تترقب أوساط اقتصادية واسعة في العالم إدلاء رئيس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) جيروم باول بشهادته المشتركة مع وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أمام الكونغرس.
وبحسب ملاحظات الشهادة المعدة سلفاً، يفترض أن يشير باول إلى أن الموجة الجديدة من الاصابات بمتحورة فيروس كورونا "أوميكرون" قد تضر بفرص النمو الاقتصادي القوي وتزيد من الضغوط التضخمية في الاقتصاد، لكنه مع ذلك سيركز على التحسن المستمر لفرص التعافي مع زيادة معدلات التوظيف في الاقتصاد واستمرار قوة الانفاق الاستهلاكي في مرحلة التعافي من أزمة الوباء العام الماضي.
وستؤكد وزيرة الخزانة الأميركية على رؤية رئيس الاحتياط الفيدرالي، كما ستدعو إلى تشجيع الناس على تلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. وسيتحدث المسؤولان الرئيسان عن الاقتصاد والسياسة النقدية والمالية في أكبر اقتصاد في العالم عن تفاؤل نسبي بالتعافي الاقتصادي في شهادتهما التي نشرت صحيفة الـ "فايننشال تايمز" مقاطع منها قبل إدلائهما بها.
وبحسب ملاحظات الشهادة المعدة سلفاً، يقول جيروم باول إن "الارتفاع الأخير في عدد حالات كوفيد-19 وظهور متحور أوميكرون يشكلان خطراً على السوق والنشاط الاقتصادي وزيادة حال عدم اليقين بشأن معدلات التضخم، فالقلق المتزايد من الفيروس قد يقلل استعداد الناس للعمل من المكاتب والمصانع، مما يؤدي إلى تباطؤ التحسن في سوق العمل ويزيد مشكلات سلاسل التوريد".
أما جانيت يلين، وبحسب ملاحظات شهادتها المعدة سلفاً، فتقول إنه "لا يمكن الفصل بين إحراز تقدم على صعيد التعافي الاقتصادي والتقدم في جهودنا لمواجهة الوباء، وأعلم أننا جميعاً نتابع الأخبار بشأن متحور أوميكرون، والحقيقة المؤكدة هي أن افضل حماية لنا من الفيروس هي تلقي اللقاح، لذا يجب علينا تلقي اللقاحات والجرعات المنشطة".
تفاؤل نسبي
وعلى الرغم من القلق بشأن توقعات تأثير الموجة الجديدة من وباء كورونا في أداء الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، إلا أن الغالبية العظمى من البنوك الاستثمارية وشركات الاستشارات لا تتوقع تأثيراً كبيراً لموجة متحور أوميكرون على النظرة المستقبلية لأداء الاقتصاد العالمي، وكان ذلك واضحاً تقريباً في كل مذكرات تلك المصارف والشركات لعملائها في أول أيام الأسبوع، الإثنين 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
وتوقع كبير الاقتصاديين في بنك "يو بي إس" للاستثمار بول دونوفان أن يكون التأثير الأكبر في السفر والسياحة حول العالم، لكنه اعتبر ذلك تغييراً طفيفاً في الاقتصاد العالمي ككل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن هذه الموجة "من غير المحتمل أن تغير النظرة الأشمل للوضع الاقتصادي العام في هذه المرحلة"، واستند كل هؤلاء الاقتصاديين والمحللين في تقديراتهم المتفائلة إلى عاملين مهمين، الأول تحسن قدرة الاقتصاد العالمي على التكيف مع تطورات أزمة وباء كورونا بشكل عام، مما يجعل رد الفعل الاقتصادي الآن أفضل بكثير مما كان عليه في عز أزمة الوباء العام الماضي.
أما العامل الثاني فهو التوسع في التطعيم بلقاحات فيروس كورونا الذي يزيد الثقة لدى الناس بما يحافظ على قوة ثقة المستهلكين واستمرار العمل والإنتاج حتى مع تغيير بعض قيود الوقاية والحد من انتشار الفيروس مجدداً.
وقال كبير الاقتصاديين في "برينبيرغ بنك" هولغر شميدنغ، إن " التغيرات الاقتصادية تتراجع من موجة إلى موجة"، مشيراً إلى التباين الواضح بين تأثيرات الموجة الأولى من الوباء والموجة الثانية على الاقتصاد في أوروبا، ففي الموجة الأولى من وباء "كوفيد-19" خلال الربع الثاني من العام الماضي 2020، تراجع النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو بنسبة 15 في المئة، أما في الموجة الثانية مطلع هذا العام 2021، والتي كانت أشد من الموجة الأولى، فلم يشهد النشاط الاقتصادي في أوروبا تراجعاً سوى بنسبة 0.7 في المئة.
وحتى إذا بدا أن الموجة الجديدة أقوى وأشد، وأن متحور أوميكرون أكثر مقاومة للقاحات الحالية، فإن معدلات التطعيم للوقاية من الفيروس بمستوياتها ومعدلاتها الحالية يساعد في تقليل التأثير الاقتصادي للموجة الجديدة من الوباء. ورأى كبير الاقتصاديين في بنك "كوينتيت" الخاص دانييل أنطونيتشي أنه "يمكن للدول المتقدمة الآن الاعتماد على معدلات التطعيم باللقاح المرتفعة، وقدرتها العالية على انتاج اللقاحات حالياً، كما أنها أظهرت قدرتها على التكيّف بسرعة وتعديل طرق العمل بمرونة أكبر".
التضخم والسياسة النقدية
لكن أغلب الاقتصاديين والمحللين في مذكراتهم الاستشارية يرون أنه حتى لو حدث تباطؤ في النشاط الاقتصادي، فمن غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تخفيف سرعة نمو معدلات التضخم، ويتفق ذلك مع رؤية رئيس البنك المركزي الأميركي في شهادته المنتظرة أمام الكونغرس.
وبالتالي يمكن توقع أن تتردد البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة، في تسريع تشديد السياسة النقدية حتى يتبين تماماً تأثير الموجة الجديدة من وباء كورونا في الاقتصاد.
وعلى الرغم من التفاؤل بأن تأثيرها لن يكون كبيراً في الأغلب، إلا أن الحذر سيكون سيد الموقف، فمن شأن رفع أسعار الفائدة ووقف كل برامج التحفيز والتيسير الكمي الإضرار بشدة بمعدلات النمو الاقتصادي، وفي الوقت ذاته لا يكبح جماح التضخم المرتفع، لذا أصدر الاقتصاديون في "سيتي بنك" مذكرة تشير إلى أن "حال عدم اليقين الجديدة تعد تحذيراً للبنوك المركزية بأن مسار التعافي الاقتصادي ربما لا يكون في خط مستقيم كما كان يعتقد من قبل"، لذا ربما لا نشهد أي قرارات حاسمة في ديسمبر (كانون الأول) بشأن السياسة النقدية، بخاصة من الاحتياط الفيدرالي في الولايات المتحدة وبنك إنجلترا (المركزي البريطاني).