في عام 2019، كانت المؤشرات تؤكد أن الاقتصاد العالمي قد يتجه للتعافي في 2020، لكن بنهاية العام ظهرت جائحة كورونا لتقلب الموازين وتتحول المؤشرات إلى حالة من اليقين بأن الاقتصاد العالمي سيدخل بالفعل في أزمة. وحتى الآن، لم يخرج الاقتصاد العالمي من "عنق الزجاجة"، وتشير البيانات والمعطيات القائمة إلى أن العالم لم يخرج بعد من أزمة كورونا، وأن التعافي الـ "هش" الذي شهده الاقتصاد العالمي خلال عام 2021، ربما يتلاشى إلى حين القضاء على الوباء وتجاوز الأزمة.
بخلاف المعطيات والمؤشرات الاقتصادية، وقبل أيام، تنبأ عالم الفلك الشهير ميشيل دي نوسترادام، الشهير بـ "نوستراداموس" بما سيحدث في عام 2022، إذ يعد العالم الفرنسي الذي ولد عام 1503، من أشهر من تنبأوا في العالم وتحققت نبوءاتهم حتى بعد وفاته بمئات السنين، العراف الفرنسي توقع أن يتعرض كوكب الأرض إلى ضرر كبير في عام 2022 بسبب النيازك، وربما يعني هذا أيضاً اصطدام كويكب عملاق بالأرض، والمؤكد أن الكرة الأرضية ستواجه خطراً كبيراً، إذ تنتظر وكالة "ناسا" وصول المركبة الفضائية "دارت" لمسارها التصادمي مع كويكب يهدد البشرية، ومن المنتظر أن تصل المركبة الفضائية إلى مسارها في بداية العام المقبل في مهمة لإنقاذ العالم.
وتنبأ نوستراداموس بأن عام 2022 سيشهد تضخماً ملحوظاً وربما يخرج عن نطاق السيطرة، ويؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار الأميركي، كما توقع أن تدخل فرنسا في أزمة بسبب عاصفة كبيرة ستؤدي إلى فيضانات وحرائق وجفاف في أجزاء أخرى من العالم، وتوقع العراف الفرنسي أن الذكاء الاصطناعي والكمبيوتر يحكمان البشرية، وأن تسيطر الآلات على كل شيء.
تباطؤ معدلات التعافي من أزمات 2020
وعلى الرغم من أن الدراسات وشركات الاستشارات لم تقدم ما يطمئن بخصوص الاقتصاد العالمي في 2022، لكن بالفعل، فإن المعطيات القائمة تؤكد زيادة حدة الأزمات التي تواجه الاقتصاد العالمي، إذ يواصل فيروس كورونا حصد أرواح البشر مع ظهور سلالات ومتحورات جديدة، كما أصبح التضخم أكثر رعباً، وزادت معدلات البطالة بسبب تداعيات الوباء، كما تفاقمت مشاكل الديون بسبب توسع الحكومات في خطط التحفيز والإنفاق العام.
أيضاً، واصلت أزمة الطاقة تفاقمها لتندفع الدول الكبرى نحو الاحتياطات الاستراتيجية من النفط، ومع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة، فقد زادت حدة مشكلات أزمات الشحن الذي ارتفعت تكلفته بنسب خيالية، وأخيراً، كل ذلك أثر وسيؤثر في سلاسل التوريد والإمدادات لندخل العام الجديد بحزمة من الأزمات التي تحتاج إلى قرارات وتعاون عاجل من قبل الحكومات للخروج بأقل قدر من الخسائر من عام 2022.
ويرى المحلل الاقتصادي المدير التنفيذي لشركة "في إي ماركتس"، أحمد معطي، أن المؤشرات تؤكد اتجاه الاقتصاد العالمي إلى التعافي من مخاطر كورونا خلال العام الحالي، لكن هذا لا يعني انتهاء مخاطر الجائحة، إذ يواجه الاقتصاد العالمي مشكلات عدة حتى الآن أبرزها تباطؤ معدلات التعافي، وأشار إلى أن الحديث عن التعافي من مخاطر كورونا يعني العودة إلى مؤشرات النمو الاقتصادي خلال فترة ما قبل ظهور الجائحة، ففي الولايات المتحدة الأميركية كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي قبل كورونا عند مستوى 4.9 في المئة، لكنه نزل إلى مستوى سالب 0.9 في المئة. وفي الصين، كان معدل نمو الناتج الإجمالي في حدود خمسة في المئة لكنه نزل بعد ظهور كورونا إلى سالب 0.8 في المئة، وفي دول الاتحاد الأوروبي، انخفض معدل النمو إلى سالب 14.5 في المئة مقابل نحو 3.7 في المئة في الوقت الحالي، وهو ما يحدث في غالبية الدول المتقدمة.
وأرجع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى عدم استيعاب الاقتصاد العالمي للأزمة حتى الآن، بخاصة مع ظهور متحورات جديدة كل فترة تعيد الاقتصاد إلى المربع "صفر" بخاصة مع عودة بعض الدول الكبرى إلى الإغلاق من جديد، وهو ما يدفع إلى التحول والعودة إلى المؤشرات السلبية، وذكر أنه في حال تطور الأزمة الصحية من جديد فإن الاقتصاد العالمي سيتحرك في شكل "W"، ما يعني التحول من مؤشرات نمو مرتفعة إلى معدلات سالبة، ثم تطورت خلال العام الحالي إلى الارتفاع، ومع المتحور الجديد، فمن المتوقع أن تهوي المؤشرات من جديد، وهو عكس ما يحدث في حال التحرك في شكل "V".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح معطي أن هناك مشكلات أخرى تواجه الاقتصاد العالمي، مثلما يحدث في سوق النفط من ارتفاعات الأسعار واتجاه عدد من الدول الكبرى إلى الاستعانة بالاحتياطي الاستراتيجي من النفط، أيضاً، فإن أزمة تغير المناخ ما زالت قائمة حتى الآن، يضاف إلى ذلك أزمة سلاسل الإمدادات وارتفاع تكلفة الشحن، وأيضاً أزمة نقص العمالة التي أصبحت تهدد أكبر الاقتصاديات، وأخيراً أزمة التضخم التي بدأت بالفعل في السوق الأميركية التي شهدت أكبر موجة تضخم في أكثر من 30 عاماً، ولفت إلى أن كل هذه الأزمات تسببت في أن يواجه العالم أزمة ديون كبيرة.
10 مخاطر تواجه الاقتصاد العالمي
وقبل أيام، سلطت مجموعة من الخبراء من شركة الاستشارات البريطانية "إيكونوميست إنتليجنس يونيت"، الضوء على المخاطر الـ 10 الكبرى التي يمكن أن تؤثر في النمو الاقتصادي، وتشير الدراسة إلى أنها مخاطر سياسية وعسكرية واقتصادية وبيئية، مع وجود احتمالية أكبر أو أقل في الحدوث، لكنها كامنة ويمكن أن تطل برأسها في حال تهيأت الظروف، وتوقعت الدراسة أن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين سيفرض انفصالاً تاماً في الاقتصاد العالمي، وقد يؤدي التشديد النقدي السريع وغير المتوقع إلى انهيار سوق الأسهم الأميركية، وقالت إن الركود العقاري في الصين سوف يتسبب في تباطؤ اقتصادي حاد، ورجحت أن تشديد الأوضاع المالية المحلية والعالمية سيعرقل الانتعاش في الأسواق الناشئة.
وتوقعت ظهور أنواع جديدة من فيروس كورونا أثبتت قدرتها على مقاومة اللقاحات، وقد يؤثر انتشار الاضطرابات الاجتماعية على الانتعاش العالمي. ورجحت أن اندلاع الصراع بين الصين وتايوان سيجبر الولايات المتحدة على التدخل، وذكرت أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين ساءت بشكل ملحوظ، وحذرت الدراسة من الجفاف الشديد الذي ربما يتسبب في انتشار المجاعة، وقالت إن الحرب الإلكترونية بين الدول سوف تشلّ البنية التحتية العامة في الاقتصادات الكبرى.
وأشارت الدراسة، إلى أن هذه المخاطر أكثر خطورة من تلك التي قاموا بتحليلها في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، ليس فقط لأن التهديدات أكثر حدة، ولكن لأنها تحدث في سياق اقتصادي يتميز بآثار وباء كورونا. وذكرت أن البلدان التي لم تقدم التطعيمات الكافية، هي الأكثر تعرضاً للضغوط التضخمية، كما ستواجه صعوبات إضافية في بدء تشغيل المحرك الاقتصادي.
الديون تتفاقم بشكل مرعب
في ما يتعلق بأزمة الديون، قال البنك الدولي في تقرير حديث، إن عبء ديون الدول المنخفضة الدخل ارتفع بنسبة 12 في المئة إلى مستوى قياسي عند 860 مليار دولار خلال عام 2020 مع اتخاذ تلك الدول إجراءات مالية ونقدية ضخمة للتصدي لأزمة كورونا. وأظهر التقرير زيادة كبيرة في مواطن الضعف المتعلقة بالديون التي تواجه الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، ودعا إلى خطوات عاجلة لمساعدتها على الوصول إلى مستويات للدين أكثر استدامة.
أضاف، "نحتاج إلى مقاربة شاملة لمشكلة الديون، بما يشمل خفض الدين وإعادة هيكلة أسرع وتحسين الشفافية، من الحيوي أن تكون هناك مستويات مستدامة للديون من أجل التعافي الاقتصادي وخفض الفقر". وأظهر التقرير أن مجمل الديون الخارجية للدول المنخفضة والمتوسطة الدخل ارتفع بنسبة 5.3 في المئة في 2020 إلى 8.7 تريليون دولار، بما يشمل دولاً في كل المناطق، وأوضح أن الزيادة في الدين الخارجي فاقت إجمالي الدخل القومي ونمو الصادرات، إذ ارتفعت نسبة الدين الخارجي إلى إجمالي الدخل القومي، مع استبعاد الصين، خمس نقاط مئوية إلى 42 في المئة في 2020، في حين قفزت نسبة الدين إلى الصادرات إلى 154 في المئة في 2020 من 126 في المئة خلال عام 2019.
وأظهر التقرير أن صافي التدفقات من الدائنين متعددي الأطراف إلى الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل زاد إلى 117 مليار دولار في 2020، وهو أعلى مستوى في 10 سنوات، وذكر أن صافي الإقراض إلى الدول المنخفضة الدخل ارتفع 25 في المئة إلى 71 مليار دولار، وهو أيضاً أعلى مستوى في 10 سنوات، وأن صندوق النقد الدولي والدائنين الآخرين المتعددي الأطراف قدموا 42 مليار دولار و10 مليارات دولارات على الترتيب.
صدمة كبيرة لكل الاقتصادات
ويقول محمود شكري المدير التنفيذي لمجموعة "إي أم سي" للاستثمار، أنه لا شك أن الاقتصاد العالمي بدأ يتعافى بالفعل من أزمه كورونا منذ أواخر العام الماضي، حيث تسببت الجائحة الصحية في أن يواجه الاقتصاد العالمي أزمات ضخمة خلال العام الماضي، وذكر أن التطورات السريعة التي شهدتها الجائحة ووصولها ذروة الانتشار خلال الربع الأول من العام الماضي، تسببت في صدمة كبيرة لكل الاقتصادات، ما دفع كل الحكومات إلى التحرك سريعاً لاحتواء هذه الأزمات. ولذلك، بدأت خطط التحفيز تتوالى، وكلما اشتدت الأزمة الصحية تبعتها أزمات مالية واقتصادية عصفت بأكبر اقتصاد في العالم، وهو ما شهدناه بالفعل خلال العام الماضي، حيث تهاوت المؤشرات الاقتصادية سواء على الصعيد العالمي، أو على صعيد الدول المتقدمة والأسواق الناشئة.
وقال إن خطط التحفيز الضخمة التي تم الإعلان عنها في 2020 وضخ كميات هائلة من الأموال في الاقتصاد بهدف دعم القطاعات الأكثر تضرراً كانت لها تداعيات سلبية، ظهرت خلال عام 2021. وعلى الرغم من بدء تعافي الاقتصاد العالمي في 2021، لكن كمّ السيولة الضخم الذي أعلنت عنه الحكومات خلال العام الماضي، تسبب في دخول العالم في أزمة تضخم عنيفة، ثم حالة من الركود، سواء كان ذلك نتيجة تعويض القطاعات لخسائرها من كورونا، أو لزيادة حجم النقد في الأسواق مع الزيادة الطبيعية في حجم الطلب بناء على زيادة النقد.
لكن الاختلاف في الوقت الحالي، أن هناك قطاعات كثيرة شهدت تضخماً كبيراً، في وقت شهدت قطاعات أخرى ركوداً عنيفاً، ولا شك أن بعض القطاعات في دول العالم تواجه في الوقت الحالي ركوداً تضخمياً، وعلى الرغم من انحسار الطلب، فقد قفزت أسعار السلع والخدمات عالمياً، وربما تستمر هذه الموجة من زيادات الأسعار حتى الربع الأول من عام 2022.
كيف نخرج من الكبوة؟
وذكر أنه لخروج الاقتصاد العالمي من هذه الكبوة، فإنه يجب اتباع سياسات مختلطة ما بين السياسة النقدية والمالية، حتى يتوازن العرض والطلب مرة أخرى، ويحدث التوازن المطلوب في الاقتصاد العالمي.
وبخصوص التجارة العالمية، فما شهده العالم من أزمة مالية وتوقف حركة الطيران، جعل التجارة الإلكترونية مجالاً أكبر وفرصاً ضخمة في التوسع واستقطاب رؤوس أموال أكبر، وكان لها نصيب الأسد من النمو على الرغم من الأزمة التي تواجهها حركة التجارة العالمية، وأشار إلى أن الأزمات التي ظهرت بسبب كورونا، كانت بمثابة جرس إنذار لإعادة ترتيب الأوراق لرؤوس الأموال ووجهات الاستثمار، والقطاعات التي ستشهد تطوراً ونمواً سريعاً في العام المقبل، أيضاً، فإن التغيرات التي طرأت على أسعار النفط وظهور أزمة طاقة في أوروبا وأكبر أسواق العالم، يدفع إلى ضرورة البحث عن مصادر بديلة للطاقة حتى لا يعود الاقتصاد العالمي إلى المربع "صفر" ويواجه مشكلات جديدة.