إذا كان عام 2020 حمل وصف "عام الوباء" بسبب ظهور وانتشار فيروس كورونا، فإن عام 2021 يمكن وصفه بأنه "عام الطاقة"، لما شهده من تقلبات سوقها وأسعارها، وتأثير ذلك على حياة الناس في أنحاء العالم.
إن معظم نشاطات البشر التي تحتاج إلى الطاقة بأشكالها المختلفة تأثرت بتقلبات سوقها بشدة خلال العام، يضاف إلى ذلك أن عام 2021 شهد اهتماماً عالمياً بقضايا البيئة والمناخ وزيادة التحذيرات من أضرار التغيرات المناخية، وكان في القلب من كل تلك الحملات الجدل حول مصادر الطاقة المسببة لانبعاثات الكربون كالفحم والنفط والغاز والطاقة المتجددة من مصادر طبيعية قليلة أو عديمة الانبعاثات الكربونية التي تسهم في الاحتباس الحراري للغلاف الجوي حول كوكب الأرض.
كل ذلك جعل أخبار الطاقة لا تغيب عن العناوين الرئيسة في معظم دول العالم ليوم واحد خلال العام كله تقريباً، من ارتفاع أسعار النفط تدريجاً منذ بداية العام نتيجة تحسن الطلب إلى التعافي الاقتصادي وعودة القطاعات التي توقفت خلال عام الوباء للنشاط، إلى ارتفاع أسعار الغاز، بالتالي أسعار الكهرباء بالجملة، وحتى ارتفاع أسعار وقود السيارات في محطات البنزين حول العالم.
وقرب نهاية العام، وبينما بريطانيا تستضيف القمة العالمية للمناخ "كوب 26" في "غلاسكو" في اسكتلندا، كانت أسعار الغاز الطبيعي تضاعفت أربع مرات تقريباً عن بداية العام، وبدأت بعض الدول تشغل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بعدما كانت تخطط لإخراجها من الخدمة للحد من الانبعاثات الكربونية. ومع ارتفاع أسعار الوقود في محطات البنزين، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن نظراءه في الدول الصناعية الكبرى من اليابان إلى بريطانيا مروراً بالصين إلى الإفراج عن كميات من النفط من المخزونات في محاولة لزيادة المعروض في السوق لخفض الأسعار.
سوق النفط و"أوبك+"
منذ نهاية العام الماضي، ونتيجة زيادة الطلب على النفط، ارتفعت أسعار خام برنت القياسي فوق 55 دولاراً للبرميل، في الأسبوع الأول من العام، اتفقت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاؤها من المنتجين من خارجها ضمن تحالف "أوبك+" على زيادة تدريجية في الإنتاج بما يقارب نصف برميل يومياً بدءاً من شهر مارس (آذار). كان تحالف "أوبك+" اتخذ قراراً استثنائياً في ربيع العام السابق مع عز أزمة وباء كورونا وانهيار الطلب العالمي على الطاقة بخفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً لضبط توازن سوق النفط.
وعلى الرغم من قرار الزيادة التدريجية والحفاظ على توازن معادلة العرض والطلب بتوافق بين المنتجين الرئيسين في التحالف، السعودية وروسيا، ظلت الأسعار ترتفع تدريجاً، ولكن في نطاق معقول. وبنهاية أكتوبر (تشرين الأول)، وصل سعر خام برنت إلى 85 دولاراً للبرميل قبل أن يتراجع إلى ما دون 70 دولاراً بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) وبداية ديسمبر (كانون الأول)، وذلك مع القلق الذي ساد العالم ومخاوف الإغلاق الجزئي للاقتصاد نتيجة ظهور "أوميكورن" فيروس كورونا. وحسب موقع "تريدينغ إيكونوميكس" بلغ متوسط الزيادة في أسعار النفط الخام في عام 2021 حتى الأسبوع الأول من ديسمبر نسبة 43.7 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يفلح الإفراج عن ملايين البراميل من مخزون النفط الاستراتيجي في الولايات المتحدة وغيرها في التأثير في السوق، وعلى الرغم من أن "أوبك" في اجتماعها مطلع الشهر الأخير من العام أبقت على معدل الزيادة التدريجية في الإنتاج، إلا أن الأسعار لم تتأثر كثيراً بقدر تأثرها بعدم اليقين في شأن رد الفعل العالمي على الموجة الجديدة من وباء كورونا.
وأرجع المحللون في أسواق الطاقة استمرار قوة أسعار النفط إلى الزيادة الكبيرة في أسعار الغاز الطبيعي، التي وصلت في أشهر الصيف إلى ما بين 3 و4 أضعاف في أوروبا ما فاقم من أزمة توليد الكهرباء، كما أن الإنتاج المتوقع للطاقة من مصادر متجددة لم يستطع أن يفي بالزيادة في الطلب على الكهرباء.
الطاقة والبيئة
تلك الأزمة التي شهدها العالم بسبب ارتفاع أسعار الطاقة أدت إلى عودة محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم في الصين وألمانيا وبريطانيا وغيرها، وانتعشت عائدات أستراليا، أكبر مصدر للفحم في العالم، ذلك على الرغم من أن الفحم تصدر عنه أعلى انبعاثات من ثاني أوكسيد الكربون وتفوق كثيراً الانبعاثات من حرق النفط أو الغاز.
لذلك، وصلت الزيادة في أسعار الفحم في المتوسط لعام 2021 حتى الأسبوع الأول من ديسمبر ما يقارب 120 في المئة، واعتبر ذلك نيلاً واضحاً من سبل تحقيق أهداف الأمم المتحدة لمكافحة التغير المناخي التي كانت البند الرئيس على جدول أعمال قمة المناخ في "غلاسكو"، بخاصة تبني الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس الديمقراطي جو بايدن لقضية المناخ.
والحقيقة أن سياسات الإدارة الأميركية كان لها أثر غير مباشر على أسواق الطاقة بخططها للتحول السريع للطاقة المتجددة وفرضها القيود على الاستثمارات في قطاع الطاقة من مصادر تقليدية كالنفط والغاز. وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن تراجع الاستثمارات في قطاع النفط والغاز في عام الوباء كان له تأثير واضح في عام التعافي من الوباء. وقدرت الوكالة أن العالم بحاجة إلى نحو تريليوني دولار من الاستثمارات في قطاع الطاقة لضمان تلبية الطلب العالمي المتزايد.
الطاقة المتجددة
ذلك في الوقت الذي يريد البيت الأبيض، وغيره حول العالم، الاستثمار أكثر في الطاقة المتجددة على حساب مصادر الطاقة التقليدية، لكن في أوروبا، تعلم كثيرون درسا مهماً وقاسياً في فصل الصيف، حين أدى توقف توربينات توليد الطاقة من الرياح نتيجة التغيرات الجوية إلى نقص شديد في توريد الطاقة للشبكات، فضلاً عن أن الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة تحتاج إلى رؤوس أموال هائلة، تتوفر غالباً من عائدات إنتاج مصادر الطاقة التقليدية.
لذلك شهد عام 2021 تغييرات واسعة في شركات الطاقة الكبرى حول العالم، حيث بدأت في وضع استراتيجيات تتضمن تعزيز نشاطها في مجال الطاقة المتجددة، وتخشى الشركات من مواجهة تشريعات وقيود تشغيلية على نشاطاتها في مجال إنتاج النفط والغاز في سياق تنفيذ الحكومات لتعهداتها المتعلقة بمكافحة التغيرات المناخية.
ومع استمرار تحالف "أوبك+" في الحفاظ على توازن سوق النفط، وعودة إنتاج الغاز الطبيعي العالمي لمستوياته قبل عام الوباء، يتوقع أن يشهد عام 2022 استقراراً نسبياً في أسواق الطاقة. ويبقى ذلك مرهوناً إلى حد كبير باستمرار منحنى النمو في الاقتصاد العالمي، بالتالي استمرار الطلب على النفط والغاز في مستويات معقولة وغير متقلبة بشدة، هذا ما لم تحدث أي تطورات مفاجئة واستثنائية في جانب العرض، بخاصة للنفط والغاز المتوقع أن يظلا الدينامو الأساس لدوران الاقتصاد العالمي لسنوات مقبلة.