أعطى تزامن عودة المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان إلى واشنطن الثلاثاء 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد انضمامه إلى جبهة القتال وقيادة المعركة التي تدور على بُعد 230 كيلومتراً من أديس أبابا، دلالات عدة، أهمها أن جهود الوساطة الدولية لوقف القتال الدائر حالياً بين "جبهة تحرير شعب تيغراي" والحكومة قد فشلت، وأن خيار الحسم العسكري هو المتقدم.
وفي ظل هذه الظروف، تتبادر تساؤلات حول أوجه الشبه بين الظروف التي عاشتها إثيوبيا في عام 1991 خلال الحرب الأهلية، بين نظام منغستو هيلا مريام والجبهات المتمردة بقيادة جبهة تيغراي، وظروف الحاضر؟ وما هي الاحتمالات المصاحبة للحرب الحالية؟
بداية الزحف
تلا استيلاء "جبهة تحرير شعب تيغراي" على مدينتَي دسي الاستراتيجية في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إيقاع سريع في سير المعارك بينها وبين الحكومة الإثيوبية، إذ أعلنت "الجبهة" التي صنفها البرلمان الإثيوبي "إرهابية"، بدء زحفها على العاصمة أديس أبابا.
وعلى الرغم من عدم اعتراف حكومة آبي أحمد بسقوط مدينة دسي، إلا أنها أعلنت في 2 نوفمبر الحالي، حالة الطوارئ تحسباً، لأي تطورات في ظل تخوفات وتحذيرات تلقتها من جهات غربية. وكانت الولايات المتحدة طلبت من رعاياها مغادرة إثيوبيا وتبعتها سفارات أخرى. وحذرت أميركا من انفجار داخلي وشيك. وكانت الأمم المتحدة حذرت أيضاً من خطر انزلاق إثيوبيا إلى حرب أهلية واسعة النطاق.
واتهمت الحكومة سفارات وجهات غربية ببث أكاذيب عن الوضع الأمني في إثيوبيا، وإشاعة الذعر. وقال آبي أحمد "إن الحرب التي نخوضها ليست بالرصاص الحي، وإنما هي بالإشاعات الكاذبة التي يقوم بها العدو من الداخل والخارج".
سفر المبعوث الأميركي
وسط هذه الأجواء، ظلت جهود الوساطات متفاعلة مع الأحداث، فإلى جانب الجهود الأميركية المبذولة عبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بمساعدة من الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، والمبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان، كان الممثل الأعلى لمفوضية الاتحاد الأفريقي إلى القرن الأفريقي، أولوسيغون أوباسانجو، الذي التقى أطراف الصراع في إثيوبيا، دعا إلى وقف الهجمات العسكرية لإتاحة الفرصة للحوار.
وقال أوباسانجو، في بيان صدر في 14 نوفمبر الحالي، "إنه لا يمكن لمثل هذه المحادثات أن تؤتي ثمارها في بيئة من الأعمال العدائية العسكرية المتصاعدة".
عودة فيلتمان إلى واشنطن يوم الثلاثاء 23 نوفمبر الحالي، بعد لقائه وزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونين، وبحثه قضية وقف إطلاق النار بين القوات الحكومية وجبهة تيغراي، تزامنت مع الظروف التي أعلن فيها آبي أحمد توجهه إلى ساحة المعركة لقيادة الجيش، ما يدل على وصول المفاوضات الأميركية مع الحكومة والجبهة إلى طريق مسدود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تتسارع التطورات بعد استيلاء "جبهة تحرير تيغراي" وحلفائها على مزيد من المدن بما فيها مدينة "شواروبييت"، وحصارها لمدينة "دبرسينا" كإنذار باقترابها من أديس أبابا، مما لم لا يترك أي فرصة لإطلاق مشاورات إضافية في الظرف الحالي على الأقل.
ما بين الماضي والحاضر
وحول أوجه الشبه بين ظروف الحاضر والماضي والاحتمالات المرافقة للتطورات الحالية، قال السفير عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان الدائم في نيويورك سابقاً، والسفير السابق في إثيوبيا، الذي سبق أن عايش ظروفاً مماثلة في عام 1991، إن "ما هو معلوم، أن الجارة إثيوبيا تشهد في هذه الآونة تطورات بالغة الأهمية والأثر مع تداعيات جمة على مستقبل ذلك البلد ومنطقة القرن الأفريقي". وأضاف أن "الحالة العسكرية والسياسية على عهد آبي أحمد تعيد إلى الأذهان الأوضاع التي سبقت وأعقبت دخول تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية "أيهاديك" إلى أديس أبابا، وانتصاره على منغستو، بمفارقات ومقاربات مختلفة وأوجه شبه. ففي الحالتين، كان التوجه صوب المركز والدخول إلى أديس أبابا، يتلخص في ما يمكن أن نُسميه، حصار الريف للمركز. وفي الحالتين يكون الزحف بقيادة قومية رئيسة، هي حالياً، قومية التيغراي وقوميات أخرى متحالفة معها. وفي الحالتين تكون استراتيجية الحرب هي إسقاط المدن الكبرى فى شمال البلاد على الطريق إلى أديس أبابا، وقطع طرق إمداد للجيش الإثيوبي". وأضاف عبد الحليم "في الحالة الأولى، استفادت جبهة تحرير تيغراي من علاقاتها مع السودان، وهو ما يُتهَم به السودان حالياً من قبل الحكومة الإثيوبية، في تلميحها إلى استهداف خارجي".
وتابع "من المفارقات أن الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا كانت آنذاك إلى جانب جبهة تيغراي المعادية لحكومة منغستو، بينما تستفيد الحكومة الإثيوبية حالياً في توظيف علاقاتها في إريتريا ومساندة الأخيرة للنظام في أديس أبابا".
وقال المسؤول السوداني السابق إن "الزحف الحالي يتم ضد نظام تعددي نظرياً، بينما الزحف السابق تم ضد نظام ديكتاتوري أحادي. ويُنظر أيضاً إلى التجربة الأولى بأنها شهدت أفول حكم الأمهرة، بينما تسعى التجربة الحالية بقيادة التيغراي لاستعادة انتصارها، وهو ما يعزز ظاهرة التداول الثنائي للحكم في إثيوبيا بين الأمهرة والتيغراي". وأضاف "التجربة السابقة شهدت مؤتمر لندن في عام 1990 الذي تم فيه التنسيق والإعداد لمرحلة ما بعد منغستو. وكانت الولايات المتحدة حاضرة بحضور هيرمان كوهين مثلما هي حاضرة الآن بجهود مبعوثها جيفري فيلتيمان لوقف الحرب، والبحث عن تسوية مرضية للطرفين. الحرب السابقة التي أسقطت منغستو كانت وقتها إثيوبيا من الدول الأكثر فقراً. أما خلال التجربة الحالية فأحرزت إثيوبيا تقدماً سجلت بموجبه مستويات عالية على مؤشرات التنمية قبل أن تؤثر عليها حالياً حرب المركز والتيغراي".
وزاد السفير عبد المحمود عبد الحليم في ما يتعلق بالاحتمالات المصاحبة للحرب الحالية، فإنها "يمكن أن تُؤدي إلى سيناريوهات عدة، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات على النحو التالي:
- انتصار جبهة تحرير شعب تيغراي وتحالف الجبهة المتحدة للقوات الفدرالية والكونفدرالية الإثيوبية، ودخول أديس أبابا واستعادة العمل بالدستور وخلق صيغة أشبه بتجربة الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية (E P R D F).
- نجاح الحكومة وحلفائها فى وقف الزحف على أديس أبابا ودحر القوات المهاجِمة.
- عودة ونجاح جهود الوساطة الأميركية والإقليمية بما فيها جهود الاتحاد الأفريقي وأوباسانجو والإيغاد (الهيئة الحكومية الدولية للتنمية) وإجراء مفاوضات لتثبيت وقف إطلاق النار وإحراز تنازلات من الجانبين بحيث يكون تسويق مخرجات المفاوضات مرضياً للجميع.
- يمكن أن تؤدي تبعات الحرب أو نتائج المفاوضات إلى حمل إقليم تيغراي للانفصال وقيام دولة على غرار ما حدث في البلقان ويوغسلافيا، بحيث تكون تيغراي هي كرواتيا القرن الأفريقي".