ينتهي الأربعاء 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، فصل طويل من تاريخ ألمانيا المعاصر مع انتخاب مجلس النواب (البوندستاغ)، الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز مستشاراً للبلاد، لرئاسة حكومة تكافؤ غير مسبوقة وطي صفحة حكم أنغيلا ميركل.
وبذلك تكون ميركل، وهي أول امرأة تدير ألمانيا، أمضت في السلطة 5860 يوماً، إلا أنها ستغادر قبل تسعة أيام من تمكنها من كسر الرقم القياسي الذي سجله هيلموت كول في الحكم، الذي كانت تعتبره قدوة لها.
وستسلم المستشارة المحافظة مقاليد الحكم في أول قوة اقتصادية أوروبية الأربعاء، إلى أولاف شولتز الذي كان في آنٍ معاً خصمها السياسي، لكن أيضاً نائبها في المستشارية ووزير المال في حكومتها.
بعد أكثر من شهرين من فوزه في الانتخابات التشريعية في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، سينتخب (البوندستاغ) شولتز على رأس ائتلاف غير مسبوق شُكّل بأسرع مما كان متوقعاً، ويضم ثلاثة مكونات هم "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" و"حزب الخضر" و"الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي".
مرحلة أخيرة
وتم تخطي مرحلة أخيرة الإثنين 6 ديسمبر، مع إعطاء دعاة حماية البيئة الضوء الأخضر بنسبة 86 في المئة، للمشاركة في التحالف. وكان الاشتراكيون الديمقراطيون والليبراليون صادقوا على عقد الحكومة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وستسلم ميركل الأربعاء بعد عملية التصويت، مقاليد الحكم إلى يسار الوسط للمرة الأولى منذ كان غيرهارد شرودر مستشاراً للبلاد.
وللمرة الأولى، ستتولى حكومة تكافؤ السلطة مع تعيين نساء في مناصب وزارية رئيسة كالشؤون الخارجية أو الداخلية أو الدفاع.
وقال شولتز الاثنين، "أنا فخور خصوصاً بتولي نساء وزارات لم يكن من المعتاد" أن يشغلنها نساء.
غير أن شولتز الذي يقدم نفسه على أنه وريث ميركل، وتصفه مجلة "دي تسايت" الأسبوعية بأنه "أكثر صرامة" من ميركل، يعتزم إعطاء زخم جديد.
انطلاقة جديدة
وقال شولتز لمجلة "دي تسايت"، "أريد أن تشهد سنوات 2020 انطلاقة جديدة" مؤكداً أنه يريد العمل على "أكبر تجديد صناعي" في تاريخ ألمانيا المعاصر يكون "قادراً على وقف التغير المناخي الذي سببه الإنسان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعد حكومته أيضاً بانتهاج سياسة شديدة الموالاة للاتحاد الأوروبي تهدف إلى "زيادة السيادة الاستراتيجية للاتحاد" والدفاع بشكل أفضل عن "المصالح الأوروبية المشتركة".
على خط مواز، تعتزم وزيرة الخارجية الألمانية المقبلة، أنالينا بيربوك، انتهاج خط أكثر تشدداً حيال الأنظمة الاستبدادية على غرار الصين وروسيا. لكن سينبغي على الحكومة المقبلة أن تركز فور تشكلها على أكبر تحد لها، وهو إدارة الموجة الجديدة من تفشي وباء كورونا التي تشهدها ألمانيا.
ويعتزم شولتز الذي يتمتع بخبرة كبيرة لكنه يفتقر إلى الكاريزما، جعل مجلس النواب يصوت على إلزامية تلقي اللقاح التي يُفترض أن تصبح نافذةً في شهر فبراير (شباط) أو مارس (آذار) من العام المقبل.
ويحظى هذا التدبير الذي فرضته النمسا المجاورة، بدعم ثلثي الألمان تقريباً إلا أنه قد يصطدم بمعارضة قسم كبير من السكان خصوصاً في ألمانيا الشرقية السابقة.
قيود كورونا
في هذا الوقت، اتفق شولتز وميركل والمناطق الـ16 الألمانية على فرض قيود جديدة تستهدف حصراً غير الملقحين، فمُنع هؤلاء من الدخول إلى الأماكن الثقافية والمطاعم والمتاجر غير الأساسية الأخرى.
وسيتعامل شولتز، رئيس بلدية هامبورغ سابقاً الذي سيتوجه في أول زيارة له إلى الخارج إلى فرنسا على غرار أسلافه، مع وضع اقتصادي غير مؤات في ظل نمو أدنى من التوقعات ونسبة تضخم ترتفع مجدداً.
ويتحتم على المستشار العتيد وحكومته المؤلفة بشكل أساسي من وزراء لا يتمتعون بخبرة واسعة، أن يعالج مجموعة مواضيع أخرى لا تحظى بالضرورة بتأييد الألمان.
بحسب استطلاع للرأي أجرته قناة "إيه آر دي" الرسمية، فإن الزيادة المرتقبة للحد الأدنى للأجور والتخلص من استخدام الفحم وتطوير مصادر الطاقة المتجددة هي مواضيع تحظى بتأييد غالبية الألمان.
في المقابل، لا تؤيد سوى أقلية من الألمان وعوداً أخرى للائتلاف الحكومي الثلاثي، هي بيع القنب من دون وصفة طبية وشراء الجيش الألماني طائرات مسيرة وتخفيض سن التصويت إلى 16 سنة.
وفي ما يخص المناخ، يبدو هدف الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، غير قابل للتحقيق في الوقت الحالي، على الرغم من "البرنامج الأكثر طموحاً الذي قدمته حكومة على الإطلاق"، بحسب دراسة أجراها تحالف المناخ الألماني.