هل يمكن للبنان أن يجد منفذاً للخروج من حال الشلل التي يمر فيها على صعيد السلطة التنفيذية من خلال التطورات الإقليمية المتحركة، التي لا يتوقف اللبنانيون عن المراهنة عليها، لعلها تأتيهم ببعض الانفراج من الانسداد السياسي الذي يرهقهم فوق أزمتهم الاقتصادية والمعيشية التي بلغت مستويات جديدة من التدهور مع بدء فصل الشتاء؟
يتطلع بعض الوسط السياسي اللبناني إلى محطات خارجية، لعل المعطيات التي ستنجم عنها تأتيهم ببعض الأمل، ومنها مفاوضات فيينا التي تبدأ بعد ثلاثة أيام بين إيران والولايات المتحدة ودول 5+1 حول الملف النووي والعودة إلى اتفاق الخطة الشاملة المشتركة لاتفاق 2015، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من أجل التوصل إلى اتفاق جديد فيه ضمانات أكثر، كما كان يأمل الرئيس الأميركي السابق.
افتراض بعض الوسط السياسي اللبناني هو أن طهران تتشدد في الأوراق الإقليمية التي تمتلكها جراء تمدد نفوذها منذ 2015 قبيل المفاوضات، واستباقاً لطرح الجانب الأميركي والدول الأوروبية مسألة وقف نشاطاتها الخارجية وتدخلها عن طريق أذرعها في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وأن إحداث تقدم في فيينا قد ينعكس إيجاباً على الوضع اللبناني المسدود الأفق، حيث الحكومة غير قادرة على الاجتماع بسبب اشتراط "حزب الله" إقالة المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، في وقت يرفض رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي هذا الإجراء، بحجة عدم التدخل في عمل القضاء. فشلل الحكومة يحول دون اتخاذها القرارات اللازمة في شأن إجراءات تخفف من وطأة الأزمة المعيشية على اللبنانيين، الذين بلغ زهاء 80 في المئة منهم خط الفقر.
ثلاث خطوات مفترضة في فيينا
قراءة من يراهنون على الانفراج من وراء محادثات فيينا، أن تفاهم الولايات المتحدة مع إيران على العودة إلى اتفاق 2015 على النووي، ينتظر أن تتبعها جملة خطوات أبرزها أن طهران تكون قد حققت عودة إلى الاتفاق مع إيجاد مخرج لرفعها مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة، مثلما حصل عام 2015 أي بنقل الكمية الجديدة المخصبة فوق ما يسمح به الاتفاق الأساسي، إلى خارج إيران عبر روسيا، وأن الجانب الإيراني يكون حقق مكسباً إضافياً، يغنيه عن المزيد من التصلب في المفاوضات.
أما الخطوة الثانية المنتظرة فهي استكمال الإفراج عن 3.5 مليار دولار من الأموال المجمدة لطهران، في العراق وكوريا الجنوبية وسلطنة عمان، والتي سبق لواشنطن أن أبدت تساهلاً فيها، زائد البحث في تسديد قرابة نصف مليار دولار مجمدة في بريطانيا، مقابل مطلب طهران الإفراج عن 10 مليارات دولار تحول العقوبات الأميركية دون تسديدها. واعتبر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن الإفراج عنها بمثابة حسن نية مطلوبة من واشنطن. ويجري الحديث عن تسليمها لها على مراحل وفقاً لإجراءات العودة إلى التزامها بالاتفاق النووي.
والخطوة الثالثة هي فصل البحث في بندي برنامج إيران للصواريخ الباليستية وتدخلاتها في دول المنطقة التي تعتبرها الدول الغربية مزعزعة للاستقرار الإقليمي، عن التفاوض حول العودة إلى اتفاق 2015 النووي، بحيث لا تكون مفاوضات فيينا ضاغطة على القيادة الإيرانية كي تنفذ انسحابات من بعض ميادين الحروب الدائرة في الإقليم.
وفي اعتقاد أصحاب هذه القراءة، أن هناك ترتيبات جرى البحث فيها بعيداً من الأضواء وعلى هامش التحضيرات لفيينا، في ما يخص الأزمات الإقليمية، تفضي إحداها إلى تكريس نفوذ إيران في سوريا مع انكفائها عن جنوبها لطمأنة إسرائيل إلى أمنها استناداً إلى ضمانة روسيا لأمن إسرائيل. الخطوات الثلاث المذكورة قد تغني طهران عن التشدد عبر "حزب الله" في لبنان بحيث تقابل ما تكسبه خلالها، بالقبول بشيء من الانفراج في البلد المعذب بسبب حؤول التوتر السياسي المتصاعد دون التخفيف من آلامه. ويأمل هؤلاء في هذه الحال، بأن يتم الإفراج عن اجتماعات الحكومة لعلها تأخذ قرارات ضرورية في شأن التقديمات المالية لموظفي القطاع العام وحول تحسين ساعات التغذية في الكهرباء، ويتم إقرار بعض التدابير اللازمة لإطلاق التفاوض مع صندوق النقد الدولي على خطة للتعافي الاقتصادي والمالي، التي تشمل تقديم مساعدات مالية تحرك الاقتصاد. وثمة اعتقاد بأن "حزب الله" يحتاج إلى عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد لأن التدهور المعيشي الذي يصيب جمهوره بسبب تعطيل الحكومة، يمنع اتخاذ تدابير تلجم ولو مؤقتاً الأسباب السياسية لارتفاع سعر صرف الدولار، وأنه لا بد من أن ينتظر الفرصة لتفادي انعكاس المزيد من الانهيار عليه سلباً، حتى وسط جمهوره، لا سيما إذا انتفى سبب أخذه الوضع اللبناني رهينة، لأهداف تتعلق بأوراق إيران التفاوضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستند المراهنون على استفادة لبنان من النجاح المفترض لمفاوضات فيينا المقبلة، إلى تجربة مفاوضات فيينا عام 2014 التي سبقت التوصل إلى اتفاق مع طهران. فحين حصل تقدم فيها، حصد لبنان حلحلة في تشكيل حكومة الرئيس السابق تمام سلام التي استمرت أزمة تأليفها 11 شهراً. في حينها طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري من نظيره الإيراني محمد جواد ظريف أن تمارس طهران نفوذها على "حزب الله" وحلفائها في البلد كي يسهلوا إنهاء الفراغ الحكومي، فحصل تجاوب واتصل بعدها الرئيس الأميركي باراك أوباما بالرئيس سلام وأبلغه أن "الحكومة ستتشكل"، وهكذا كان. وهي رواية سبق أن كشفها الرئيس سلام بنفسه.
التعلق بحبال الهواء
في مقابل هذه المراهنات، يرى مراقبون أن تعليق الانفراجات اللبنانية وتعديل شروط "حزب الله"، على مفاوضات فيينا هو مثل الضرب بالمندل والتعلّق بحبال الهواء، خصوصاً أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله قال أكثر من مرة، إن ربط الحلول في البلد بفيينا واليمن وغيرها من المحطات الخارجية وهمٌ، لأن المشكلة في لبنان داخلية لا علاقة لها بالموقف الإيراني. فنصر الله يكرر القول إن فريقه و"محور الممانعة" منتصر على الفرقاء الآخرين في الإقليم، ما يعني أن عليهم أن يسلموا بتفوق إيران. وهو سخّف تحليلات تربط الوضع الإقليمي بتطورات المنطقة أكثر من مرة في خطبه، فيما نفت مصادر الرئاسة الفرنسية ما كُتب وقيل عن أن الإفراج عن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعدما تعقد الإعلان عنها، جاء نتيجة توافق أو تقاطع فرنسي - إيراني، إثر اتصال هاتفي أجراه الرئيس إيمانويل ماكرون بالرئيس إبراهيم رئيسي إثر توليه منصبه الصيف الماضي.
ويقول دبلوماسي يمثل دولة محورية في بيروت لـ"اندبندنت عربية"، إن تعليق الآمال على مفاوضات فيينا كي تحدث انفراجات في لبنان لا يستند إلى معطيات منطقية، أو مؤشرات واقعية، فضلاً عن التساؤل حول ماذا سيتغير في فيينا.
الموقف الإيراني المجهول
فالموقف الأميركي الثابت هو العودة إلى اتفاق 2015 كسقف للتفاوض من دون إضافات عليه، فيما الموقف الإيراني المجهول حتى الآن، يتعلق بمجيء إدارة جديدة مع انتخاب إبراهيم رئيسي للرئاسة وتشكيله فريقه، بالتالي تحديده السقف الذي سيقبل به. فإذا كانت واشنطن ستفرج عن جوائز مالية لطهران وتطلب تحديداً سياسياً وتقنياً لبرنامجها النووي، فإن هذا لا يوجب فرض تنازلات أخرى عليها، ويجب عدم الافتراض أن الخيار هو بين اتفاق معها على الملفات كافة إضافة إلى النووي، وبين اقتصاره على النواحي التقنية في شأن النووي. ووفق الدبلوماسي إياه، فإن تمكّن إيران من تحقيق إنجازات في تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب واشنطن من اتفاق 2015 لن يؤدي إلى تقديمها تنازلات في لبنان في ضوء التطورات الحاصلة في الإقليم. بالتالي من غير المنطقي المراهنة على ذلك. وهي لم يسبق أن قدمت تنازلات كهذه، فلماذا تفعل ذلك الآن طالما "حزب الله" قادر على الإمساك بالقرار اللبناني في ظل وجود حكومة يستطيع شل عملها أو في ظل الفراغ الحكومي، أو الرئاسي، من أجل فرض ما يريد؟ فللوضع اللبناني حساباته الداخلية التي لها علاقة باستحقاقات انتخابية مقبلة، النيابية في 27 مارس (آذار) والرئاسية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل.
ويستند بعض المراقبين إلى قول علي باقري كني، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية وكبير المفاوضين الإيرانيين في فيينا، قبل أسبوعين إن "الجولة السابعة من المفاوضات النووية ستبدأ بالتفاوض على إلغاء العقوبات الأميركية، مشيراً إلى أنها ستكون نقطة البداية" في جلسات 29 الجاري. فإذا كانت القيادة الإيرانية تستبعد تقديم تنازلات في اليمن والعراق وسوريا فإنها لن تفعل ذلك في لبنان.
إذا صحت هذه القراءة، فإن المراهنين على انفراج في لبنان، يأتي من فيينا، سيخيب ظنهم.