ملخص
أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل ليست عرضية وفي حال استمرارها والتلكؤ أو العجز في حلها فتصبح بمثابة الزلزال الذي ستكون له بالضرورة ارتدادات معقدة ومكلفة للجميع.
عمّق دخول خمسة من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي الشغل في اعتصام مفتوح داخل مقر الاتحاد الأزمة التي تعانيها هذه المنظمة النقابية، ورأى مهتمون بالشأن العام أن هذه الأزمة عبارة عن زلزال يعصف ربما بمصير هذه القلعة النقابية ويفتح الباب أمام تفرعات نقابية أخرى تأخذ مكانها.
وأعلن خمسة أعضاء اعتزامهم الدخول في اعتصام مفتوح بمقر اتحاد الشغل في العاصمة التونسية بداية من الأربعاء المقبل، تعبيراً عن رفضهم "للوضعية المتردية التي وصلت إليها المنظمة".
ورفع النقابيون المحتجون مطالب عدة، أبرزها الدعوة إلى تقديم مؤتمر الاتحاد العمالي الأكبر في تونس المزمع عقده عام 2027 إلى منتصف عام 2025، ودعوة القيادة الحالية للاتحاد إلى التوقيع على محضر اجتماع المجلس الوطني الذي عقد في سبتمبر (أيلول) الماضي، بخاصة النقطة 12 من المحضر التي تنص على تقديم موعد عقد مؤتمر اتحاد الشغل.
تعميق الجراح
في هذا السياق، يرى الصحافي في جريدة "الشعب"، لسان الاتحاد العام التونسي للشغل، صبري الزغيدي أن "هذا الانقسام الذي لم يحصل في تاريخ النقابة الأكبر في البلاد سيعمق جراح الاتحاد وسيزيد من ضعفه"، وأضاف أن ما وصل إليه الاتحاد "هو هدف السلطات من أجل تمرير مشاريعها"، موضحاً أننا "نعلم جيداً أن اتحاد الشغل له موقف انتقادي كبير في ما يخص تسيير الشأن العام، تحديداً مسألة ضرب الحقوق والحريات إلى جانب الاختلاف حول المسألة الاقتصادية والاجتماعية، وللاتحاد رؤية في ذلك، وهو يحمّل السلطة ما وصل إليه الاقتصاد الوطني من تدهور غير مسبوق وتدهور القدرة الشرائية والارتفاع الجنوني للأسعار وغياب مواد أساسية"، بالتالي بحسب الزغيدي "فإن السلطة ستستفيد من هذا الانقسام، وعلى قيادات الاتحاد أن يتحلوا بالرصانة والمسؤولية، فضعف الاتحاد وانهياره هو انهيار للتجربة السياسية في تونس".
أما بخصوص التعددية النقابية، فيقول الزغيدي إنها "ظهرت منذ أحداث الثورة، وهي من باب حرية التنظّم، وكل الحكومات المتعاقبة إلى اليوم حاولت أن تستغل هذه التعددية لتقزيم دور الاتحاد العام التونسي للشغل، على رغم أن هذه المسألة محسومة من طرف مجلة الشغل بأن الدولة تتعامل مع النقابات التي تمثل العدد الأكبر من المنظورين. ومعلوم أن الاتحاد هو الأكثر تمثيلاً مقارنة بأطر نقابية عدة تكونت أخيراً".
ويتابع أن "سلطات الـ25 من يوليو (تاريخ عزل الرئيس التونسي لرئيس الحكومة وتجميده عمل البرلمان) لم تكُن مختلفة في هذا الأمر، فمنذ أكثر من سنة تم استبعاد الاتحاد من المشاركة في أهم القضايا التي تهم الشأن العام، وأهمها متابعة الاتفاق الأخير حول زيادة الأجور، بل ذهبت السلطة إلى أبعد من ذلك برفع قضايا ضد كثير من النقابيين وسجنهم. وفي ظل هذا الوضع يعيش الاتحاد أزمة داخلية لم يعِشها على مدى تاريخه مما جعله معطلاً تماماً".
تداعيات كارثية
ويعتبر الكاتب الصحافي مراد علالة من جانبه أن "الأزمة التي يمرّ بها الاتحاد العام التونسي للشغل ليست مجرد أزمة داخلية لمنظمة يجمع القاصي والداني على أنها استثنائية في محيطها الإقليمي، بل هي تعبير أيضاً عن أزمة مركبة تمر بها التجربة التونسية وهي للأسف ليست أزمة عرضية، وفي حال استمرارها والتلكؤ أو العجز عن حلها فستصبح بمثابة الزلزال الذي ستكون له بالضرورة ارتدادات معقدة ومكلفة للجميع".
ويتابع في السياق ذاته أن "الأزمة الحالية للاتحاد عميقة ونتجت منها للأسف حال من الشلل، يتعلق بعضها بمقاربة السلطة في التعامل مع الوسائط التقليدية إلى جانب عوامل داخلية تتعلق بالتداعيات الكارثية الناتجة من تعديل قوانين المنظمة والتمديد للقيادة الحالية في مؤتمر مثير للجدل". والحل بحسب رأي علالة "لن يكون بالنفخ في التعددية بالقوة ولكن عبر القيام بمراجعات عميقة للقيادة وطرق العمل، مما يتطلب بعض الوقت، لكن قدر الاتحاد العام التونسي للشغل أن يصلح حاله وينهض بعد كل كبوة لأن في ذلك مصلحة له وللبلاد والعباد".
ويوضح أنه "بالنسبة إلى بروز التعددية النقابية كإفراز من إفرازات هذه الأزمة، فهو خيار ضعيف قد تستغله السلطة وتستثمر فيه لفرض وجهة نظرها في ما تسميه ’الحوار الاجتماعي‘، لكنه خيار لن يعمّر طويلاً ولن يضيف شيئاً سواء للطبقة العاملة أو للشعب التونسي لثلاثة أسباب رئيسة وهي أولاً أن التعددية النقابية موجودة في الواقع حتى قبل عام 2011، وتكرست بعدها لأسباب معلومة، سواء نتيجة رغبة بعض الخارجين الغاضبين من الخيمة، أي من الاتحاد العام التونسي للشغل في التحدي والتأسيس الجديد، أو بإيعاز من السلطة التي أرادت أن تنشئ منظومتها الرسمية والمدنية، ونشير هنا إلى ما تسمى ’المنظمة التونسية للشغل‘ التي ظهرت زمن الترويكا بقيادة النهضة". والسبب الثاني بحسب مراد علالة "فيعود لهذه التجارب النقابية نفسها فهي تجارب هشّة، منحسرة جماهيرياً لم يستطِع مؤسسوها تحويلها إلى نقابات جماهيرية". أما السبب الثالث فيتمثل في "خلاف تجربة التنظّم السياسي والجمعياتي في تونس الذي اتسم بتعددية بلغت أحياناً درجة الانفلات. ولا يختلف اثنان على أن كثيراً منها نجح في تحريك المياه الراكدة كما يقال، وتطوير الحراك المدني والسياسي غير أن تعدد النقابات، سواء تلك ذات الصبغة العامة أو حتى النقابات الخاصة، لم يكُن بمثابة تجارب مثمرة، وارتبط تاريخ تونس والحركة النقابية في بلادنا بوجود منظمة كبرى شهدت أزمات وانشقاقات لكنها ظلت الرقم الرئيس في معادلة الحوار الاجتماعي والوطني في الوقت نفسه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سياسة الهروب إلى الأمام
من جهة أخرى، قال الباحث السياسي مهدي المناعي، "كنا نعتقد بأن المسألة ستذهب نحو الانفراج لكن باعتصام خمسة من عناصر المكتب التنفيذي فإن الازمة ستزداد تعقيداً. وتدل هذه الأزمة على عدم وجود انسجام داخل هياكل المنظمة، خصوصاً أن القيادات انطلاقاً من الأمين العام وأتباعه ماضين في سياسة الهروب الى الأمام"، وأضاف أن "الصراع بين معسكرين، أي معسكر الأمين العام الذي يريد أن يجدد قيادته بتعديل الفصل 20 من القانون الداخلي، وبين المعسكر المعارض الصاعد الذي يطمح بأخذ المشعل لقيادة اتحاد الشغل في المرحلة المقبلة، ولن يحل هذا الصراع في القريب العاجل"، موضحاً أن "اتحاد الشغل لا يمتلك هياكل صلبة تقوم بحل نزاعات من هذا النوع، وفي ظل تعنت كل طرف فإن الحل الوحيد هو عقد مؤتمر استثنائي انتخابي"، وأعرب عن اعتقاده بأنه "إذا لم يتوصلوا إلى حل فستكون نهاية هذه القلعة النقابية وبداية ظهور تفرعات نقابية جديدة".
على صعيد آخر، قال المناعي إن "بعضهم يضع الأزمة في خانة التجاذبات السياسية بين مناصري 25 يوليو ومعارضيه وهذا مجانب للحقيقة، فالأزمة هي أزمة داخلية وهيكلية لا دخل للسياسة بها".