كشفت معلومات جديدة حصلت عليها صحيفة "اندبندنت" أن المرضى الذين يُحتضرون لا يحصلون على رعاية في منازلهم بسبب الانهيار الحاصل في قطاع الخدمات التمريضية المجتمعية [وقوامها تقديم خدمات صحية ووقائية وتدخل سريع في الدوائر الأهلية].
ويقول ربع الممرِّضين المجتمعيِّين العاملين في المناطق في إنجلترا إنهم يضطرون حالياً إلى إرجاء زياراتهم للمرضى في نهاية عمرهم بسبب زيادة الطلب عليهم والنقص الحاصل في طاقم العمل، مع العلم أن هذه النسبة ارتفعت 2 في المئة فقط في عام 2015.
ويعني الوضع الراهن أنه سيتوجب على بعض المرضى الانتظار للحصول على الرعاية الضرورية وأدوية تسكين الآلام للحفاظ على راحتهم.
ومن بين حالات الرعاية التي يتم تأجيلها، مرضى يعانون من قرحة الفراش (أو قرحة الضغط pressure ulcers) وجروح تحتاج للمعالجة والمرضى الذين يحتاجون لاستبدال أنابيب القساطر المسدودة (blocked catheters ).
وفي تحقيق طاول الخدمات التمريضية، تبين أن أكثر من نصف الممرضين المجتمعيين لم يعد بمقدورهم إجراء تقييم للمرضى وتقديم الرعاية النفسية لهم.
وفي هذا السياق، تقول البروفسورة أليسون ليري وهي مديرة المرصد الدوليّ للتمريض المجتمعيّ إن الدراسة التي أجرتها تظهر أن البلاد "تسير باتجاه كارثة" من دون أن تحرك ساكناً للحؤول دونها.
وأضافت أن الوضع أصبح مأساوياً لدرجة أن الممرضين والممرضات يتركون وظائفهم بسبب ما تطلق عليه تسمية "الضائقة الأخلاقية" التي يعانون منها بسبب عدم قدرتهم على تقديم الرعاية التي يجب عليهم توفيرها للمرضى.
وتتابع قائلةً: "تشارف قوى هؤلاء الأشخاص على النفاد. إذ يشير الممرضون المجتمعيون إلى اضطرارهم لتأجيل العمل أكثر ممّا كانوا يفعلون منذ سنتين. يقولون لنا إن أعباء العمل أصبحت مرهقة للغاية. ونتكلم هنا عن الرعاية التي لا يحظى الأشخاص بالوقت للقيام بها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي هذه المعلومات في وقت يتم الاعتماد بشكل متزايد على الممرضين المجتمعيين من قبل أقسام أخرى من خدمة الصحة الوطنية لإبقاء المرضى خارج المستشفى. ويحصل هذا الأمر بالتزامن مع ازدياد بنسبة 36 في المئة في أعداد المرضى الذين يموتون في منازلهم خلال الجائحة وعشرات آلاف الناجين من فيروس كورونا الذين يتم إخراجهم من المستشفى ويحتاجون لرعاية طويلة الأمد.
وتراجعت أعداد الممرضين المجتمعيين العاملين في إنجلترا إلى النصف خلال العقد الأخير. وفي حين أن إنجلترا تدرب حوالي 700 ممرض وممرضة سنوياً، اعتبرت "كيو أن آي" Queen’s Nursing Institute وهي جمعيّة خيريّة تدعم التمريض المجتمعيّ، أنه من الضرورة مضاعفة هذا العدد ليبلغ 1400 ممرض على الأقل سنوياً.
وفي دراسة للنشاط التمريضي شملت 26 منطقة في أنحاء إنجلترا بالإضافة إلى بيانات مستقاة من أكثر من 922 ممرضاً وممرضة مجتمعيين، وجدت البروفسورة ليري أن المشهد يزداد سوءاً وسواداً بشكل ملحوظ. ففي عام 2019، قال 60 في المئة من الممرضين المجتمعيين إنهم لا يؤجلون زياراتهم للمرضى. وفي عام 2021، كشف أقل من خمسة في المئة أنهم لم يؤجلوا أبداً زياراتهم للمرضى. فيما قال ما مجموعه 15 في المئة أنه تحتم عليهم دائماً تأجيل الزيارات واعتبر 30 في المئة أن هذا الأمر كان اعتيادياً في غالبية الأيام.
وأشار 9 من أصل 10 ممرضين مجتمعيين إلى أنهم يعملون لساعات إضافية غير مدفوعة الأجر مع اضطرار أكثر من الثلث على العمل حتى ثلاث ساعات إضافية في الأسبوع. وفي تطور متصل، قال 30 في المئة إنهم يعملون بين 4 و6 ساعات غير مدفوعة الأجر، فيما أشار أكثر من 15 في المئة إلى أنهم يعملون بين 7 و10 ساعات إضافية غير مدفوعة الأجر أسبوعياً.
وفي سياق متصل، صرحت ليري التي ترأس قسم تصميم الرعاية الصحية واليد العاملة في جامعة لندن ساوث بنك (LSBU) لصحيفة "اندبندنت" أن "المخاطر كارثية. في حال لم يتم تقييم حاجات المرضى، ما من طريقة أخرى لتلبيتها. فقد تدنت أعداد الممرضين بشكل ملحوظ في وقت زادت التعقيدات في العمل وارتفع الطلب على خدماتهم".
وأشارت إلى أن الرعاية المقدمة من الممرضين المجتمعيين كانت بين الأكثر تخصصاً ومهارة على الإطلاق وأضافت قائلةً: "لا فارق بين الرعاية الشديدة في المجتمع [المنزل] والرعاية المشددة في المستشفى، ولكن الممرضين المجتمعيين ليست لديهم القدرة على الرفض وهم يحلون مكان أقسام أخرى لإتمام العمل".
وفي حديث لـ"اندبندنت"، قالت إحدى الممرضات المجتمعيات من شمال شرقي إنجلترا والتي عملت في المجتمع لأكثر من خمسة أعوام إنها عانت من الأرق بسبب الرعاية التي عجزت عن تقديمها لبعض الحالات. وتابعت قائلةً: "الأمر رهيب للغاية. ضغط العمل يزداد بوتيرة متسارعة وهنالك الكثير من المرضى، كما أن الممرضين المجتمعيين لا يحصلون على أي دعم. علينا الاستمرار بقول نعم [الموافقة وتلبية الطلب]".
وأضافت أن الفرق التمريضية تتلقى غالباً اتصالات طارئة في آخر النهار مع ساعتين للاستجابة فقط. "يتوجب علينا حينئذٍ تعليق كل المهام بما في ذلك الرعاية التلطيفية [المسكنة لآلام مرضى الأمراض المستعصية وغيرها]. لا نملك القدرة على التلبية وعندما ترد كل هذه الاتصالات الساعة الرابعة من بعد الظهر، يتحتم علينا إرجاء بعض الحالات مما يترك بعض الأشخاص من دون رعاية".
وأشارت الممرضة التي فضلت عدم الكشف عن اسمها خوفاً على فقدان وظيفتها إلى أن فريقها يعاني حالياً من خمس وظائف شاغرة مع استعداد شخصين إضافيين لترك العمل أيضاً.
وقالت إنها غالباً ما تشعر بالأرق في الليل وهي تفكر في المرضى الذين لم تتمكن من تفقدهم. "حتى أن ابنتي التفتت إلي أخيراً وقالت "أنا أكره وظيفتك. لا تكونين أبداً في المنزل ولا نقوم بأي شيء معاً لأنك تعملين دائماً". كان سماع ذلك موجعاً للغاية".
وفي غضون ذلك، تقوم جمعية "كيو أن آي" الخيرية التي تُعدّ أقدم جمعية للتمريض في العالم وتُعنى بالممرضين المجتمعيين، بالدفع قدماً لوضع خطة مناسبة للقوى العاملة بهدف معالجة أزمة الرعاية كما تقوم بالتشاور في ما يتعلق بمعايير جديدة للقوى العاملة.
وصرحت رئيستها التنفيذية كريستال أولدمان لصحيفة "اندبندنت" بأن وضع الخدمات "يعاني من مخاطر مرتفعة للغاية"، مضيفةً: "ندرك أن هذه المشكلات تحدث وأننا لا نقوم بمعالجتها. لا أفهم سبب عدم إيلائنا المزيد من الاهتمام بهذه المسألة وعدم استخلاصنا الدروس وتعلمنا من المناطق الأخرى التي تقوم بهذا على نحوٍ صحيح. من الضروري إرساء خطة واضحة ومفصلة للقوى العاملة في التمريض المجتمعي".
وأضافت أن المشكلات في إرجاء الرعاية الصحية تعني وجود خطر على صحة المرضى، وأن "ذلك ينطوي على مخاطر مرتفعة لوقوع الضرر في حال قمنا بتأجيل الرعاية المطلوبة".
وأردفت قائلةً إن الطاقم التمريضي منهك ويشعر بنفاد قواه. "نرى أشخاصاً يقومون بهذه الوظيفة بوتيرة لا هوادة فيها على مدى أعوام طويلة وهم الآن منهكو القوى وعلى شفير الانهيار ويقولون لنا إنه لم يعد بوسعهم مواصلة العمل الذي تدربوا عليه".
© The Independent