أدرجت 47 دولة حول العالم ومن مختلف القارات "حزب الله" اللبناني على قوائم الإرهاب، بينها 20 دولة ساوته بتنظيمَي "داعش" و"القاعدة" وحظرت نشاطاته بشكل كامل، إذ بات أي متعامل أو متعاطف معه تحت مجهر الملاحقة القضائية في تلك الدول.
وبات واضحاً أن كرة الثلج تكبر، مع إعلان دول جديدة حول العالم إدراج الحزب على قوائم الإرهاب وتصنيفه بين المنظمات الإرهابية، كان آخرها أستراليا التي صنفت "حزب الله" منظمة إرهابية، معللةً القرار بأن "التنظيم المسلح يواصل التهديد بشن هجمات إرهابية وتقديم الدعم للمنظمات الإرهابية ويشكل تهديداً حقيقياً وموثوقاً به لأستراليا".
وتشير تقارير غربية إلى أن هذا التصنيف الذي استهدف "حزب الله" لن يتوقف عند أستراليا ويتوقع أن ينسحب في المرحلة المقبلة على دول أخرى.
انحياز عالمي
ورداً على توالي الدول بإدراجه على قوائم الإرهاب، اعتبر مصدر مسؤول في الحزب أن "الأمر يكشف الانحياز الأعمى لبعض الدول للمصالحة الإسرائيلية والاستمرار باستهداف محور المقاومة"، موضحاً أن "عملية إدراج الفصائل المقاومة على قوائم الإرهاب تتجاوز حزب الله، إذ أقدمت بريطانيا أخيراً على تصنيف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضمن قائمة المنظمات الإرهابية".
ويرى المصدر ذاته أن "اللوبي الإسرائيلي في كل دول العالم وبتغطية من أميركا يضغط على السياسيين في تلك الدول من أجل تجييش العالم ضد أحزاب المقاومة بعد أن فشلت كل الوسائل الأخرى".
وكان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله علق على إدراج حزبه مجدداً في لوائح الإرهاب، معتبراً أن ذلك قد تكون له علاقة بتطورات المنطقة خلال مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، أو بهدف الاستغلال السياسي ومحاولة إضعاف الحزب قبيل الانتخابات النيابية المقبلة، مشدداً على أن "وضع المقاومة على لوائح الإرهاب لن يؤثر في عزم المقاومين، أو وعي البيئة الحاضنة لها".
فرملة فرنسية
وكانت الولايات المتحدة أول من رسم الخط البياني التصاعدي لتصنيف الدول لـ"حزب الله" بعد تصنيفه إرهابياً بشقيه السياسي والعسكري منذ عام 1997. وبعدها دخل الاتحاد الأوروبي على خط التصنيف في عام 2013 من خلال إجماع الدول الأعضاء على إدراج الجناح العسكري للحزب على لائحة الإرهاب، إذ تشير تقارير ودراسات عدة أن فرنسا كانت المانع الأول لعدم شمول الجناح السياسي لـ"حزب الله" بالإرهاب، ودفعت باتجاه نظرية فصل الجناحين، فكان هذا القرار بمثابة تسوية، وذلك على عكس هولندا التي كانت أول دولة أوروبية حظرت الحزب في عام 2004 وصنفته إرهابياً بجناحيه.
وفي وقت سابق، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده لن تضع أي حزب لبناني ممثل في الحكومة على قوائم الإرهاب، مشيراً إلى أن باريس تعتبر الجناح العسكري لـ"حزب الله" تنظيماً إرهابياً، لكنها تتحاور مع الجناح السياسي الممثل في الحكومة والمنتخب في مجلس النواب.
إجماع عربي
أما على الصعيد العربي، فصنفت جامعة الدول العربية "حزب الله" منظمة إرهابية في مارس (آذار) 2016، خلال الدورة 145 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، حين صدر القرار بإجماع عربي وتحفظ لبناني وعراقي.
وقال حينها وزير الخارجية اللبناني الأسبق جبران باسيل، إن "التحفظ على وصف حزب الله بالإرهابي جاء بسبب عدم توافق القرار مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب، ولأن الحزب مكون لبناني أساسي". وجاء ذلك الإعلان بعد قرار مماثل صدر عن وزراء الداخلية العرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدأت سلسلة قرارات تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية بقرار صادر عن مجلس التعاون الخليجي، وبيان اتهمت فيه دول مجلس التعاون الحزب "بتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف"، إضافة إلى "التدخل الفاضح في شؤون أكثر من دولة عربية، أبرزها من خلال المشاركة في الحرب السورية، والحرب العراقية، وحوادث اليمن، وزعزعة أركان الحكم في عدد من الدول الخليجية".
القوانين الأميركية
ووفق بيانات وزارة الخزانة الأميركية، فإن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يرتكز على سلسلة قوانين لمحاصرة "حزب الله" وتجفيف موارده المالية، أبرزها قانون "كاسندرا" الهادف إلى ملاحقة ما تعتبره وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، الأشخاص المحسوبين على الحزب أو المقربين منه في إطار تجارة المخدرات وتهريبها وتبييض أموالها، الأمر الذي لطالما نفاه الأمين العام للحزب حسن نصر الله أكثر من مرة.
وإضافة إلى "كاسندرا"، يُعتبر قانون "ماغنتسكي" وقانون "قيصر" من القوانين التي تعتمدها الخزانة الأميركية لإدراج مقربين من الحزب على قوائم العقوبات. فقانون "ماغنتسكي" يخول الإدارة الأميركية فرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في كل دول العالم، ويتم تجميد أصولهم وحظر نشاطاتهم في الولايات المتحدة. أما قانون "قيصر"، فموجه ضد الحزب مباشرةً في لبنان، بصفته صلة الوصل الفاعلة لإيران عبر سوريا.
مفاعيل العقوبات
ومن مفاعيل العقوبات على "حزب الله"، تتعدد النتائج، إذ تبدأ من فرض عقوبات على مسؤولين في الحزب أو متعاونين معهم، وبالتالي منعهم من السفر، وقد تصل إلى حد إصدار مذكرات من الإنتربول بحقهم في حال إدانتهم بجرائم إرهاب وتجميد أرصدتهم المالية. وتؤدي هذه العقوبات إلى حظر نشاطات الحزب بشكل تام في الدول التي تدرجه ضمن تصنيف المنظمات الإرهابية.
وأوضح رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية، المحامي بول مرقص، أن "العقوبات تؤثر بشكل غير مباشر في الحزب، عبر الضغط على بعض الممولين والداعمين له والذين لهم مصالح مع الدول الغربية"، موضحاً أن "لهذه العقوبات انعكاسات فادحة على لبنان، في ظل تقلص المساعدات الدولية إلا باستثناءات قليلة"، مما انعكس على بيئة الأعمال في لبنان بشكل سلبي. وتخوف مرقص من "تحويل العقوبات على المجتمع اللبناني، الأمر الذي قد يحول الاقتصاد إلى نقدي، ما يزيد من خطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مما يذهب خلافاً لمنطق العقوبات وغايتها".
وأشار إلى أن "من التداعيات السلبية لتلك العقوبات أنها تضع رجال أعمال لبنانيين على لوائح الشبهات والمراقبة، إضافة إلى ملايين اللبنانيين حول العالم، إضافة إلى عزل لبنان عن محيطيه العربي والدولي، لا سيما أن الحزب له تأثير سياسي كبير، ما قد يسهم في تحويل لبنان إلى جزيرة محاصَرة لا تملك سوى خطاب كسر الاستكبار والإمبريالية".
ضربات أمنية وعسكرية
في المقابل، اعتبر الكاتب الصحافي شرحبيل الغريب أن "تصنيف حزب الله، بذراعيه السياسية والعسكرية، إرهابياً، هو سقطة جديدة من سقطات الدول الغربية التي تكيل بمكيالين، ويفضح حالة المزاجية في التصنيف من دون معايير عادلة، وأن هذه التصنيفات تأتي حمايةً للاحتلال"، معتبراً أن "الولايات المتحدة فقدت بعضاً من أوراقها العسكرية في المنطقة، لا سيما في أفغانستان، وباتت تلجأ إلى التعويض عن أوراق أخرى سياسية ودبلوماسية واقتصادية، من أجل تجميل مكانتها والمحافظة على ما تبقى من صورتها أمام العالم ودول المنطقة".
ورأى الغريب أن "محاولة عزل الحزب تهدف إلى ضرب البيئة اللبنانية الحاضنة للمقاومة ومحاولة وصمها بالإرهاب، وتوضع في سياق الاستهداف الواضح والضغط المستمر على حزب الله".
واعتبر أن "من السيناريوهات المتوقعة من خلال مواجهة حزب الله بهذه الوتيرة المتصاعدة، فقد تكون تحضيراً لضربات عسكرية أو أمنية موجَّهة إليه، من أجل إحداث حالة اختلال في مشروع المقاومة في المنطقة ككل"، مشيراً إلى أن "التصريحات الإسرائيلية التي وصلت إلى أعلى مستوى من التحريض الدولي على إيران وحزب الله في كل المحافل، توحي بإمكانية أن يُستخدم هذا الخيار إذا فشلت المفاوضات الإيرانية في فيينا".