في أول تصريح علني حول خبايا المحادثات الدولية المتعلقة بالخلافات بين إسرائيل ولبنان حول الحدود البحرية في المنطقة، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، اليميني والقيادي في حزب الليكود، يوفال شطاينتس، موافقة تل أبيب على إجراء محادثات مع لبنان عبر الولايات المتحدة، للتوصل إلى تفاهمات حول الحدود البحرية وترسيمها، بما في ذلك في قاع البحر الأبيض المتوسط، وهو قرار سيشمل أيضاً مواقع آبار الغاز التي اكتشفتها إسرائيل وتصر على أنها داخل حدودها.
تبدّل في المواقف
تصريح شطاينتس فاجأ الإسرائيليين، باعتبار أن تل أبيب كانت مصرّة خلال السنوات الأخيرة، ومنذ اكتشافها آبار الغاز، على أنها تقع داخل حدودها، رافضة أية تسوية حاولت جهات دولية عدة، من بينها قبرص واليونان، التوصل إليها، وذلك لأن هذه الآبار تشكل كنزاً استراتيجياً لإسرائيل، وفق أمنيين.
وجاء تصريح شطاينتس عبر بيان مقتضب، بعد لقائه المبعوث الأميركي ديفيد ساترفيلد في تل أبيب، حيث بحث الجانبان مختلف القضايا الإقليمية، وفي مقدمها كيفية التوصل إلى تهدئة في المنطقة، عبر حل الخلافات المتعلقة بآبار الغاز. وبحسب شطاينتس، فقد وافقت إسرائيل على المطلب الأميركي بإجراء محادثات تكون واشنطن المشرفة فيها، وذلك لقناعتها بأن التفاهمات حول هذا الملف يمكن أن تعود بالمصلحة للبنان وإسرائيل على السواء، بينما اعتبر البعض أنه يندرج ضمن ما ترسمه الولايات المتحدة، في إطار صفقة القرن.
وستجري المحادثات بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي برعاية الأمم المتحدة ومتابعة أميركية في مقر اليونيفيل في الناقورة، بحسب وزارة الطاقة الإسرائيلية.
الموافقة الإسرائيلية على المضي في "التفاهمات" تأتي أيضاً وفق المحللين، في إطار حماية آبار الغاز المختلف عليها بين لبنان وإسرائيل، والتي تشكل مصدراً مالياً لإسرائيل، عبر استخراج الغاز. ولكنها في الوقت نفسه كلفتها ملايين الدولارات بعدما تحولت إلى هدف استراتيجي للطرف الآخر ما بعد الحدود، أي حزب الله وإيران، وهو أمر استدعى سلاح البحرية إلى إبقاء المنطقة على أهبة الاستعداد، وتزويد معدات البحرية بآليات متطورة ودقيقة، تكون قادرة على مواجهة أية صواريخ أو اعتداءات موجهة إليه، بحسب الإسرائيليين.
لبنان وقبرص
من جهته، كان الخبير ميخائيل هراري اعتبر أن توثيق العلاقات بين لبنان وقبرص سيعود بالمصلحة لإسرائيل، وقال "يُسجل هذه الأيام تطور مهم في شرق حوض البحر المتوسط، بعد لقاء لبناني - قبرصي، اتُفق في خلاله على تسريع الاتصالات بينهما في مجالات الطاقة، بالتالي استكمال مفاوضات مكثفة بين الدولتين. اتفاق من هذا القبيل، لتطوير حقول مشتركة، يرتب السلوك بالنسبة لحقوق الغاز والنفط المشتركة الواقعة على جانبي الحدود البحرية الاقتصادية للدولتين".
أما من ناحية إسرائيل، فيقول هراري "هذه أنباء طيبة، نهج لبناني بنّاء، يهدف إلى التقدم في مجال الطاقة، هو نهج سليم. مع تقدم لبنان في الخطط والاتفاقات مع دول مجاورة في المنطقة، بما في ذلك الانضمام إلى "لعبة الثلاثيات"، سيتعين عليه أن يتخذ خطاً براغماتياً أكثر حيال إسرائيل. منتدى الغاز الإقليمي، الذي انطلق في يناير (كانون الثاني) 2019 في القاهرة، والذي دعي إليه لبنان، يمكن أن يشكل إطاراً يشجع التعاون الإقليمي، وإن لم يكن بالضرورة المباشر والثنائي. قدر لا يؤدي هذا إلى التسوية الرسمية للخلاف بين إسرائيل ولبنان، بالنسبة للحدود البحرية، ولكن يمكن الافتراض أنه على الأقل، ستتحقق تفاهمات غير مباشرة وسرية. لقد سبق أن جرى الحديث في أبريل (نيسان)، عن إمكان أن تساعد اليونان وقبرص في التوسط بين إسرائيل ولبنان، إلى جانب الولايات.
العمل ضد إسرائيل
كذلك شدد خبراء أمنيون على أهمية التوصل إلى تفاهمات مع لبنان، باعتبار أن خلافات كهذه، يمكن أن تدفع منظمات مقربة من إيران، وعلى رأسها حزب الله، إلى العمل ضد إسرائيل إذا ما توافق الأمر والمصالح الإيرانية.
لكن بحسب ما يتناقله إسرائيليون، فإن الأزمة في هذا الجانب بدأت في العام 2000 بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، حين رفضت الحكومة اللبنانية التعاون، ما اضطر إسرائيل إلى إجراء مفاوضات مع الأمم المتحدة كي تحدد الخط الجغرافي الذي ينبغي الانسحاب إليه، كي توثّق أمام المجتمع الدولي خروج قواتها من لبنان بشكل كامل. وبعد أن تحقق التوافق على مكان تلك الحدود الدولية، من جبل الشيخ شرقاً وحتى رأس الناقورة غرباً، طرحت مسألة الحدود البعيدة.
وبحسب تقارير إسرائيلية، فقد اختارت إسرائيل طريقة يرسم بموجبها خط الشاطئ لإسرائيل ولبنان، وعندها من نقطة الحدود لرأس الناقورة يُرسم خط أفقي 90 درجة مع خط الشاطئ. ولما كان خط الشاطئ منحنياً، فإن الخط الساقط يميل بالاتجاه الشمالي الغربي.
من جهته، أصر لبنان، بحسب مسؤولين أمنيين إسرائيليين، على اعتماد طريقة أخرى، تفرض أن يكون خط الحدود البحرية استمراراً للحدود البرية، من رأس الناقورة غرباً. لكن الأمم المتحدة رفضت الانشغال بذلك، فنشأت "منطقة بحرية موضع خلاف".
ويدور الحديث أيضاً عن مساحة في شكل مثلث، يتسع كلما اتجهنا غرباً. هذا الخلاف، بحسب مسؤول إسرائيلي، أصبح مصدر توتر من اللحظة التي بدأت تكتشف فيها حقول غاز في البحر.