بعد أربع سنوات ونصف السنة، أنهت إسرائيل بناء العائق الذكي حول قطاع غزة، وهو أكبر المشاريع الأمنية التي تبنتها وزارة الدفاع الإسرائيلية لمواجهة خطر الأنفاق الهجومية التابعة للفصائل الفلسطينية، ولمنع عمليات التسلل للأراضي الإسرائيلية.
وفي منتصف عام 2016، شرعت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بناء أطول جدار هندسي يفصلها بشكل تام عن غزة، بطول يصل إلى 65 كيلومتراً، ويحيط القطاع من ثلاث جهات جغرافية محاذية للحدود الإسرائيلية، بتكلفة مالية وصلت 1.1 مليار دولار أميركي.
أعقد مشاريع إسرائيل
وبحسب جغرافيا غزة، فإن حدودها الشرقية والشمالية (تشمل اليابسة والبحرية) تحاذي الأراضي الإسرائيلية، ويبلغ طولها نحو 60 كيلومتراً، لكن وزارة الدفاع أقامت العائق الذكي على مسافة أطول من امتداد تلك الحدود، وفي هذه الخطوة تكون انفصلت بشكل كامل عن أي اتصال جغرافي مع القطاع الذي تحاصره منذ 15 عاماً، ولا يربطها به سوى معبري كرم أبو سالم جنوباً، وإيرز شمالاً.
ويعد السور الهندسي أعقد المشاريع التي بُنيت على الإطلاق في إسرائيل، وأطلقت عليه تسميات عدة منها الجدار الأمني والعائق الذكي وسور النخبة. ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، إن مهمته الإنذار المبكر لأي تهديد أمني والدفاع عن التجمعات السكانية الإسرائيلية المحاذية لغزة، فضلاً عن تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي لتل أبيب.
يضيف أدرعي "العائق الذكي يعد جداراً تحت الأرض وفوقها، ومزود بوسائل تكنولوجية وأنظمة رادار وغرف مراصد إطلاق النار، إضافة إلى حاجز بحري، ونسعى من خلاله لفصل غزة عن سكان الجنوب وإيقاف عمليات التسلل من القطاع".
تفاصيل العائق الذكي
وينقسم العائق الذكي الذي هو عبارة عن جدار هندسي سطحي وجوفي إلى ثلاثة أقسام، الأول الجزء السفلي "جدار تحت الأرض" ويصل إلى عمق 30 متراً، ليستطيع اكتشاف الأنفاق الهجومية وتدميرها.
وبحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإنه تم ضخ نحو 1.2 مليون متر مكعب من الخرسانة المسلحة في الجزء السفلي من العائق الذكي، و140 ألف طن من الحديد، وجرى تزويده بأجهزة استشعار دقيقة يمكنها كشف أي حفريات تحت الأرض لعمق يزيد على 200 متر، وآلات مراقبة متطورة ترصد أي تحركات أو أصوات تبعد عنها لمسافة تصل 40 متراً.
أما الجزء الثاني، فهو الجدار العلوي من العائق الذكي ومصنوع من الفولاذ المجلفن، ويبلغ طوله نحو ستة أمتار، ويعلوه سلك من الفولاذ يحتوي على ماس كهربائي بارتفاع 3.5 متر، ومزود بغرف حرب، وبمعدات رؤية ليلية ونهارية ورادارات وكاميرات مراقبة، وفي وسطه فتحات يتمركز خلفها قناصة يحملون أسلحة متطورة، من فوقهم طائرات مسيرة، إضافة لمناطيد تجسس ومراقبة.
والثالث، الحاجز البحري علوه 200 متر ويتضمن وسائل لرصد أي اختراق من البحر ونظام أسلحة أتوماتيكية يتم التحكم فيها عن بعد، ومزود بأجهزة استشعار وأنظمة إنذار، ويحيط به كاسر للأمواج، ويستخدم كإجراء أمني أخير.
ووفقاً لوزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن كمية الخرسانة المستثمرة في العائق الذكي تكفي لشق طريق من إسرائيل إلى بلغاريا، في حين أن كمية الحديد والصلب تعادل طول مقطع فولاذي يصل من إسرائيل إلى أستراليا.
خطر الأنفاق الهجومية
في الواقع، شيدت تل أبيب العائق الذكي بعد اندلاع نحو 15 مواجهة عسكرية، وأقامته رداً على حفر الفصائل الفلسطينية في غزة أنفاقاً هجومية وصلت إلى عمق 200 متر في الأراضي الإسرائيلية، ونفذت بواسطتها عمليات عسكرية وكذلك استخدمتها في عمليات خطف جنود كان منهم هدار غولدن وأرون شاؤول.
وبحسب موقع حركة "حماس" الإلكتروني، فإنهم استخدموا "سلاح الأنفاق الهجومية 13 مرة خلال الفترة 2001 حتى 2014، واعتمدوا على تلك الوسيلة كسلاح استراتيجي وليس تكتيكاً في العدوان الإسرائيلي 2014".
ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، إن العائق الذكي سيحرم "حماس" من أنفاقها الهجومية، وهي "أقدم قدراتها التي حاولت تطويرها، ومن خلاله سنوفر سوراً دفاعياً لسكان الجنوب ليشعروا بالأمن ويواصلوا النمو".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر غانتس أن مهمته التالية وتركيزه الحالي ينصب في مواجهة قذائف "حماس" الصاروخية، وأشار إلى أنه يحاول منع ضخ الخبرات التكنولوجية إلى غزة، ويعمل على تعطيل وإحباط محاولة الحركة تفعيل أذرعها العسكرية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
والعائق الذكي لا يعد الجدار الأول الذي تشيده إسرائيل حول غزة، بل سبق لها أن أقامت جداراً من سلسلة كثبان رملية داخل القطاع، وهدفه منع كشف مواقع التدريب الإسرائيلية القريبة، إلى جانب جدار شجري للتمويه.
غير قانوني ويشدد الحصار
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن إسرائيل ستدمج العائق الذكي مع الحدود الذكية والقاتلة، والتي تشمل روبوتات متحركة مقسمة إلى سرية عسكرية للمواجهة وأخرى للاحتياط وواحدة للاعتراض وجميعها من دون عنصر بشري، تتعامل مباشرة مع حوامات ذكية تتلقى تعليمات من أنظمة المراقبة، وتستطيع تنفيذ هجمات ضد الأهداف، وتتصل بمركز قيادة الجيش الذي يتابع مجريات الأحداث على الحدود.
لكن الفصائل الفلسطينية في غزة، لم تكترث كثيراً للعائق الذكي واعتبرته وهماً. وفي وقت سابق نشرت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" عبر موقعها الإلكتروني، أن "الجدار الإسرائيلي لن يحد من قدرة المقاومة التي ستجد حلولاً لتجاوزه، وأن جميع تجارب إسرائيل بمواجهة الأنفاق نتيجتها صفر".
وقال الناطق باسم "حماس" عبد اللطيف القانوع، إن بناء الجدار غير قانوني ويشدد الحصار على غزة من فوق الأرض وتحتها، ويعد استفزازاً للفصائل وعلى إسرائيل تحمل النتائج المترتبة على ذلك.
وأشار إلى أن "الجدار لن يمنح إسرائيل الأمن، في حين أن المقاومة حق مكفول في القوانين والأعراف الدولية، وللفصائل حق في امتلاك ما تشاء من أسلحة لمواجهة عنف الجيش الذي ينصب على المدنيين".