لم تعُد قضية اللاجئين بالنسبة إلى أوروبا "مسألة حساسة جداً" فحسب، بل باتت سلاحاً و"لعبة جيوسياسية"... هذا ما يراه باحثون ومسؤولون أوروبيون يعتقدون أن اللاجئين باتوا يشكلون بيادق، لا سيما في علاقات كل من بيلاروس وتركيا مع أوروبا.
وقد وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما تقوم به بيلاروس عند الحدود مع الاتحاد الأوروبي، بالحرب "الهجينة".
وقال فابريس ليغيري، رئيس الوكالة الأوروبية المسؤولة عن تأمين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، "فرونتكس"، إن أحدث مثال حتى الآن ما زال يتطور على الحدود بين بيلاروس وبولندا. واعتبر أنه "عنف وكثافة لم نشهدهما من قبل في أي مكان، وعلى أي حدود".
وذكر ليغري خلال مؤتمر في هذا الشأن، الخميس، 9 ديسمبر (كانون الأول)، أن هذه الأزمة سبقتها "إشارات تحذيرية".
حرب مقنَّعة
ورأى المحلل جان سيلفستر مونغرينييه، الباحث المشارك في معهد "توماس مور"، أن "هذا ما اعتدنا على أن نسميه الحرب المقنعة. نستخدم قوات بالوكالة كي نتمكن من إنكار أننا منخرطون في صراع".
ولفت مؤلف كتاب "الجغرافيا السياسية لأوروبا" الذي نشر في 2020 إلى "أننا نشهد تحويل تدفق المهاجرين إلى ترسانة"، ما يسمح "بتسجيل المكاسب مع البقاء دون عتبة اندلاع نزاع مفتوح".
وقال المتخصص في الجغرافيا السياسية للهجرة، إيف باسكوو، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه لم يكن لدى لوكاشينكو سوى "طلقة واحدة".
أضاف باسكوو، أن "استخدام قضية الهجرة قد يكون بالفعل موضع اهتمام بعض الأنظمة، ولكن استخدامه ليس بهذه السهولة"، مشيراً إلى أن "لوكاشينكو لم يحصل على اعتراف دولي، وسيفكر مرتين في إذا ما كان يريد إعادة استخدام هذا السلاح".
ورأى باسكوو، أن هذه الأزمة أظهرت أن "قضية الهجرة حساسة جداً" في أوروبا.
موجات بيلاروس
ومنذ إعادة انتخاب ألكسندر لوكاشينكو رئيساً لبيلاروس، في صيف 2020، أجرت "فرونتكس" عمليات محاكاة مع ليتوانيا ولاتفيا وبولندا لدرس مدى "ضعف" حدودها، مع اقتناع بأن لوكاشينكو "سيحاول استخدام الهجرة غير النظامية سلاحاً جيوسياسياً"، بحسب رئيس "فرونتكس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد ذلك بعام، تدفقت أول "موجة من المهاجرين" القادمين من بيلاورس نحو ليتوانيا، حيث وصلوا إلى العاصمة مينسك برحلات جاءت من بغداد خصوصاً.
وقال ليغيري، إنه في الأسبوع الأول من يوليو (تموز) "دخل عدد من المهاجرين أكبر من مجموع عددهم خلال الأشهر الستة السابقة" على هذه الحدود.
أضاف أنه في سبتمبر (أيلول)، وصلت "موجات اصطناعية من الهجرة" منظمة "للعبة جيوسياسية" إلى بولندا، وأدّت إلى "تصعيد لعنف شبه عسكري".
وأسف ليغيري لكون عشرات المهاجرين يموتون في هذه "المنطقة العازلة المحصورة بين القوات البيلاروسية التي تمنعهم من العودة والقوات البولندية التي تمنعهم من الدخول".
ولاحظ أن "هذا يدل على أن بيلاروس تسعى للتسبب بضحايا من أجل ممارسة الضغط" والحصول على اعتراف دولي بنظامها.
مهارة تركيا
وحتى الآن، يرى المتخصصون الذين التقتهم وكالة الصحافة الفرنسية أن تركيا وحدها هي التي تستخدم بمهارة هذه الرافعة التي تمارسها على فترات منتظمة.
فبعد أزمة الهجرة في 2015، أبرمت دول الاتحاد الأوروبي اتفاقاً مع أنقرة يهدف إلى الحد من وصول المهاجرين إلى أوروبا مقابل تعويض مالي كبير.
وتملك تركيا التي هددت مجدداً في نهاية فبراير (شباط) 2020 بفتح أبوابها لأوروبا، "قوة ضغط حقيقية"، بما أنها تستضيف بين ثلاثة وأربعة ملايين لاجئ بينهم عدد كبير من السوريين.
وقال رئيس "فرونتكس"، إن "تركيا تستخدم سلاح الهجرة لأسباب مالية لمناقشة تمديد الميزانية. بالنسبة إليها، يتعلق الأمر بستة مليارات يورو مقابل ملايين اللاجئين، لذا يؤخذ التهديد على محمل الجد".
وأشار ليغيري إلى أن قوات حرس الحدود تبدو "عاجزة" عن مواجهة هذه الاستفزازات الجديدة.
وتابع، "بين ضرورة عدم السماح للأشخاص بالمرور بشكل غير منتظم، ومن جهة أخرى مبدأ عدم الإعادة القسرية لأن كل شخص بحاجة إلى حماية له ويملك الحق في اللجوء، ماذا نفعل؟ لا أحد يستطيع تقديم إجابة. نحن مصابون بفصام الشخصية".
وقال باسكوو، إن الأفراد في صلب هذه المواجهة "يستخدمون لغايات مروعة"، مؤكداً أنه "استغلال للبؤس الإنساني مع تعرض الناس للإيذاء والاعتداء والقتل. كل هذا أسوأ ما يمكن أن تتخيله".