أقر مجلس العموم البريطاني المذكرة التي تقدمت بها وزيرة الداخلية، بريتي باتيل، لتصنيف حركة حماس، بجناحيها السياسي والاقتصادي، "إرهابية". ويتضمن الحظر عقوبات بالسجن لمدة تصل إلى 14 عاماً أو الغرامة على من يدعم حركة حماس، أو يرفع أعلامها أو شعاراتها. واللافت أن القرار مر من دون اعتراض من المعارضة اليسارية، بل إن البعض في حزب العمال أيَّد مذكرة الحظر. وتم إقرار هذه المذكرة لتعديل قانون الإرهاب لعام 2000، بحيث يمتد الحظر المفروض حالياً على "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس"، ليشمل بالتالي الحركة بجناحيها.
موقف متوقع
وبمقتضى قرار الحظر الرسمي ستخسر "حماس" وجوداً إعلامياً كبيراً، ممثلاً في مواقع إلكترونية عدة وقناة إعلامية ممولة من الحركة، هي "قناة حوار"، إضافة إلى العديد من السواتر الإعلامية الأخرى والمنظمات الخيرية التي تعمل تحت مسميات متعددة. وسيجفف ذلك منابع الحركة الإعلامية التي تعمل من خلالها "حماس"، وتستهدف جمع أكبر قدر من الأموال لتنشيط قنوات التمويل البارزة.
موقف حماس
في المقابل، صرح طاهر النونو المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، أن الأخير "أعطى توجيهاته إلى المكاتب التخصصية بالتحرك الفوري لمواجهة القرار البريطاني".
وقال النونو إن "مكاتب حماس التخصصية توافقت على سلسلة تحركات باتجاهات مختلفة لتعرية القرار ومواجهته، وتأكيد حق شعبنا في المقاومة، وإظهار الموقف البريطاني المنحاز للاحتلال".
وبيّن النونو أن "حماس تسعى إلى إظهار موقف بريطانيا الذي يعمل على تغطية جرائم الاحتلال، التي تُعتبر المملكة المتحدة مسؤولة عنها منذ وعد بلفور، إلى تسهيل احتلال الأرض الفلسطينية، ثم عبر مواقفها وسلوكها السياسي الذي يظهرها كوكيل للاحتلال بشكل يناقض كل القيم والأخلاق والقوانين الإنسانية في العالم".
"تحت السيطرة الإيرانية"
وترى دوائر أمنية بريطانية أن الحركة باتت تحت السيطرة الإيرانية أكثر من أي وقت، وتثير مثل هذه السيطرة مخاوف من انتقال تكنولوجيا الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة الإيرانية إلى قطاع غزة. ويبدو ذلك هو السبب الجوهري للقرار البريطاني، النابع من إدراك تام لخطورة أي مواجهة جديدة بين إسرائيل وغزة.
وسينعكس قرار الحظر بصورة كبيرة على عمل ومهمات بعض الشعب المتخصصة التي تعمل لصالح "الحركة"، أولاها الأمانة العامة والاتصالات الخارجية مع الجهات والهيئات المعنية بأقسام "حماس" في الخارج على مختلف مهماتها وطبيعة عملها، ومن بينها شعبة التخطيط والبحث والتطوير الإداري والتنظيمي، ومراكز أخرى موزعة في بريطانيا، وهي تشابه عمل "المحطات الحية غير المعلنة" بلغة الاستخبارات تحت قيادة محمد كاظم صوالحة، القيادي في "حماس"، الذي شارك في النشاطات السياسية والدعاية والتنسيق المالي المتعلق بالأنشطة الخاصة بالحركة، وهناك قطاع أمني ومعلوماتي وظيفته جمع المعلومات والبيانات عن الجاليات العربية والإسلامية، والداعمة للنشاط الخاص بالفلسطينيين يتبع حركة حماس في الخارج ويديره جواد صالح، وهو مسؤول عن تتبع معارضي "حماس" وجمع المعلومات الخاصة بنظم الاستثمارات وتوفير الغطاء الإنساني والتطوعي، وتتركز مهماته في التحويلات المالية والشركات الاقتصادية، إضافة إلى جمعيات تطوعية وخيرية تمارس عملها تحت غطاء البعد الإنساني، وتوفير المتطلبات لأعمال الإغاثة والدعم للشعب الفلسطيني. وترتبط هذه المواقع بشبكة كبيرة تملك فروعاً في ماليزيا وتركيا وجنوب أفريقيا والسودان وإندونيسيا وبعض دول جمهوريات آسيا الوسطى.
ستفقد إذن "حماس" حضوراً سياسياً مؤيداً للنشاط الإسلامي في بريطانيا، وهو ما كانت قيادات الحركة تعمل على تفعيله وتطويره بصورة دائمة، وهو ما سيؤدي إلى إظهار وجه الحركة الفعلي في ممارسة أنشطة يجرمها القانون البريطاني، في وقت تسعى إلى إظهار وجه مقبول لسياستها في الأوساط الأوروبية بدل الصورة التي يحاول الإعلام الإسرائيلي إظهار الحركة من خلالها بأنها تريد إنهاء وتصفية إسرائيل والمساس بأمنها.
ويتزامن ذلك مع وجود وزيرة داخلية وحكومة في لندن حليفتين لتل أبيب. وتتمتع هذه الحكومة التي يرأسها بوريس جونسون بأغلبية كبيرة ومريحة في البرلمان، تجعلها لا تواجه أي مشاكل أو عوائق عندما تريد تمرير أي قرار أو قانون جديد.
وسينهي قرار حظر الجماعة في الأوساط البريطانية إشكالية حقيقية متعلقة بعلاقة "الإخوان المسلمين" بحركة حماس، بخاصة أن التحقيقات السابقة تجاه جماعة الإخوان فتحت وأغلقت مرات عدة، ونجحت جماعة الإخوان في الإفلات من الحظر بخاصة أن وسائل الإعلام الخاصة بها نشطة ومتعددة، ولها دور كبير ومهم، ونجحت في مواجهة مخطط الحظر السابق. وبالتالي فإن حظر ملف "حماس" في بريطانيا سيمس "الإخوان" بقوة، وقد يعيد فتح ملف الجماعة الأم بصرف النظر عن قرار "حماس" فك الارتباط بـ"الإخوان"، عندما عدلت الحركة ميثاقها منذ سنوات.
ارتدادات داخلية في حماس
وسيؤدي قرار الحظر إلى ارتدادات داخل "حماس" في الخارج، إذ سيقيد حركة أعضاء المكتب السياسي الذين يعملون ويتحركون في الخارج في دوائر متعددة، بل وينشطون في عواصم أوروبية لم تحظر الحركة بعد، وفي هذه الحالة قد تقيد حركة أعضاء المكتب السياسي، بخاصة أن بريطانيا هي مركز الحركة الأوروبية وقلب دائرة اتصالاتها الكبرى. وسيؤدي حظر الحركة إلى خسائر كبيرة لقادة "حماس" الذين ينتشرون في المكاتب الأوروبية والآسيوية، ويعملون كمسؤولي اتصال خارجي، ويمارسون أدواراً عدة، ما يعني أن الحركة ستواجه مأزق التهميش، والمحاصرة خارجياً.
كما سيفتح قرار الحظر الباب على مصراعيه داخل الحركة لتحديد الأولويات السياسية والأمنية والإعلامية للتعامل مع الخارج، بخاصة أن تياراً كبيراً داخل الحركة يدعو إلى التركيز على الداخل، وعدم السعي للعمل في الخارج، في الأقل في الوقت الراهن. وكان يفترض بعد إجراء الانتخابات الأخيرة أن تحسم بعض الأمور داخل الحركة، ولكن هذا الأمر لم يحدث، وظلت التباينات قائمة على الرغم من نفي قيادات الحركة استمرار التباين حول الأولويات، ومن ثم قد يؤدي قرار الحظر إلى إعادة ترتيب السياسات والأولويات للحركة وعناصرها في الخارج.
وسيكون لقرار الحظر تداعيات على الداخل الفلسطيني، بخاصة تجاه حركة فتح التي تتابع ما جرى. وأدانت السفارة الفلسطينية في لندن قرار الحكومة البريطانية، في إشارة إلى أن "الكل واحد"، والخلاف بين "فتح" و"حماس" لن يمنع من انتقاد ما يجري في بريطانيا ويمس جهة فلسطينية. ويشير ذلك إلى أن "فتح" أرادت تأكيد الأهمية الكبيرة لقرار الحظر الذي قد يؤثر في باقي الفصائل الفلسطينية، وقد يمس "حركة الجهاد الفلسطيني"، والجبهتين الفلسطينية والشعبية، في إشارة إلى أن القادم أسوأ، خصوصاً أن محاصرة "حماس" ستؤدي -من جانب آخر- إلى إتاحة الفرصة للسلطة الفلسطينية في التحرك المباشر المؤدي إلى استعادة السلطة حضورها السياسي داخلياً وخارجياً، بخاصة أن "حماس" كانت ولا تزال تسعى إلى استعادة وجودها السياسي الكبير على الساحة الفلسطينية، وأن تتولى إدارة المشهد الفلسطيني، ليس في القطاع وحسب، وإنما في الضفة الغربية أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل المواجهة الأخيرة بين إسرائيل و"حماس" كشفت بقوة عما تخطط له الحركة جيداً في المديين المتوسط والبعيد.
تأثيرات أخرى
وسيكون لقرار حظر "حماس" تأثيرات عدة ليس فقط على الحركة نفسها بل سيمتد إلى أطراف أخرى، بخاصة التنظيمات المسلحة داخل القطاع، التي تتحرك في اتجاهات عدة، وتحت سواتر أخرى، وبالتالي سيفتح الباب أمام صدور قرارات مشابهة لما جرى مع "حماس" من خلال حظر جناحها العسكري بالأساس، ثم السياسي، في إشارة قد تمتد إلى فصائل أخرى مستهدفة، وتعمل في نطاقات مختلفة، وهو ما قد يتم الانتباه إليه جيداً في الفترة المقبلة مع التخوف من امتدادات مشابهة لما جرى في حالة "حزب الله" تحديداً، وقد يتكرر مرة أخرى تجاه أطراف أخرى.
ويتوقع أن ينتقل الأمر من البرلمان البريطاني إلى البرلمان الأوروبي، وهنا ستكون الإشكالية الحقيقية، إذ سيرتبط القرار بما سيحدث من تطورات حقيقية في دول أوروبية أخرى. وقد تسعى دول أخرى إلى التشبه بالموقف البريطاني، ما يعني محاصرة حركة حماس، بخاصة أن المخطط الأوروبي سيتم وسيعاد صياغة ما يتردد من ضرورة الاعتراف المبدئي من قبل "حماس" بإسرائيل، بخاصة أن شروط الرباعية الدولية معلومة للجميع، وسيتم طرحها والتعامل معها.
وهنا ستجد "حماس" نفسها في مأزق قد يمتد إلى دول أوروبية أخرى خاصة. كما أن متابعة سلوك وتوجهات الحركة ستتم في سياق مهم، مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، ما قد يؤدي إلى إدانات حقيقية لـ"حماس"، بخاصة في مجال الحصول على الدعم الخارجي والتمويل لداخل القطاع، وهو ما سيتأثر في الفترة المقبلة، حيث تجري عمليات التحويل عبر شبكات رؤوس الأموال الضخمة من خلال وسائل وسواتر متعددة، ليست واضحة بل لها تأثيرات حقيقية ومهمة، ويتشابك فيها العمل الأمني والاستخباراتي. وتبرعت عناصر "حماس" ومؤسساتها وعلاقاتها بالهيكل المالي لجماعة الإخوان للقيام بأدوار نوعية في توفير المتطلبات المالية والاستثمارية الكبيرة للحركة، التي توظفها في تطوير وتفعيل منظومتها الصاروخية، التي حققت تقدماً بارزاً في المواجهة الأخيرة، وبدأت بالفعل تقلق إسرائيل، ودفعتها إلى البحث في تطوير منظومة القبة الحديدية، وأن تحصل على دعم أميركي عاجل لتطوير وتحديث مقدرات وإمكانات البطاريات المستخدمة.
تساؤلات مطروحة
إن السؤال المطروح بعد حظر "حماس" في بريطانيا وتأثيره المباشر في اتصالات بعض المسؤولين الأوروبيين بعناصر من الحركة، بخاصة الألمان والمؤسسات المانحة الأوروبية، هل سيتوقف هذا الأمر؟ وماذا عن البديل الحقيقي واحتمالية أن يجمد إلى حين اتضاح الرؤية؟ وماذا إذا أقدمت الحكومة البريطانية على طرد عشرات العناصر المقيمين على الأراضي البريطانية؟ وقد يمتد ذلك إلى باقي بلدان أوروبا في حال دخل البرلمان الأوروبي على الخط، وهو أمر مهم أيضاً تتخوف "حماس" من سرعة تنفيذه في الفترة المقبلة، على اعتبار أن هناك مكاسب حقيقية لأطراف آخرين في المعادلة الفلسطينية، إذ ستعمل إسرائيل على الاستفادة مما يجري وتوظيفه.
في المقابل، هناك خاسرون بالأخص التنظيمات الفلسطينية الداخلية، وعشرات من قادة الحركة وعناصرها ومؤيديها، الذين يعملون في اتجاهات عدة ليس في بريطانيا وحسب وإنما في أوروبا كلها، وهو ما يتطلب مراجعة الموقف بأكمله داخل "حماس".
مما لا شك فيه أنه ستكون هناك بالفعل ارتدادات حقيقية لما سيجري في تعامل بريطانيا مع حركة حماس. وثمة مخاوف من أن ما سيجري سيستهدف التشويش على شرعية "حماس" بالداخل الفلسطيني، في وقت تحاول الحركة تأكيدها، والرهان على الاستمرار في حكم غزة والانتقال إلى رام الله أيضاً.
هناك "سيناريو صفري" قد يلوح في الأفق أمام "حماس"، وسيفتح مداخل كانت مغلقة منذ أشهر عدة، وسيفجر صراعاً مكتوماً بشأن ما يجري داخل الحركة وسيدفع بمواجهات حذرة وتنافسات جديدة. وستراقب حركة فتح ما سيجري، لكن الإشكالية الحقيقية ستبقى متعلقة بأن الخيارات أمام "حماس" ستضيق وتنحصر في دوائر محدودة. وسيبقى السيناريو المحتمل في تطويق الحضور الاقتصادي والإعلامي للحركة قائماً، ليس في لندن فقط بل في كل العواصم الأوروبية الأخرى.