أثناء خضوعهما لعمليات جراحية محددة مسبقاً، وهو أيضاً ما فعله الرئيس بايدن مع هاريس يوم الجمعة.
ويتناول القسم 4 الحالة الدرامية التي يكون فيها الرئيس غير قادر على أداء دوره الدستوري، ولكنه لا يستطيع التنحي، أو لا يمكنه ذلك، أو غير راغب في فعل ذلك، إذ ينص التعديل 25 على أنه يحق لنائب الرئيس مع أغلبية أعضاء الحكومة، أو أي هيئة أخرى يعينها الكونغرس إعلان أن الرئيس غير قادر على أداء سلطات وواجبات منصبه، ويصبح بذلك نائب الرئيس على الفور رئيساً بالإنابة، ولكن إذا أعلن الرئيس أنه قادر على أداء سلطاته وواجباته، يكون أمام نائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة أو المجموعة المعينة من الكونغرس أربعة أيام لرفض طلب الرئيس، فإذا لم يحدث ذلك، يستعيد الرئيس سلطاته، ولكن إن حدث، فإن نائب الرئيس يحتفظ بالمنصب، بينما يجتمع الكونغرس بسرعة، ويتخذ قراراً في هذا الشأن.
وتحابي قاعدة التصويت في هذه القضايا الرئيس، حيث يستمر نائب الرئيس في العمل كرئيس فقط إذا وافقت أغلبية ثلثي المجلسين على أن الرئيس غير قادر على أداء سلطاته وواجباته، بينما يعود الرئيس لتولي منصبه إذا فشل أي من المجلسين في الكونغرس، أو كليهما، في التصويت بأغلبية الثلثين لصالح مجموعة نائب الرئيس.