يحتفل الأميركيون في الخميس 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بالذكرى 400 لعيد الشكر الذي يُعد أحد أهم الأعياد في الولايات المتحدة، إن لم يكن أهمها بالفعل؛ لارتباطه بأول احتفال للمهاجرين الجدد برفقة السكان الأصليين في أول حصاد لهم بعد وصولهم إلى الأراضي الأميركية، لكن هذا العيد يُسمى أيضاً يوم "التُركي" والمقصود هنا "الديك الرومي" الذي يُعد أهم طبق على مائدة الأميركيين في عشاء ذلك اليوم، فمن أين جاء أصل الكلمة، وهل لها علاقة بتركيا كبلد؟ ولماذا أصبحت كلمة "تركي" المشتقة من الطائر مرتبطة في الثقافة الأميركية بمعانٍ سلبية كالبطء والفشل والمنتجات الرديئة وأحياناً أخرى يُعرف الكلام التركي بالكلام المباشر والأمين؟
400 عام من الشكر
يصادف هذا العام الذكرى 400 لأول عيد شكر أقامه المهاجرون الإنجليز الأوائل في إقليم "نيو إنغلاند" (الواقع شمال شرقي الولايات المتحدة) والذي أصبح رمزاً للمثابرة والتعاون، وجزءاً مهماً من طريقة تفكير الأميركيين عن تأسيس بلدهم، فقد رسم هؤلاء مكانهم في تاريخ الأمة الأميركية كناجين شجعان ثابروا وصبروا على الظروف الصعبة بعدما وصلوا إلى الأراضي الأميركية وتفشت بينهم الأوبئة وتوفي نصفهم في فصل الشتاء، قبل أن يحل خريف عام 1621 ويحتفل 50 من الناجين بأول حصاد للذرة التي تعلموا زراعتها من السكان الأصليين الذين شاركوهم وليمة لمدة ثلاثة أيام، كانت مؤلفة من أطباق الديوك الرومية المعروفة لدى الإنجليز والأميركيين باسم "تُركي" وهي الأكثر ظهوراً وإعجاباً، وفق ما سجله الحاكم ويليام برادفورد في كتابه "تاريخ مزارع بليموث"، على الرغم من أن السكان الأصليين أحضروا أيضاً أنواعاً مختلفة من الأسماك، بينما جلب آخرون لحم الغزال.
ومنذ ذلك الحين أصبح الديك الرومي أو الـ"تركي" مرتبطاً بحفلات العشاء الاحتفالية في أميركا لدرجة أصبح معها عيد الشكر بالنسبة للأميركيين هو "يوم التركي" منذ عام 1870، بحسبما يقول جاك لينش، أستاذ اللغة الإنجليزية المتخصص في أصل وتاريخ الكلمات في جامعة روتغيرز الأميركية. ولكن كيف اكتسب الديك الرومي اسم "تركي" وهل له علاقة بتركيا البلد، وكيف تطورت الكلمة بمرور الوقت لتحمل معاني مختلفة؟
أصل كلمة "تُركي"
وفقاً لموقع "أميركان هيرتاج"، فإن الموطن الأصلي للطائر الكبير ذي اللون الأحمر أو الأبيض المرتبط بعيد الشكر، هو الجزء الشرقي من أميركا الشمالية، ويُعتقد أن كل الديوك الرومية المحلية في الولايات المتحدة تنحدر في النهاية من الديوك الرومية البرية المكسيكية التي تم تدجينها قبل مئات السنين في المكسيك، وبخاصة لدى قبائل الآزتيك. ولأنه أكبر حجماً من الديوك الأفريقية، اقترح بنيامين فرانكلين أن يكون "التركي" رمزاً قومياً للولايات المتحدة، قبل أن يتراجع عن الفكرة لأن الطائر يفتقر إلى كرامة النسر الأميركي.
لكن الأميركيين والبريطانيين وعدداً قليلاً من مستعمراتهم السابقة مثل نيجيريا، هم فقط الذين يطلقون على هذا الطائر اسم "تركي"، بينما لا توجد هذه التسمية في البلدان الأخرى، وإن كان كثير منها يُطلق عليه اسم الدجاج الهندي أو الديوك الهندية، بما في ذلك فرنسا وروسيا ودولة تركيا نفسها، كما يُطلق عليه في ألمانيا ودول إسكندنافيا وهولندا تسمية تربطه بكالكتا الهندية، ربما بسبب المفهوم الخطأ الشائع بأن الهند والعالم الجديد في أميركا كانا شيئاً واحداً.
ويعود سبب ذلك إلى أن المستكشفين الأسبان حينما وصلوا إلى الأميركتين في عام 1500 تقريباً، كانوا يعتقدون أنها جزر الهند، ولهذا كانت أول ديوك رومية "تركي" يأتون بها من هناك إلى البلد الأم في إسبانيا، يعتقدون في أوروبا أنها هندية. لكن بالنسبة للإنجليز، بدت الطيور الأميركية المكتشَفة حديثاً مثل "طائر غينيا" وهو طائر موطنه شرق أفريقيا، أدخله التجار العرب والأتراك إلى أوروبا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، ومن هنا حصل على تسمية "تركي" لأن الإمبراطورية العثمانية كانت تمتد في ذلك الوقت عبر الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وشرق أوروبا وكان أي شخص يأتي من الشرق يعتبرونه تركياً. وعلى سبيل المثال، كان كثير من المنتجات المقبلة من الشرق إلى أوروبا تُعرّف جميعها على أنها "تركية" بما في ذلك المنتجات العربية والفارسية والمجرية كالسجاد والأحجار الكريمة.
وبذات الطريقة، أصبح طائر غينيا الأفريقي الموطن، دجاجاً تركياً، وبمرور الوقت، تم اختصار هذا الاسم إلى "تركي" فقط. وعندما نزل المستوطنون البريطانيون إلى مستعمراتهم الجديدة في خليج ماساتشوستس ورأوا أول طائر أميركي مشابه، أطلقوا عليه بحكم مدركاتهم وتسمياتهم السابقة اسم "تركي" على الرغم من أنه كان أكبر حجماً من طائر غينيا الأفريقي.
ولائم تركي
ولم يقتصر ارتباط الديوك الرومية بالولائم، على المهاجرين الجدد إلى الولايات المتحدة، إذ سجل التاريخ كيف انتقلت هذه العادات بسرعة عبر المحيط الأطلسي إلى الجانب الآخر من العالم القديم في بريطانيا، وظهرت في وجبات الطعام الاحتفالية حيث تم رصد كلمة "تركي" باللغة الإنجليزية لأول مرة في الطباعة في حساب مأدبة أقامها السياسي الإنجليزي جون بريدو في عام 1555، وتضمنت القائمة 38 غزالاً أحمر، و50 فطيرة، و63 بجعة، و114 من الحمام، و120 أرنباً، و325 غالوناً من نبيذ بوردو، وعدد 2 من التركي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحلول عام 1575، كان كثيرون من أبناء الطبقة الغنية من الإنجليز يستمتعون بطائر أميركا الشمالية في عشاء عيد الميلاد كل عام، وهو ما تحدث عنه وليم شكسبير في روايته الشهيرة "هنري الرابع"، ثم أصبحت كلمة "تركي" أكثر شهرة عندما كتب الروائي تشارلز ديكنز عنها في رواية نشرها في عام 1843.
"تركي" في الثقافة الأميركية
غير أن كلمة "تركي" وجدت طريقها إلى استخدامات جديدة، وظهرت بعشرات المعاني المختلفة وإن كان غالبيتها سلبياً، ففي عام 1839، نشرت مجلة "ساوثيرن ليتراري ماسينجر" وهي مجلة كان يرأس تحريرها إدغار آلن بو، تقريراً عن نوع جديد من الرقص، يُدعى "هرولة التركي" وهي رقصة مستوحاة من حركات الديك الرومي.
وفي عام 1920، ذكرت إدارة الصحة في مدينة نيويورك، أن المدمنين حينما يتوقفون طواعية عن تناول المواد الأفيونية بعد معاناتهم منها، يقولون في لغتهم العامية إنهم أخذوا "تركي بارد".
ودفعت سمعة طائر الديك الرومي المختلطة بالغباء إلى استنباط معانٍ أخرى، حيث قدم والتر وينشل وهو كاتب عمود مشهور في صحيفة "فانيتي فير" في عام 1927 بعض الكلمات العامية الجديدة في مجال صناعة السينما والترفيه، وصف فيها المنتَج الفني الرديء من الدرجة الثالثة بأنه "تركي"، ومنذ ذلك الحين، أصبح يُطلق على الأفلام السينمائية التي تفشل، سواء بسبب آراء النقاد أو في شباك التذاكر، صفة أفلام "تركي".
وتزايدت المعاني السلبية للكلمة حتى فترة الخمسينيات من القرن الماضي، عندما أصبحت كلمة "تركي" مرادفاً لكل شخص غبي، أو بطيء، أو غير كفء، أو عديم القيمة. وأدى ذلك بدوره إلى ظهور تعبير انتقادي آخر هو "جيف تركي"، والذي ظهر لأول مرة في خطاب الأميركيين من أصل أفريقي في أوائل السبعينيات، وحدده مؤلف المعاجم العامية جوناثون غرين، بأن المقصود به شخص غير مخلص ومخادع وغير أمين.
حديث تركي
غير أن معنى عبارة "حديث تركي" يقود إلى مفهوم آخر، حيث يعرفها أحد القواميس التي تعود إلى عام 1859، بأنها "التحدث بطريقة سخيفة، أو الكلام الهراء". لكن هناك تعريفاً آخر لمغزى كلمة "حديث تركي" وُجد في قاموس صدر في عام 1889 حيث كان التعبير يعني الكلمات عالية الصوت، وذلك عندما يكون أداء اللغة الإنجليزية البسيطة جيداً أو أفضل مما كان عليه في الماضي.
غير أن المعنى الأكثر شيوعاً لمصطلح "حديث تركي"، هو "الحديث الصريح"، ويعود ذلك في واحدة من الروايات إلى نكتة شعبية كانت شائعة في يوم من الأيام، حيث تقول القصة، إن رجلاً أبيض وآخر من الأميركيين الأصليين (الهنود الأميركيين) كانا يصيدان معاً وتمكنا من اصطياد ديك رومي (تركي)، وصقر، لكن الرجل الأبيض اقترح على زميله بطريقة مخادعة تقسيم عائد الصيد بينهما، فقال "سآخذ التركي، وتأخذ أنت الصقر، وإن لم تفضل ذلك، فلا بأس، تأخذ أنت الصقر، وسآخذ التركي". فما كان من رد الأميركي الهندي المحبَط على الاقتراح إلا أن قال "حديثك كله عن الصقر، ولا تتحدث تركي"، ومن هنا أصبح معنى "حديث تركي" هو الحديث الصريح غير المخادع.
ومع ذلك، فإن الذين يدرسون تاريخ الكلمات يشككون في قصص النكات الشعبية، لأن غالبيتها لا يتم التحقق من صدقها، والأرجح، أن عبارة "حديث تركي" ترتبط بالنقاشات التي دارت في عشاء عيد الشكر الأول، بين الأميركيين الأصليين والمهاجرين الأوروبيين الأوائل حول تكلفة وأسعار هذه الطيور كنوع من الكلام الصريح والصادق وليس ذلك الذي أنكره الصياد المخادع لشريكه في الصيد.