في مكاسب كانت متوقعة قبيل إجراء انتخابات البرلمان الأوروبي، حققت الأحزاب القومية والشعبوية مكاسب كبيرة في مقابل منافسيها من أحزاب الوسط التقليدية، مما يسلّط الضوء على احتمالات تزايد حدّة الصراع حول الاتجاه المستقبلي للكتلة الأوروبية، بشأن المزيد من التكامل بين الدول الأوروبية أو التراجع.
في فرنسا تصدّرت قائمة التجمع الوطني، الحزب اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، نتائج الانتخابات الأوروبية، متقدمة بـ0.9 نقطة على قائمة "النهضة" المدعومة من الرئيس إيمانويل ماكرون، بحصولها على 23.31% مقابل 22.41%، حسب النتائج النهائية الصادرة الاثنين عن وزارة الداخلية.
وستحصل كل من القائمتين على 23 مقعدا في البرلمان الأوروبي بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وفي عدد الأصوات، حصلت قائمة اليمين الفرنسي المتطرف، برئاسة جوردان بارديلا، على 5.281.576 صوتاً، أي بزيادة 205.213 صوتاً أكثر من قائمة "الجمهورية إلى الأمام" المتحالفة مع مودم (الوسط) بقيادة ناتالي لوازو.
وفازت قائمة "الجمهوريون" اليمينية بنسبة 8.48% من الأصوات مع 8 مقاعد، متقدمة على "فرنسا المتمردة" اليسارية المتطرفة، التي حصلت على 6.31% و6 مقاعد. وحصلت القائمة الاشتراكية على 6.19% و6 مقاعد. ومع انتظار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيشغل التجمع الوطني 22 مقعداً و"تحالف النهضة" 21 مقعداً. وستقل مقاعد باقي القوائم كذلك بمقعد واحد، ما عدا "الجمهوريون" و"فرنسا المتمردة".
ماكرون يواجه تحديا صعبا
ويبدو أن النتائج ستشكل تحديا قويا لماكرون في مسعاه لولاية ثانية. ففي تعليقه على النتائج، استبعد الرئيس الفرنسي تغيير التوجه في سياسته على الرغم من أنّ رئيس الوزراء نادى بسياسة "أكثر إنسانية". وعقب ظهور التقديرات الأولى للنتائج مساء الأحد، تحدث محيط الرئيس الفرنسي عن أنّه يعتزم "تعزيز الجزء الثاني من ولايته"، ولن يعمد إلى "تغيير التوجه".
ويواجه الرئيس الفرنسي وحكومته تمرداً اجتماعياً ضدّ السياسة المالية والاجتماعية منذ منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، عبر حراك يواصل التعبير عن نفسه من خلال تظاهرات، بأعداد أقل، كل يوم سبت. وفي تصريحات لـ"أ.ف.ب."، قال مصدر من محيط الرئيس الفرنسي إنّ "التوجهات التي جرى الإعلان عنها عقب الحوار الكبير ستتواصل، والهدف أن يتمكن الفرنسيون من الشعور بالتغيير".
من جانبها، رأت مارين لوبان، رئيسة التجمّع الوطني، أنّ النتائج تمثّل "خذلاناً ديموقراطياً" للرئيس الفرنسي الذي يتوجب عليه، وفقاً لها، "استخلاص النتائج". وقالت إنّه وضع "رصيده الرئاسي في هذا الاقتراع عبر جعله استفتاء على سياسته وحتى على شخصه". وأضافت أنّه "لا يملك خياراً آخر، بالنسبة لي، سوى حل الجمعية الوطنية في الأقل".
وعلّق رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب، بأنّه فهم "هذه الرسالة القوية، تلقيناها 5 على 5، مثلما تلقينا رسالة الطوارئ البيئية". وأضاف "ينبغي علينا اتّباع طريقة جديدة لنساعد بشكل أكبر المناطق الداخلية ليكون الجانب الإنساني حاضراً أكثر في سياستنا"، وتابع "هذا هو رهان الجزء الثاني من (الولاية الرئاسية)، إذا ثمة الكثير من العمل".
رابطة الشمال تصبح القوة الأولى في إيطاليا
وفي إيطاليا، حقّق حزب الرابطة المناهض للهجرة، بزعامة وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، فوزاً تاريخيّاً في الانتخابات الأوروبية، بحصوله على ما بين 27 و31% من الأصوات، حسب استطلاعات الخروج من مراكز الاقتراع، ما يجعل اليمين المتطرّف، المناهض للهجرة، القوّة الأولى في البلاد.
ونشر سالفيني صورةً له على تويتر حاملاً لافتة كتب عليها "الحزب الأوّل في إيطاليا"، بينما يقف أمام مكتبة ظهرت على رفوفها أيقونة دينيّة وقبعة بيسبول أميركية كُتب عليها "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد". وقال زعيم الرابطة في مجلس الشيوخ، ريكاردو موليناري، إنّ حزبه "يتحوّل على الأرجح إلى الحزب الأوّل في إيطاليا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكنّ حركة "خمس نجوم"، التي تُشارك الرابطة في الائتلاف الحكومي، تلقّت هزيمةً على يَد الحزب الديمقراطي العائد بقوّة إلى السّاحة والذي حقّق المركز الثاني بنسبة تتراوح ما بين 21 و25%. وحصدت حركة "خمس نجوم"، بزعامة لويجي دي مايو، بين 18.5 و22.5 % من الأصوات، فيما حلّ حزب "فورزا إيطاليا"، بزعامة رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلسكوني، ثامنا مع 12%.
وعلى الرّغم من أنّ البعض توقّعوا أن يُحقّق حزب الرابطة المناهض للهجرة نتائج أعلى، إلا أنّ الفوز أكّد صعود نجم الحزب منذ تشكيل الحكومة في يونيو (حزيران) العام الماضي. واعتبر محللون أنّ تحقيق الرابطة نتيجة قوية بأكثر من 30% قد يغري سالفيني بالتخلي عن حركة "خمس نجوم" لصالح حزب "إخوان إيطاليا" اليميني المتطرف (الذي فاز بما بين 5 و7 من الأصوات الأحد)، أو إنشاء تحالف جديد مع حزب يمين الوسط "فورزا إيطاليا" الشريك التاريخي للرابطة.
لكن موليناري قال "لا نعتزم استخدام هذه النتيجة لوضع الحكومة في أزمة"، زاعماً أنّه مع حركة "خمس نجوم" فإنّ الائتلاف الحاكم يملك أكثر من 50% من الأصوات. وأضاف "نتائجنا تُعطينا مزيداً من القوّة لوضع قضايانا في المقدّمة".
تشكيل مجموعة قوية
ومع تقدم مناهضي التجربة الوحدوية الأوروبية في كثير من البلدان الأوروبية، سارع حزب لوبان إلى المطالبة بـ"تشكيل مجموعة قوية" داخل البرلمان الأوروبي. ففي النمسا حلّ الحزب المحافظ، برئاسة المستشار سيباستيان كورتز، في الطليعة، متقدما على الاشتراكيين الديموقراطيين وحزب الحرية اليميني المتطرف، حسب استطلاعات الرأي التي نشرت لدى إقفال صناديق الاقتراع.
وفي المجر، حقق الحزب السيادي، برئاسة رئيس الحكومة اليمينى، فيكتور اوربان، انتصارا ساحقا جامعا نحو 56% من الأصوات، ومتقدما بأكثر من 45 نقطة على المعارضة من يسار الوسط واليمين المتطرف، حسب استطلاعات الرأي أيضا.
تزايد شعبية حماة البيئة
وجاءت الانتخابات الأوروبية بمفاجأة، إذ أظهرت النتائج النهائية تزايد تأييد حماة البيئة الذين حلّوا في المرتبة الثالثة في فرنسا بنسبة 13.47% و13 مقعداً. وفي ألمانيا أيضا حقق أنصار البيئة تقدما، حيث أفادت استطلاعات الرأي بأن "الخضر" سيحتلون المرتبة الثانية وراء معسكر المستشارة أنغيلا ميركل، الذي يسجل أسوأ نتيجة له مقارنة بالانتخابات السابقة.
وقالت الألمانية سكا كيلير، رئيسة لائحة أنصار البيئة، في البرلمان الأوروبي، بعد إعلان نتائج استطلاعات الرأي "لقد حققنا انتصارا كبيرا".
ارتفاع نسب المشاركة
وحتى لو أن نسب المشاركة تبقى ضعيفة مقارنة بالانتخابات الوطنية، فإنها سجلت ارتفاعا في أكثر من نصف بلدان الاتحاد الأوروبي.
فقد ارتفعت نسبة الاقتراع في كل من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا على سبيل المثال. وبلغت نسبة المشاركة في التصويت في فرنسا 50.12%، أي بزيادة ما يقرب من ثماني نقاط عن عام 2014.
ودعي 427 مليون ناخب أوروبي إلى التصويت لانتخاب 751 نائبا في البرلمان الأوروبي لولاية مدتها خمس سنوات، يلعبون خلالها دورا حاسما في صوغ القوانين الأوروبية.
وكانت الانتخابات البرلمانية أجريت ما بين الخميس والسبت في سبعة بلدان بينها المملكة المتحدة التي نظمت الانتخابات بسرعة بعد إرجاء بريكست إلى 31 أكتوبر (تشرين الأول). ويُفترض أن تنتهي ولاية النواب البريطانيين في البرلمان الأوروبي عند خروج بلادهم من الاتحاد، على أن يتمّ إلغاء مقاعدهم أو توزيعها على دول أخرى.
وكانت مجموعة "أوروبا الأمم والحريات" التي تضم الأحزاب اليمينية المتطرفة الأساسية، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني الفرنسي وحزب الرابطة الإيطالي، نالت في الانتخابات البرلمانية الأوروبية السابقة 37 مقعدا، إلا أنه من غير المستبعد أن تتمكن حاليا من مضاعفة هذا الرقم. ومن غير المستبعد أيضا أن ينضم حزب "فيديس"، برئاسة أوربان، إلى هذه المجموعة بعد أن علقت عضويته حاليا في مجموعة المسيحيين الديمقراطيين في الحزب الشعبي الأوروبي. ويمكن أن يبقى الحزب الشعبي الأوروبي والاشتراكيون الديمقراطيون أكبر حزبين في البرلمان.