تحت راية مكافحة الفساد، قرّر القضاء في الجزائر استكمال المرحلة الثالثة من حملة التحقيقات باستدعاء 12 مسؤولاً بارزاً في عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بو تفليقة بينهم رئيسا الوزراء السابقيْن عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، في خطوة قرأها مراقبون على أنها خطوة لتفكيك المراكز المرتبطة بنظام الحكم السابق، الذي يُطالب الجزائريون بتغييره جذرياً. في غمرة جدل محتدم حول مصير الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الرابع من يوليو (تموز) المقبل، واقتراب سيناريو تأجيلها من قبل المجلس الدستوري، في غياب المترشحين، كشفت النيابة العامة لدى المحكمة العليا في الجزائر، اليوم الأحد (26 مايو الحالي)، مباشرتها إجراءات المتابعة القضائية، ضد 12 مسؤولاً بارزاً، بعدما "تلقت من النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، ملف الإجراءات المتبعة ضد مجموعة من أعضاء الحكومة السابقين بسبب أفعال يعاقب عليها القانون، تتعلق بصفقات وعقود مخالفة التنظيم والتشريع المعمول به".
حداد يجر الجميع
ووفقاً للمصدر، ستُباشر النيابة العامة لدى المحكمة العليا إجراءات المتابعة القضائية، وفقاً للأشكال والأوضاع المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، وتضمنت القائمة أسماء رئيسي الوزراء السابقين أحمد أويحيى الذي شغل رئاسة الحكومة خمس مرات منذ عام 1995، آخرها بين أغسطس (آب) 2017 ومارس (آذار) 2019، ويتزعم حزب التجمع الوطني الديمقراطي (ثاني أكبر حزب في البرلمان)، وعبد المالك سلال، الذي ترأس الحكومة بين عامي 2012 و2017. إضافة إلى الوزراء السابقين: عبد الغني زعلان، عمار تو، بوجمعة طلعي، كريم جودي الذي شغل منصب وزير المالية بين عامي 2007 و2011، عمارة بن يونس، الذي يتولى قيادة الحركة الشعبية الجزائرية (داعمة لبوتفليقة)، عبدالقادر بوعزقي، عمار غول، وعبد السلام بوشوارب، إضافة إلى المحافظ السابق لولاية الجزائر عبدالقادر زوخ ووالي محافظة البيّض محمد جمال خنفار. وأتت إحالة ملفات المسؤولين الـ12 إلى المحكمة العليا، بموجب استفادتهم من حق الامتياز القضائي الممنوح إلى أصحاب الوظائف العليا أمام أعلى هيئة قضائية. قرار إحالة الملفات إلى المحكمة العليا جاء بعد مثول الأسماء أمام وكيل النيابة بمحكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، قبل أيام، ضمن تحقيقات في قضايا فساد، تخص رجل الأعمال علي حداد المسجون حالياً والمقرب من الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة الذي أطاحت به انتفاضة شعبية متواصلة منذ 22 فبراير (شباط) الماضي.
تغيرات في العدالة
قبل الإعلان عن قائمة الشخصيات التي سيجرى التحقيق معها، أنهى الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح مهام النائب العام بن كثير بن عيسى، بصفته نائباً عاماً لدى مجلس قضاء الجزائر العاصمة وعيّن مكانه زغماتي بلقاسم، الذي شغل قبل تحويله نائباً عاماً مساعداً بالمحكمة العليا، كما قاد منصب النائب العام بمجلس قضاء الجزائر حتى عام 2016، قبل أن يقيله الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، على خلفية إصداره مذكرة توقيف دولية بحق وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل في قضايا فساد.
شهية مفتوحة
وبدأ مسلسل الملاحقات القضائية، بتاريخ 31 مارس الماضي عندما أوقفت السلطات الجزائرية، رجل الأعمال المثير للجدل، الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تجمع لرجال الأعمال) والذي يقبع في سجن الحراش بالعاصمة علي حداد، على المعبر الحدودي مع تونس أم الطبول، لينضم إليه رئيس مجمع "سيفيتال" وأحد أثرياء أفريقيا، يسعد ربراب والإخوة كونيناف، المقربان من "السعيد بوتفليقة" شقيق الرئيس السابق والحاكم الفعلي للبلاد خلال الخمس سنوات الماضية. ويُواجه هؤلاء تهماً تخص الاستفادة من امتيازات وقروض كبيرة من دون ضمانات، إلى جانب إجراء تحويلات مالية مشبوهة وتهريب أموال معتبرة من العملة الصعبة نحو الخارج بطرق غير قانونية من بينها تضخيم الفواتير. وتزامناً مع المحاكم المدنية، تحرك القضاء العسكري لإصدار أمر بالسجن المؤقت بحق السعيد بوتفليقة، وكل من قائد الاستخبارات السابق عثمان طرطاق، وسلفه في المنصب محمد مدين، والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، على خلفية تهم بـ"المساس بسلطة الجيش" و"المؤامرة ضد سلطة الدولة"، لتستكمل المحكمة العليا اليوم الأحد سلسلة التحقيقات باستدعاء أسماء جديدة. وفي وقت سابق، أكدت نقابة القضاة الجزائريين التي يرأسها مبروك يسعد، وهو أحد أوائل القضاة الذين انضموا إلى حركة الاحتجاج التي انطلقت في 22 فبراير، "رفضها المطلق لكل الاتهامات الموجهة إلى مرفق القضاء ورجاله، التي دأبت من خلالها الكثير من الجهات الرسمية وغير الرسمية على رسم صورة نمطية لعمل القضاء من كونه لا يتحرك إلا بإيعاز"، وذلك بالتزامن مع بروز مخاوف من أن تكون التحقيقات تهدف إلى تهدئة المتظاهرين.
تحذيرات
وقبل أيام، ردّ قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، على منتقدي تحرك جهاز القضاء باتجاه شخصيات بارزة محسوبة على منظومة حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، مؤكداً أن التحقيقات القضائية مستمرة لفضح "ملفات الفساد التي تورط فيها كبار المسؤولين في الدولة". ولفت إلى أن "هؤلاء الذين عينوا في وظائف سامية، وبدلاً من أن يجعلوا من هذه الوظائف والمناصب التي يشغلونها، فرصة يؤكدون عبرها إخلاصهم لجيشهم ووطنهم من خلال عمل ميداني ومثمر، تفننوا في استغلال مزايا وظائفهم وتسخيرها أساساً لخدمة أغراضهم الشخصية"، مضيفاً "هؤلاء المشمولين بتهم الفساد المالي والاقتصادي، يعتقدون وهم مخطئون، بأن مواصلة الإصرار على نسج الدسائس والمؤامرات، ستكفل لهم النجاة مما يقترفون". وينذر هذا التصريح، -بحسب مراقبين- إلى امتداد القائمة إلى أسماء آخرين أشرفوا على مشاريع ضخمة أو تصرفوا بشكل مشبوه في أموال عمومية، يطالب الجزائريون بإعادتها إلى الخزينة العمومية ومحاسبة كل من تسبب في نهب البلاد، حيث يرفع المتظاهرون في كل مسيرة جمعة شعار "يا سراقين كليتو لبلاد" بمعنى (أيها السراقين نهبتم البلاد).