توقّف الاستثمار الأجنبي في أسهم وسندات الأسواق الناشئة خارج الصين بشكل مفاجئ بسبب مخاوف من عدم تعافي العديد من الاقتصادات من الوباء العام المقبل، وتفاقمت آفاقها بسبب متحورة فيروس كورونا "أوميكرون" وتوقعات ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. وفي أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، تحولت التدفقات غير المقيمة في أصول الأسواق الناشئة باستثناء الصين إلى سلبية للمرة الأولى منذ اضطرابات السوق الناجمة عن فيروس كورونا في مارس (آذار) 2020، وفقاً لبيانات من معهد التمويل الدولي.
وقال روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي لـ "فايننشال تايمز": "لقد رأينا نضوب رغبة المستثمرين في التعامل مع الأسواق الناشئة".
وأضاف أن الأمر لا يتعلق فقط بحالات منعزلة مثل تركيا، حيث انهارت العملة في الأسابيع الأخيرة بعد أن أصر البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة على الرغم من الارتفاع الحاد في التضخم. قائلاً: "تركيا هي أحد أعراض شيء أكثر اتساعاً في الأسواق الناشئة، وهذا هو نقص النمو".
ويفصل معهد التمويل الدولي الصين عن بقية بيانات الأسواق الناشئة لأن التدفقات الوافدة إليها كبيرة جداً لدرجة أنها تحجب أي اتجاهات أخرى قد تكون واضحة في الأرقام.
تداعيات "أوميكرون" على الأسواق الناشئة
وسيكون لظهور "أوميكرون" في الأسابيع الأخيرة تأثير أكبر على البلدان ذات معدلات التطعيم المنخفضة، ومعظم بلدان الأسواق الناشئة لديها معدل تطعيم أقل من 70-80 في المئة من مستوى مناعة القطيع، وفقاً لأبحاث "ستاندرد أند بورز".
كما اقترضت العديد من الاقتصادات الناشئة، وخصوصاً البلدان الكبيرة والمتوسطة الدخل مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند، بكثافة في الأسواق الدولية والمحلية لتمويل استجابتها للوباء.
وقال لويز بيكسوتو، خبير الأسواق الناشئة في بنك "بي أن بي باريبا"، إنه خلال معظم العام الماضي، تم تعليق المخاوف بشأن التأثير المالي لارتفاع الديون، كما لو أن زيادة نسب الديون بمقدار 10 نقاط مئوية لا تعني شيئاً.
لكنه قال إن التوقعات الضعيفة للنمو تعني أن هذه المخاوف عادت الآن، وتابع "سواء كنت ممولاً من الأسواق المحلية أو الأجنبية، لا يهم لأننا نشهد ارتفاعاً في أسعار الفائدة في كل مكان".
ونتيجة ذلك، حذر بيكسوتو من أن 10 أسواق ناشئة رئيسة، بما فيها تشيلي والمكسيك وبولندا والهند، معرضة لخطر خفض التصنيف الائتماني.
وما يضاعف مخاوف المستثمرين هو الموقف الأكثر تشدداً من قبل جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، رداً على ارتفاع التضخم. في حين أدى انفتاح باول على سحب أسرع من المتوقع لبرنامج شراء الأصول الضخم للاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية في وقت سابق العام المقبل، وتسبب في تفاقم عمليات بيع الأصول الخطرة.
قوة الدولار وتآكل عوائد حاملي الأسهم والسندات الدوليين
ويمكن أن يؤدي ارتفاع الدولار الأميركي إلى زعزعة استقرار اقتصادات دول مثل تركيا، التي تقترض بشدة بالدولار، وكذلك دول مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند، والتي تميل إلى الاقتراض بعملاتها الخاصة ولكنها تعتمد إلى حد كبير على الأجانب في التدفقات الوافدة.
ومع قوة الدولار، تتآكل عوائد حاملي الأسهم والسندات الدوليين. حيث انخفض مؤشر "أم أس سي آي" لأسهم الأسواق الناشئة بنسبة 4 في المئة هذا العام بالدولار الأميركي، متخلفاً كثيراً عن مكاسب بنسبة 19 في المئة لمقياس الأسهم الواسع لمزود المؤشر في الأسواق المتقدمة.
كما تعرضت السندات لضغوط، إذ انخفض مؤشر "جي بي مورغان" العالمي جي بي آي – إي أم GBI-EM لديون الأسواق الناشئة بالعملة المحلية بنسبة 4.5 في المئة للعام حتى الآن على أساس إجمالي العائد والدولار الأميركي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال الأشهر الأولى من جائحة فيروس كورونا، انخفضت قيمة الدولار ما أدى إلى ارتفاع أصول الأسواق الناشئة. ولكن مع زيادة معدلات التطعيم وبدء الاقتصاد الأميركي في التعافي هذا الصيف، ارتفع الدولار.
ويقول روين بروكس إن الإشارات الحذرة من بنك الاحتياطي الفيدرالي ونيته بسحب التحفيز وتشديد السياسة، تعني أن الأسواق قد نجت من تكرار "نوبة الغضب المستدقة" لعام 2013، عندما أدى التغيير المفاجئ في رسائل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى عمليات بيع مفاجئة للأصول الخطرة بما في ذلك أسهم الأسواق الناشئة والسندات.
لكنه حذّر من أن مزيج النمو الضعيف وقوة الدولار الأميركي قد يؤديان إلى عمليات بيع، خصوصاً في ظل حالة عدم اليقين المستمرة بشأن الوباء وتزايد التوترات بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا.
محور باول والأسواق الناشئة
وتُظهر بيانات معهد التمويل الدولي أن التدفقات الأجنبية إلى أسهم وسندات الأسواق الناشئة بلغت ذروتها في الربع الأخير من عام 2020، قبل أن يصبح الوصول إلى اللقاح واسع الانتشار في الاقتصادات المتقدمة. وأدى الانتعاش اللاحق للولايات المتحدة - واقتصادات السوق المتقدمة الأخرى - إلى الإضرار بأصول الأسواق الناشئة منذ ذلك الحين.
لكن التدفقات الواردة لم تتوقف حتى هذا الربع، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي عملية تشديد السياسة النقدية. تقليص مشتريات الأصول الشهرية من الاحتياطي الفيدرالي البالغ 120 مليار دولار، يدعم الدولار لأنه يشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي أقرب إلى رفع أسعار الفائدة، وهو محرك كبير لتقييم العملات في جميع أنحاء العالم.
واشتد هذا الضغط منذ ما يسمى بمحور باول في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي إنه لم يعد يعتقد أن الضغوط التضخمية كانت مؤقتة، وأشار إلى أن البنك المركزي كان منفتحاً على تسريع تشديده النقدي.
وقال سامي معادي، مدير المحفظة في "تي رو برايس": "لقد أدى محور باول إلى تفاقم تعديل صعب بالفعل بالنسبة للعديد من البلدان النامية. في حين أن العوائد النسبية في السندات بالعملة المحلية بالأسواق الناشئة جذابة، فقد يواجه المستثمرون الآن المزيد من الضغوط من ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة".