في خطوة غير مسبوقة، أعلنت الجهات الحكومية في قطاع غزة، التي تتبع إدارياً لحركة "حماس"، أنها بدأت في استقبال طلبات المواطنين للعمل في إسرائيل، وأن ذلك يندرج في سياق التفاهمات السياسية التي يجريها الوسطاء المصريون بين الحركة وتل أبيب.
وهذه المرة الأولى، منذ سيطرة "حماس" على قطاع غزة عام 2007، تشرف فيها وزارة تابعة للحركة بشكل مباشر وليس من خلال وسيط، على عملية تسجيل عمال للعمل داخل إسرائيل، وتعمل السلطات على ذلك للحد من البطالة والتدهور الاقتصادي المتفشي في القطاع.
وبالعادة، تتولى هيئة الشؤون المدنية (إحدى مؤسسات السلطة الفلسطينية) عملية تسجيل العمال أو الراغبين في زيارة إسرائيل، وتبلغهم موافقة الطرف الآخر على طلباتهم، باعتبارها حلقة الوصل المخولة القيام بذلك.
مراجعة دقيقة
وبحسب المراقبين السياسيين، فإن تسجيل وزارة العمل المباشر لطلبات الراغبين للعمل في إسرائيل، يعد مفاجأة سياسية، بخاصة أن هذه الخطوة تنطوي في ملف التنسيق الأمني، وهو ما ترفضه سلطات غزة في مبادئها العامة.
ويقول الباحث السياسي حسن عصفور، إن إعلان حكومة "حماس" سيطرتها المنفردة على التسجيل، ليس عملاً فنياً مهنياً فحسب، بل هو قرار يحمل بعداً سياسياً، فتطوير العلاقة وزيادة تصاريح العمل مع "حماس"، يعد شكلاً متطوراً لمعادلة التهدئة مقابل تحسين مستوى المعيشة، التي بدأت تشق طريقها كجزء من المشهد العام.
في الواقع، الأمر الذي دفع إلى الاعتقاد بأن سلطات غزة على مشارف التنسيق الأمني مع إسرائيل، أن قبول أسماء العاملين في داخل تل أبيب، يخضع لمراجعة دقيقة، فبعد انتهاء عملية التسجيل يجب تسليم الكشوفات إلى مكتب التنسيق الإسرائيلي الذي بدوره يمنح جهاز الأمن الداخلي في تل أبيب "الشاباك" نسخة عنها، لدراسة ملفات جميع الأسماء قبل منح أي شخص منهم إذن الدخول إلى الأراضي الإسرائيلية.
هيئة الشؤون المدنية
إلا أن ذلك غير وارد بالنسبة لسلطات غزة، فبحسب المسؤولين الحكوميين، فإنهم جهة رسمية لتحضير كشوفات الراغبين بالعمل داخل إسرائيل فقط، ويجرون ذلك منعاً لعمليات التلاعب أو الاستغلال والتربح من العمال من أي جهة كانت.
وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف، إنه لا يوجد تواصل بين أي جهة حكومية في القطاع مع إسرائيل، ويقتصر دور وزارة العمل على تسجيل العمال وتحضير كشوفات الأسماء وتدقيقها، ثم ترسلها إلى هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية لمتابعة إصدار التصاريح (إذن موافقة)، وهي المعنية بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي في الشق المدني.
وأكد الأمر مدير المشاريع في وزارة العمل أيمن أبو كريم، أن السماح بتسجيل العمال جرى بالتوافق مع الجهات السياسية، ووزارته جهة فنية تنفيذية لما تم الإيعاز إليها بتطبيقه، وأطلقت وزارة العمل في غزة رابطاً إلكترونياً يتيح للمواطن المتزوج، وعمره قد تجاوز 26 سنة، وصحيفته الجنائية خالية، وحاصل على وثيقة تطعيم ضد كورونا، التسجيل للعمل داخل إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مؤشر على عمق البطالة في القطاع التي تخطت حاجز 65 في المئة، سجل أكثر من 10 آلاف طلب لراغبين في الحصول على فرصة عمل داخل إسرائيل، وحال حصلوا على ذلك، فإن أجورهم قد تصل إلى 100 دولار أميركي في اليوم، في وقت لا تتجاوز في غزة 20 دولاراً.
أضاف معروف أن "عملية التسجيل الإلكتروني تعد المرحلة الأولى، وبعد تحضير الكشوفات التي انطبقت عليها المعايير، سنرسلها إلى هيئة الشؤون المدنية، وهي التي ستتولى عملية التواصل مع إسرائيل، لإصدار تصاريح عمل للمسجلين"، مؤكداً أن الفترة المقبلة ستشهد تواصلاً مع طاقم الهيئة في قطاع غزة لاستكمال إدارة ملف العمال.
ضمن التفاهمات
وبحسب معروف، فإن خطوة إتاحة الفرصة لعمال القطاع للعمل في إسرائيل، جاءت ضمن سياق التفاهمات السياسية التي توصل إليها الوسطاء بين قيادة العمل السياسي في غزة (حماس والفصائل) من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، لافتاً إلى أن هذه الخطوة ضمن المساعي لرفع الحصار بشكل كامل عن غزة.
ومنذ وقف القتال العسكري الذي بدأ وانتهى في مايو (أيار) الماضي، يجري الوسطاء المصريون مباحثات غير مباشرة بين "حماس" وإسرائيل، من أجل تثبيت الهدوء، وفي أكتوبر (تشرين الأول)، أقرت تل أبيب رزمة من التسهيلات لسكان القطاع، منها السماح لنحو سبعة آلاف تاجر دخول أراضيها، لكنها منحت ثلاثة آلاف منهم إذن مرور من أجل العمل.
وأشار معروف إلى وجود إشارات واضحة من الوسطاء لتوفير نحو 13 ألف تصريح عمل داخل إسرائيل، موضحاً أن هذه العملية يضمنها الوسطاء الذين تدخلوا في إدارة الملف.
"الجهاد الإسلامي" عارض الفكرة
إلا أن هذه الخطوة لقيت رفضت حركة "الجهاد الإسلامي"، وقال أمينها العام زياد النخالة، إنهم تفاجأوا واستغربوا من تسجيل حكومة "حماس" أسماء للعمل داخل إسرائيل، ومن المفترض ألا تتعاطى "فصائل المقاومة" مع هذا الطرح، ولا تقوم بدور الوكيل للعمل في إسرائيل.
أضاف النخالة، "هذه الخطوة كبيرة وتحاول امتصاص طاقة الشباب كون تل أبيب تحاول تحويل غزة من حالة تأييد للمقاومة إلى البحث عن تسهيلات، وهذا أمر غير مقبول".
إلا أن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية غسان عليان هاجم زعيم "الجهاد الإسلامي"، وقال، "من السهل على النخالة التحكم في أهل غزة ويعارض حصولهم على مصدر الزرق، وهو على متن طائرة".
ولم تعلق إسرائيل على تسجيل حركة "حماس" أسماء مواطنين يرغبون في العمل بأراضيها، إلا أن عليان أوضح سابقاً أن المستوى السياسي في تل أبيب وافق على إدخال تحسينات جديدة لسكان القطاع، تشمل زيادة عدد التجار الراغبين بالعمل في الأراضي الإسرائيلية.
وأوضح رئيس اتحاد نقابات العمال سامي العمصي، أن من المتوقع أن يصل عدد العمال المسموح لهم بالعمل داخل إسرائيل إلى 30 ألف عامل، ويمكنهم تخفيف نحو 10 في المئة من نسبة البطالة في صفوفهم، وبحسب تقديرات اتحاد العمال، فإنه يوجد في غزة 300 ألف عاطل عن العمل، بنسبة بطالة تفوق 65 في المئة.