علمت "اندبندنت" أن أكثر من 30 اختراقاً أمنياً خطيراً وقعت في مشارح مستشفيات "الخدمات الصحية الوطنية" في بريطانيا، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
وتأتي هذه الأرقام في الوقت الذي يطالب فيه نواب محليون بفتح تحقيق عام في جرائم ديفيد فولر الكهربائي العامل في مرافق الخدمات الصحية، الذي ارتكب اعتداءات جنسية على نحو 100 جثة، بما فيها ثلاثة أطفال، على مدى 12 سنة.
وقد حظيت المطالبات بفتح تحقيق كامل في الموضوع، بتأييد وزير الصحة في حكومة الظل العمالية المعارضة جوناثان أشوورث، الذي أشار، الجمعة الماضي، إلى أنه "من المهم أن يصغي وزير الخارجية إلى مخاوف النائب المحلي وأسر الأفراد المعنيين، ويبني تحقيقاً عاماً كاملاً وسريعاً، بحيث يمكن استخلاص العبر من هذا الحادث المروع، وضمان عدم تكراره في المستقبل".
وفي ذلك الصدد، اعترف فولر البالغ من العمر 67 عاماً، الخميس الماضي، بأنه مذنب في قتل امرأتين هما ويندي كنيل (25 عاماً)، وكارولين بيرس (20 عاماً) في هجومين منفصلين في بلدة "تانبريدج ويلز" في مقاطعة "كنت" سنة 1987.
وقد عثر المحققون الذين فتشوا منزل فولر على أربعة ملايين صورة عن اعتداءات جنسية نزلها من الإنترنت على محركات الأقراص الصلبة في جهاز الكمبيوتر العائد له. وعثروا أيضاً على لقطات صورها لنفسه، أثناء تنفيذه اعتداءات على أجساد نساء في "مستشفى كينت وساسيكس" Kent and Sussex Hospital المغلق الآن، و"مستشفى تانبريدج ويلز" Tunbridge Wells Hospital الذي عمل فيه منذ 1989.
وعلم أن 30 تحقيقاً منفصلاً فتحوا بشأن خروقات أمنية خطيرة في مشارح مستشفيات "الخدمات الصحية الوطنية" منذ 2018. وتشمل هذه الخروقات أشخاصاً غير مصرح لهم بالدخول إلى مستودعات الجثث التي تحفظ الجثث فيها.
واستناداً إلى "هيئة الأنسجة البشرية" Human Tissue Authority (هيئة تنظيمية تراقب فحوصات ما بعد الوفاة، وتضمن استخدام الأنسجة البشرية بشكل آمن وأخلاقي، وبموافقة مناسبة) فقد عثر على أشخاص غير مصرح لهم في مشارح "مستشفى كولتشيستر العام" Colchester General Hospital في "إسيكس"، و"مستشفى سانت بيتر" St Peter’s Hospital في "سوراي"، و"مستشفى كلية لندن الجامعية" UCL Hospital في لندن، خلال الاثني عشر شهراً الممتدة حتى مارس (آذار) من هذه السنة. وسُجل أيضاً خرق أمني في "مستشفى رويال ستوك" Royal Stoke Hospital في "ستافورد شاير".
وإضافة إلى أربعة خروقات أمنية في 2020 و2021، فقد سجلت ثمانية في العام المنتهي في مارس (آذار) 2020، و10 في ذلك الممتد حتى مارس (آذار) عام 2019، وثمانية في نظيره المنتهي في مارس 2018.
وفي وقت سابق من السنة الجارية، كشفت "اندبندنت" عن وقوع أكثر من 530 حادثة خطيرة في مشارح مرافق "الخدمات الصحية الوطنية"، بما فيها عشرات الحالات التي جرى فيها تسليم الجثث الخطأ أو فقدت أعضاء من جثث أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذلك الصدد، نبهت الهيئة المهنية التي تمثل الموظفين العاملين في المشارح، "جمعية تكنولوجيا الأمراض التشريحية" Association of Anatomical Pathology Technology، إلى أن إدارات مستشفيات الخدمات الصحية، غالباً ما توظف عاملين من غير ذوي الكفاءة، كي يشتغلوا بأجور متدنية في قاعات حفظ الجثث، داعيةً إلى تنظيم اختيار الموظفين على النحو المناسب.
واستطراداً، نقل جون بيتشرز إلى "اندبندنت" في أغسطس (آب) الماضي، "أن كون مهنة العمل في المشرحة ليست مهنة ينظمها القانون، على غرار مهن أخرى كطواقم المختبرات والمسعفين، فإن ذلك يجعل الحفاظ على معايير الجودة أكثر صعوبة مما يتعين أن تكون عليه".
وأضاف، "مثلاً، لا يوجد أي ضابط قانوني بشأن مستشفيات الخدمات الصحية أو السلطات المحلية التي توظف عاملين غير مؤهلين للعمل في المشارح، إلى جانب الموظفين المؤهلين أو بدلاً منهم، وقد شهدنا زيادة كبيرة في هؤلاء العاملين الذين غالباً ما يجري توظيفهم بهدف توفير التكاليف على المؤسسات الاستشفائية التي تعاني أساساً من نقص في التمويل".
وفي سياق متصل، بعد خروج قضية فولر إلى العلن، طلب من المستشفيات التحقق على وجه السرعة من أمن جثث الموتى، والتأكد من وجود مراقبة عبر تغطية كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة "سي سي تي في" CCTV، والتحكم في نقاط الدخول إلى أماكنها بواسطة أنظمة البطاقات الممغنطة.
واستكمالاً، فبعد اعتراف ديفيد فولر بالذنب، الخميس الفائت، أعلن وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد أن الرئيس التنفيذي السابق لهيئة "الخدمات الصحية الوطنية" والطبيب السير جوناثان مايكل، سيقودان مراجعة لما حدث في المستشفى الذي عمل فيه فولر. في المقابل، اعتبر نواب محليون ذلك الإجراء غير كاف، وطالبوا بفتح تحقيق عام كامل.
إذ أعلن النائب في حزب "المحافظين" غريغ كلارك عن دائرة "تانبريدج ويلز"، أنه ونواباً محليين آخرين، وجهوا رسالة إلى وزير الصحة مطالبين إياه بإجراء تحقيق أوسع. ولفت إلى أن الأسئلة الجدية التي طرحتها اعتداءات فولر، تتجاوز موارد "الخدمات الصحية الوطنية" وقدراتها.
وضمن حديث أدلى به، الجمعة الماضي، في برنامج "توداي" الذي تبثه إذاعة "بي بي سي راديو 4"، أشار كلارك إلى أن "الأسئلة التي طرحت ومنها المحلية، تمحورت حول كيفية السماح بحدوث ذلك. لكن، برزت في المقابل تساؤلات أخرى على المستوى الوطني، في شأن مدى جدية وصرامة السياسة الوطنية بما فيه الكفاية، وإمكانية وقوع حوادث مشابهة في مستشفيات أخرى في مختلف أنحاء البلاد".
وأضاف كلارك، "أن تحقيقاً بهذا الحجم، مع شموله أكثر من 100 ضحية وأدلة مهمة للغاية يجب أخذها منهم ومن آخرين، يشكل شيئاً يفوق قدرة المستشفى المحلي التابع لهيئة "الخدمات الصحية الوطنية"، الذي لا يمتلك الموارد والإدارة اللازمتين لإجراء مثل هذا التحقيق".
وتابع كلارك، "أعتقد أن هذه المسألة مهمة جداً بالنسبة إلى أسر الضحايا. ففيما قد يشعرون بارتياح لإدخال فولر إلى السجن، ويرجح أن يبقى خلف القضبان بقية حياته، إلا أنهم ما زالوا بحاجة إلى إجابات عن الأسئلة المتعلقة بطريقة حدوث ذلك لأحبتهم. إن أقل ما يتوجب علينا فعله لإرضائهم، يتمثل في أن نتأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى على الإطلاق، وألا تضطر عائلات أخرى إلى مواجهة المعاناة نفسها التي مروا بها".
يشار إلى أنه بموجب القواعد الراهنة لدى "هيئة الأنسجة البشرية"، تكون المشارح مطالبة بجعل أماكنها آمنة، مع إخضاع الدخول إليها والخروج منها للرقابة بكاميرات متصلة بدوائر تلفزيونية مغلقة، تغطي المناطق الرئيسة.
وبحسب متحدث باسم "هيئة الأنسجة البشرية"، فـ"إننا نشعر بصدمة شديدة من هول هذه الجرائم، وبالتأثير المؤلم الذي ستتركه على أسر الضحايا وأصدقائهم. إن حماية كرامة الشخص المتوفى يشكل مبدأ إرشادياً في عملنا ضمن الهيئة".
وختم المتحدث تصريحه بالإشارة إلى "فهم طريقة حدوث هذه الجرائم يشكل أمراً بالغ الأهمية الآن، كي تستخلص الدروس من جميع الأفراد الذين تورطوا فيها. إن ’هيئة الأنسجة البشرية‘ على استعداد لتقديم المشورة لوزير الخارجية، والمساهمة في هذه العملية، إضافة إلى مشاركة نتائج التحقيق المستقل عما حدث في المستشفى".
© The Independent