يُحيط الغموض بآخر شركات مصر في قطاع الحديد والصلب، إذ تشير التكهنات والتوقعات إلى أن الحكومة المصرية تدرس إغلاق شركة "الدلتا" للصلب، المملوكة للدولة، بعد أقل من ستة أشهر من تصفية شركة الحديد والصلب المصرية العريقة في مايو (أيار) من العام الحالي، لعدم قدرتها على منافسة شركات القطاع الخاص.
آخر قلاع مصر في صناعة الحديد والصلب
"الدلتا" للصلب، هي آخر قلاع القاهرة في قطاع صناعة الحديد والصلب، بعد أن شيدت نحو أربع شركات في هذا القطاع بين حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ثم بدأت تدريجياً في التخلي عن شركاتها، إذ بدأت في تصفية شركة "الأهلية للصلب"، المملوكة للدولة في عام 1998، قبل أن توقف نشاط الحديد الصلب داخل شركة "النحاس" المصرية، وأخيراً أعلنت عن تصفية شركة الحديد والصلب في منتصف العام الحالي.
تدشين "الدلتا" للصلب عام 1947
بدأت "الدلتا" مسيرتها في عام 1947 كقسم داخل شركة أخرى يضم أفراناً كهربائية صغيرة الحجم تستخدم في صهر آلاف الأطنان من الخردة من مخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية (غرب القاهرة)، قبل أن ينفصل هذا القسم ليصبح مشروعاً قائماً بذاته تحت اسم شركة "مصانع الدلتا للصلب" في منتصف الستينيات، ويصل عدد العمال في "الدلتا" للصلب إلى نحو 720 عاملاً، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى نحو 1000 عامل بعد انتهاء عمليات تطوير الأفران بالشركة.
محاولات الإنقاذ
من جانبه، قال وزير قطاع الأعمال المصري، هشام توفيق، إن هناك محاولات مع وزارة التجارة والصناعة لمنح ترخيص جديد لشركة "الدلتا" يسمح لها بزيادة الطاقة الإنتاجية من "البليت" (حديد البليت مادة خام تدخل كمنتجات وسيطة في صناعة حديد التسليح أو في صناعة الحديد والصلب والصناعات الثقيلة)، إلى نحو 50 ألف طن سنوياً، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أن أزمة الشركة تتعلق بتجديد الترخيص الخاص بإنتاج "البليت"، إذ إن "الدلتا" كانت تحصل على تجديد تلقائي سنوياً حتى عام 2018 قبل أن تصدر هيئة التنمية الصناعية تراخيص مؤقتة، مؤكداً أنه رفع الأمر إلى وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع شخصياً لحل الأزمة.
مجلس النواب يتدخل
وتدخل مجلس النواب على خط الأزمة، وعقدت لجنة القوى العاملة بالمجلس اجتماعاً مع مسؤولي شركة "الدلتا" للصلب لبحث الأزمة. وقال وكيل اللجنة، إن هناك تعنتاً من قبل هيئة التنمية الصناعية تجاه الشركة، مستدركاً أن الشركة بدأت تجني أرباحاً خلال النصف الأول من العام الحالي للمرة الأولى منذ 10 سنوات، موضحاً أن الشركة لم تشهد أعمال تطوير منذ 40 عاماً تقريباً، ما تسبب في خسائر بلغت 250 مليون جنيه (نحو 16 مليون دولار أميركي) طوال تلك الفترة، لافتاً إلى أنه منذ عام 2019 بدأت أعمال التطوير بالشركة لمضاعفة الطاقة الإنتاجية إلى نحو 250 ألف طن سنوياً لتعود إلى تحقيق الأرباح من جديد، إذ حققت أرباحاً خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي وصلت إلى 24 مليون جنيه (1.5 مليون دولار).
مذكرة تفصيلية من العمال إلى مجلس الوزراء
قدمت اللجنة النقابية للعاملين بـ"الدلتا" للصلب مذكرة تفصيلية إلى جهات رسمية عدة، منها مجلس الوزراء المصري، ووزارة قطاع الأعمال العام، والشركة القابضة للصناعات المعدنية، ووفقاً للمذكرة، استنكر العاملون بالشركة تعنت هيئة التنمية الصناعية لتجديد رخصة تشغيل الشركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضمنت المذكرة، التي نشرت في إحدى الصحف المحلية، الأضرار التي سيتسبب فيها عدم تجديد الترخيص، على مستقبل الشركة والعاملين، خصوصاً أنها آخر ما تملكه وزارة قطاع الأعمال في صناعة الصلب بعد تصفية شركة الحديد والصلب بحلوان.
مملوكة للدولة بنسبة 100 في المئة
وجاء بالمذكرة أن الشركة تملكها الدولة بنسبة 100 في المئة، وتحمل أقدم رخصة لإنتاج الصهر "البليت" في مصر، والصادرة في عام 1952، وكان يتم تجديد الرخصة حتى عام 2018، وتوقف عقب هذا التاريخ على الرغم من تقديم كل المستندات بأحقية الشركة في تجديد رخصة التشغيل. وتابعت المذكرة أن هيئة التنمية الصناعية اشترطت على إدارة الشركة ضرورة توقف مشروع الأفران الجديدة عن العمل أولاً حتى يتم الحصول على السجل الصناعي المؤقت، وهو الأمر الذي يثير الدهشة، بخاصة أن فاتورة تطوير الشركة أخيراً بلغت 800 مليون جنيه (51 مليون دولار). أضافت المذكرة أنه على الرغم من توصيات هيئة فض المنازعات بمنح الشركة رخصة مؤقتة لحين إصدار رخصة دائمة، واعتماد مجلس الوزراء هذه التوصية بتاريخ 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي برقم 161، فإن التعنت هو سيد الموقف، ولم يتم إصدار أي من هاتين الرخصتين.
1.9 مليون دولار أرباحاً بعد التطوير
وقال العضو المنتدب لـ"الدلتا" للصلب، محمود الفقي، إن شركته حققت ربحاً للمرة الأولى منذ 10 سنوات متوقعاً وصول الأرباح إلى مستوى 30 مليون جنيه (1.9 مليون دولار) بعد انتهاء أعمال التطوير بالكامل، مضيفاً في تصريحات صحافية أن الأرباح المستهدفة بالموازنة الجديدة تصل إلى 80 مليون جنيه (خمسة ملايين دولار)، وتم خلال الفترة الماضية زيادة الحوافز الخاصة بالعمال.
المصير الغامض لـ"الدلتا"، وفقاً لتكهنات المسؤولين والمتخصصين، عززته هيئة التنمية الصناعية، التابعة لوزارة التجارة والصناعة، عندما أعلنت، مطلع الشهر الحالي، عن طرح كراسة الشروط والضوابط الخاصة لتراخيص جديدة لستة مشروعات لإنتاج حديد "البليت" والحديد الإسفنجي أو التوسع في القائم منها على المستوى المحلي، تمهيداً للحصول على رخصة الإنتاج في الوقت الذي ترفض فيه منح رخصة جديدة لـ"الدلتا" للصلب.
خطط التطوير بدأت في 2019
في عام 2019، بدأت وزارة قطاع الأعمال العام في عمليات تطوير "الدلتا" للصلب مستهدفة زيادة الطاقة الإنتاجية 10 أضعاف، وتأهيل وتطوير الأفران بطاقة إنتاجية 500 ألف طن من "البليت" سنوياً صعوداً من 50 ألف طن سنوياً هي إجمالي الطاقة التصميمية الأصلية، بما يسهم في تلبية احتياجات السوق والقدرة على منافسة شركات القطاع الخاص.