تحوّلت زيارة أحمد قسوم مع عائلته إلى أقارب لهم في شمال غربي سوريا إلى مأساة، بعد أن أصيب كل أفراد العائلة بجروح وصدمة جراء ضربة أميركية استهدفت قيادياً مرتبطاً بتنظيم "القاعدة"، إذ صُودف مرور سيارتهم في المكان تزامناً مع الغارة.
يقول أحمد (52 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية من منزل عائلة زوجته في قرية الرامي بمنطقة جبل الزاوية بجنوب إدلب، بينما يده مضمدة، "صادفنا دراجة نارية سارت أمامنا، وعندما حاولت تجاوزها، لم أشعر إلا بضربة طائرة طاولتنا" يوم الجمعة الماضي.
بركة دماء
خلال لحظات بعد الضربة، تحولت السيارة إلى "بركة دماء". ويضيف، "أصيبت زوجتي بكسور في رجلها، وأصيبت ابنتاي، ويقبع طفلي في العناية المشددة. لم أعرف من عليَّ أن أسعف أولاً".
وتسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) مع فصائل أخرى على قرابة نصف مساحة محافظة إدلب ومحيطها.
وتستهدف واشنطن بين الحين والآخر قياديين متطرفين في المنطقة مرتبطين بتنظيم "القاعدة". وأدّت غارة شنّتها طائرة مسيّرة، الجمعة، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، إلى مقتل "قيادي بارز" في تنظيم "حراس الدين" المتشدد، المرتبط بتنظيم "القاعدة".
وقال جون كيربي، متحدث البنتاغون لصحافيين، الاثنين، إن "المراجعة الأولية للضربة تشير بالفعل إلى احتمال وقوع خسائر مدنية محتملة". وأعلن عن بدء تقييم للخسائر البشرية.
وكان أحمد برفقة زوجته وأربعة من أطفاله في طريق العودة إلى مكان إقامتهم في مدينة عفرين (شمال حلب)، التي نزحوا إليها قبل نحو عامين. وكانوا قد أمضوا أسبوعاً لدى أسرة زوجته، في زيارة كانت الأولى منذ تسعة أشهر.
ما ذنب المدنيين؟
ويسأل بانفعال، "ما ذنبنا حتى تقصفنا الطائرة الأميركية؟"، محملاً الولايات المتحدة المسؤولية، ومطالباً "بتعويض، وبمحاسبة من تسبب لنا في ذلك".
لا يفارق أحمد هاتفه الجوال، ويرد على عشرات الرسائل واتصالات الاطمئنان من الأقارب والمعارف، عدا عن زوار يتوجهون إلى المنزل أو المستشفى لمواساة العائلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتردد أحمد بانتظام على مستشفى تابع للجمعية السورية الأميركية الطبية في مدينة إدلب، حيث يخضع محمود (تسعة أعوام) للعلاج. يسأل الأطباء عن وضع صغيره، ويحمل له الهاتف خلال تواصله مع شقيقته المقيمة في تركيا، ثم يعرض عليه تناول كأس من العصير الطازج.
داخل غرفة العناية المشددة، يتمدد محمود على السرير وفوقه غطاء شتوي. تغزو نصف وجهه جروح سببتها الشظايا، بينما ضمادة مثبتة على رأسه في موقع التدخل الجراحي، وقدماه مضمدتان.
يطمئن والده عليه، ويقول، "لم أذق الطعام خلال ثلاثة أيام دخل فيها محمود في غيبوبة"، موضحاً بتأثر "محمود أغلى من روحي، ومدلل جداً. كل العائلة في كفة، وهو في كفة أخرى".
في العناية المشددة
ويشرح الطبيب أحمد البيوش، المشرف على علاج محمود، أن الأخير حضر وعائلته إلى المستشفى مصاباً "بأذية دماغية" أوجبت خضوعه لـ"عمل جراحي من قبل إخصائي الجراحة العصبية".
وأوضح أن "حالة الطفل باتت أفضل اليوم، والعلامات الحيوية مستقرة"، لكنه "ما زال ضمن وحدة العناية المشددة قيد المراقبة"، آملاً أن يغادر المستشفى "في أقرب وقت ممكن".
وتراوحت إصابات أفراد الأسرة الآخرين، وفق الطبيب بين خفيفة ومتوسطة وشديدة.
وتثير الضربات التي تنفذها الولايات المتحدة في سوريا والعراق المجاور بين الحين والآخر انتقادات واسعة، لتسببها في مقتل وإصابة مدنيين.
وأعلن البنتاغون في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) أنه فتح تحقيقاً في غارة جوية في 18 مارس (آذار) 2019 أسفرت عن مقتل مدنيين في بلدة الباغوز التي شكلت آخر معاقل تنظيم "داعش" في سوريا.
وجاء الإعلان عن التحقيق بعد أسبوعين من تحقيق صحافي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" اتهمت فيه الجيش الأميركي بأنه حاول التستر على وجود ضحايا غير مقاتلين في عداد قتلى الغارة.
ومنذ بدء عملياته في سوريا والعراق ضد التنظيم المتطرف صيف عام 2014، رجح التحالف الدولي بقيادة واشنطن في تقريره الشهري الأخير الصادر في أغسطس (آب) الماضي أن "ما لا يقل عن 1417 مدنياً قتلوا دون قصد نتيجة غارات التحالف منذ بدء عملياته في البلدين"، لكن منظمات دولية تقدر أن يكون الرقم أعلى بكثير.
وفي منزل عائلتها، تبدو معالم الإرهاق واضحة على فاطمة كركوع (47 عاماً)، زوجة أحمد، المستلقية على فراش داخل غرفة متواضعة، وبصعوبة تتمكن من التنفس والتحرك، وحتى الكلام، وعلى وجهها بقايا دماء متخثرة وغُرز جراحية، بينما تثبت أسلاك حديد قدمها الملفوفة بالجص.
ولم تستفق السيدة بعد من هول الصدمة التي لحقت بأسرتها، وكادت تحول إجازة عائلية إلى مأساة.
وتتساءل بغضب في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، "ما ذنبنا حتى تقصفنا الطائرة أنا وأولادي؟ صحيح أنه لم يمُت أحد، لكننا ضحايا دم، وخسرنا سيارتنا". وتضيف، "نحن مدنيون، وليس أمامنا إلا أن نشكو الأمر لرب العالمين".