ملخص
تدخل الحرب في أوكرانيا ما يصفه بعض المسؤولين الروس والغربيين بأنه قد يكون المرحلة الأكثر خطورة بعدما حققت قوات موسكو جانباً من أكبر المكاسب في ما يتعلق بالسيطرة على الأراضي، وبعدما سمحت الولايات المتحدة لكييف بالرد باستخدام صواريخ أميركية.
أعلنت روسيا اليوم الثلاثاء أنها تعرضت خلال الأيام الأخيرة لضربتين أوكرانيتين نُفذتا بصواريخ "أتاكمس" الأميركية، السلاح الذي توعدت موسكو برد شديد في حال استخدمته كييف.
وأفادت وزارة الدفاع الروسية بأن القوات الأوكرانية قصفت في الـ 23 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري منشآت في منطقة كورسك الروسية الحدودية القريبة من بلدة لوتارفكا على مسافة 37 كيلومتراً شمال غربي مدينة كورسك، واستهدفت أمس مطار كورسك - فوستوشني.
واعترفت الوزارة في خطوة نادرة بأن صواريخ عدة "أصابت أهدافها"، مبلغة عن إصابة جنديين روسيين بجروح وتدمير رادار جراء هذه الضربات.
وأكدت الوزارة أن الدفاعات الجوية الروسية أسقطت ثلاثة صواريخ "أتاكمس" من أصل خمسة أُطلقت خلال هجوم الـ 23 من نوفمبر الجاري، كما أسقطت سبعة مقذوفات من أصل ثمانية أُطلقت خلال هجوم أمس.
وقالت الوزارة الروسية "إن فحص المواقع التي تعرضت للهجوم جعل من الممكن تأكيد أن القوات المسلحة الأوكرانية استخدمت الصواريخ العملياتية التكتيكية أتاكمس الأميركية الصنع"، وأعلنت أنها تُعد رداً على هذه الهجمات التي تعتبرها روسيا تجاوزاً للخط الأحمر.
ونُفذ أول هجوم أوكراني باستخدام صواريخ "أتاكمس" في الـ 19 من نوفمبر الجاري، وفي الـ 21 من الشهر ذاته أطلقت القوات الأوكرانية صواريخ "ستورم شادو" البريطانية الصنع على روسيا.
وردت موسكو بإطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى تفوق سرعته سرعة الصوت في الـ 21 من نوفمبر على مصنع أسلحة في مدينة دنيبرو وسط أوكرانيا، وقد صُمم هذا الصاروخ التجريبي المسمى "أوريشنيك" وغير المعروف من قبل لحمل رؤوس نووية، إلا أنه أُطلق من دون رأس نووي خلال هذا الهجوم.
ورداً على الضربات الأوكرانية على الأراضي الروسية باستخدام صواريخ غربية، توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تكرار هذا النوع من الضربات مهدداً باستهداف الدول الغربية التي تساعد كييف.
أكبر هجوم بالمسيرات
قال مسؤولون أوكرانيون اليوم الثلاثاء إن القوات الروسية شنت أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيرة على أوكرانيا الليلة الماضية، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن جزء كبير في مدينة تيرنوبيل غرب البلاد، وإلحاق أضرار بمبان سكنية في منطقة كييف.
وتتزامن الهجمات الكبيرة بالطائرات المسيرة الليلة الماضية مع إحراز روسيا تقدماً كبيراً على طول الخطوط الأمامية شرق أوكرانيا، حيث حققت بعضاً من أكبر المكاسب الإقليمية الشهرية منذ عام 2022.
وقالت القوات الجوية الأوكرانية إنه تم إسقاط 76 من إجمال 188 طائرة مسيرة أطلقتها روسيا الليلة الماضية، فيما فُقد أثر 96 بسبب التشويش الإلكتروني على الأرجح، مضيفة أن خمس طائرات مسيرة توجهت نحو بيلاروس.
وأضافت، "أطلق العدو عدداً غير مسبوق من الطائرات المسيرة الهجومية من طراز 'شاهد' وطائرات مسيرة أخرى مجهولة الهوية"، وتابعت القوات الجوية في بيان، "للأسف أصابت الهجمات منشآت بنية تحتية حيوية وتضررت بنايات وشقق في مناطق عدة بسبب الهجوم الضخم بالطائرات المسيرة"، مشيرة إلى أنه لم ترد تقارير عن وقوع إصابات.
وقال حاكم تيرنوبيل فياتشيسلاف نيهودا عبر التلفزيون الوطني إن الهجوم ألحق أضراراً بشبكة الكهرباء في المدينة الكبيرة الواقعة غرب أوكرانيا، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربي عن 70 في المئة من المدينة.
وتقع تيرنوبيل على بعد نحو 220 كيلومتراً شرق بولندا، العضو في حلف شمال الأطلسي، وكان يبلغ عدد سكانها نحو ربع مليون نسمة قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2022.
وذكر نيهودا أن "العواقب وخيمة لأن المنشآت تضررت بصورة كبيرة وسيكون لهذا تأثير في إمدادات الطاقة داخل المنطقة بأكملها لفترة طويلة".
وقال رئيس مقر الدفاع في تيرنوبيل سيرهي نادال عبر تطبيق "تيليغرام" إن الهجوم تسبب في قطع إمدادات المياه وتعطيل أنظمة التدفئة، مضيفاً أن الحافلات الكهربائية التي تخدم المدينة ستستبدل بحافلات عادية، في حين ستُستخدم مولدات كهربائية لتعويض انقطاع التيار الكهربي في المدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية.
ووفقاً لبيانات صادرة عن القوات الجوية الأوكرانية فقد كانت المدينة ومعظم أوكرانيا في حال تأهب طوال ساعات الليلة الماضية تحسباً لأية هجمات جوية روسية.
في المقابل قالت وزارة الدفاع الروسية إن أنظمة الدفاع الجوي دمرت 39 طائرة مسيرة أوكرانية الليلة الماضية فوق سبع مناطق، وأضافت الوزارة عبر قناتها على تطبيق "تيليغرام" إن 24 من تلك الطائرات دُمرت فوق منطقة روستوف جنوب روسيا.
مجموعة السبع تنتقد روسيا
دولياً قال وزراء خارجية مجموعة السبع في بيان مشترك اليوم إن إطلاق روسيا الأسبوع الماضي صاروخاً فرط صوتي على أوكرانيا هو دليل على "سلوكها المتهور والتصعيدي"، ودانوا "بأشد العبارات الخطاب النووي غير المسؤول والتهديدي لروسيا، وكذلك موقفها القائم على الترهيب الإستراتيجي"، مشيرين إلى أن "دعمهم وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها واستقلالها سيبقى ثابتاً".
واستخدمت روسيا على الأراضي الأوكرانية صاروخاً باليستياً متوسط المدى يصل إلى 5500 كيلومتر، صمم ليحمل رأساً نووياً، كما دانت كييف إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات.
جاء ذلك في أعقاب ضربتين نفذتهما أوكرانيا على الأراضي الروسية بصواريخ "أتاكمس" الأميركية وصواريخ "ستورم شادو" البريطانية، وهي أسلحة يصل مداها إلى 300 كيلومتر، وبعد رفضه المتكرر أذن الرئيس الأميركي جو بايدن بتنفيذ هذه الضربات على الأراضي الروسية بأسلحة أميركية، على رغم تحذيرات موسكو التي لوحت بالتهديد النووي.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس الماضي إن الصراع في أوكرانيا يحمل الآن كل مقومات الحرب العالمية، محذراً من أنه لا يستبعد ضرب الدول الغربية، ومضيفاً "نعتبر أن من حقنا استخدام أسلحتنا ضد المنشآت العسكرية للدول التي تسمح باستخدام أسلحتها ضد منشآتنا".
اجتماع لحلف شمال الأطلسي
وفي هذا الوقت يعقد حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا اليوم الثلاثاء اجتماعاً في بروكسل على مستوى السفراء بعد إطلاق صاروخ باليستي جديد متوسط المدى فرط صوتي على الأراضي الأوكرانية، مما تسبب في توتر متزايد بين أعضاء الحلف وموسكو.
وأشار مسؤول في الحلف إلى أن الاجتماع سيكون فرصة للبحث في "الوضع الراهن في أوكرانيا، وسيتضمن إحاطات من المسؤولين الأوكرانيين عبر الفيديو".
وأبدى سفراء الحلف حذراً في شأن النتائج المنشودة من هذا الاجتماع، ويتوقع أن يؤكد السفراء مجدداً أن السلاح الروسي الجديد لن يحول دون "الاستمرار في دعم أوكرانيا"، بحسب ما أفاد أحدهم.
"ممارسات تنم عن إبادة"
واتهمت كييف موسكو بـ "ممارسات تنم عن إبادة" عبر استخدام الألغام المضادة للأفراد في أوكرانيا، وفق ما أفاد ممثل لوزارة الدفاع الأوكرانية خلال قمة دولية في سيام ريب في كمبوديا.
وقال أولكسندر ريابتسيف إن موسكو نشرت "هذه العبوات الناسفة في مدن ومزارع ومحطات نقل عام"، مؤكداً أنها تهدد مناطق يقيم فيها نحو 6 ملايين أوكراني.
وكانت كييف أعلنت في وقت سابق اليوم أنها ستتخلى عن التزاماتها في إطار "اتفاق أوتاوا" بتدمير ما بقي من مخزونها البالغ حوالى 6 ملايين لغم مضاد للأفراد ورثتها من الحقبة السوفياتية.
وفي هذا الإطار قال ممثل آخر لوزارة الدفاع الأوكرانية، وهو يفيني كيفشيك، خلال المؤتمر ذاته، "للأسف ليس من الممكن تنفيذ هذا الالتزام في الوقت الحالي"، مضيفاً أن "العدوان الضخم وغير المبرر من قبل الاتحاد الروسي على أوكرانيا أدى إلى إدخال تعديلات على خطط تدمير المخزون".
ولم يشر كيفشيك في خطابه إلى العرض الأميركي بتزويد كييف بألغام مضادة للأفراد، والذي كان المقصود منه وفقاً لواشنطن إبطاء تقدم قوات موسكو في شرق أوكرانيا.
ولم يحدد حجم المخزون الأوكراني غير أنه أشار إلى أنه من بين 6 ملايين لغم أرضي موجود منذ حقبة الاتحاد السوفياتي دُمر أكثر من 2.5 مليون لغم بالكامل.
أسرع وتيرة شهرية
ووسط هذه الأجواء يقول محللون ومدونو حرب إن القوات الروسية تتقدم في أوكرانيا بأسرع وتيرة منذ الأيام الأولى للهجوم عام 2022، حيث سيطرت على منطقة كبيرة خلال الشهر الماضي.
وتدخل الحرب في أوكرانيا ما يصفه بعض المسؤولين الروس والغربيين بأنه المرحلة الأكثر خطورة، بعدما حققت قوات موسكو جانباً من أكبر المكاسب في ما يتعلق بالسيطرة على الأراضي، وبعدما سمحت الولايات المتحدة لكييف بالرد باستخدام صواريخ أميركية.
وذكرت مجموعة "أغنتستفو" الإخبارية الروسية المستقلة في تقرير أن "روسيا سجلت أرقاماً قياسية أسبوعية وشهرية جديدة من حيث مساحة الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا"، موضحة أن القوات الروسية سيطرت على نحو 235 كيلومتراً مربعاً في أوكرانيا خلال الأسبوع الماضي، وهي مساحة قياسية أسبوعية لعام 2024.
600 كيلومتر مربع
وأضافت أن القوات الروسية سيطرت على 600 كيلومتر مربع في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، نقلاً عن بيانات من مجموعة "ديب ستيت" التي تربطها صلات وثيقة بالجيش الأوكراني، وتدرس صوراً ملتقطة للقتال وتوفر خرائط للخطوط الأمامية.
ووفقاً لخرائط مفتوحة المصدر فقد بدأت روسيا في التقدم بصورة أسرع شرق أوكرانيا منذ يوليو (تموز) الماضي، بمجرد أن تمكنت القوات الأوكرانية من الاستيلاء على جزء من منطقة كورسك غرب روسيا، ومنذ ذلك الحين تسارع التقدم الروسي.
وقال محللون في معهد دراسة الحرب الذي يتخذ من واشنطن مقراً في تقرير، إن "القوات الروسية تتقدم خلال الآونة الأخيرة بمعدل أسرع بكثير مما سجلته عام 2023 بأكمله".