تعرّضت العملة البريطانية، الجنيه الاسترليني، في نهاية الأسبوع الماضي، لأكبر مضاربة على هبوط قيمتها لم تشهدها منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 في بداية تضررها من الاضطرابات والتقلبات التي شابت بدء عملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، كما هبط سعر صرف الجنيه الاسترليني أمام الدولار إلى أدنى مستوى في 12 شهراً.
صحيح أن الجنيه الاسترليني يشهد تراجعاً في قيمته منذ بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفقد نحو 3.3 في المئة من قيمته خلال الشهر الماضي، لكن تضافر عوامل عدة هذا الأسبوع ساهم في تصاعد المضاربة على انخفاض قيمته.
العامل الأساسي كان تغير توقعات الأسواق من التحسب لاحتمال إسراع بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) بالبدء في رفع سعر الفائدة هذا الشهر قبل نهاية العام، لكن تلك التوقعات بالتشديد المبكر للسياسة النقدية في بريطانيا اختفت أمام موجة القلق من متحورة "أوميكرون" من فيروس وباء كورونا. وجاء إعلان الحكومة البريطانية عما يسمى الخطة "ب" للحد من انتشار الوباء، ليعزز استبعاد أن يقرر البنك في اجتماعه، الأسبوع المقبل، رفع سعر الفائدة.
أضاف لتلك التوقعات بعدم الإسراع في تشديد السياسة النقدية من قبل بنك إنجلترا، وزاد الضغط على سعر صرف العملة، ما أعلنه مكتب الإحصاء الوطني من تراجع شديد في معدلات النمو الاقتصادي في بريطانيا لشهر أكتوبر، وزادت التكهنات لدى كثير من المعلقين الاقتصاديين في الإعلام البريطاني بأن تشديد القيود التي أعلنتها الحكومة، يتوقع أن تعلن غيرها قريباً، يمكن أن ينسف فرص استمرار النمو، بل احتمال دخول الاقتصاد في مرحلة ركود مجدداً.
تراجع النمو
وأعلن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، نهاية الأسبوع، أن الناتج المحلي الإجمالي لم ينمُ بأكثر من 0.1 في المئة، الشهر قبل الماضي، أي تقريباً توقف النمو الذي يميز مرحلة التعافي من أزمة كورونا. وجاء الرقم صدمة لكثيرين، إذ كانت توقعات السوق والاقتصاديين بنمو في حدود نصف نقطة مئوية لشهر أكتوبر، أي بنسبة 0.4 في المئة تقريباً، كما جاء التراجع في النمو حاداً، مقارنة بنسبة نمو في شهر سبتمبر (أيلول) بنسبة 0.6 في المئة.
وحسب أرقام مكتب الإحصاء، فإن الاقتصاد البريطاني يظل أقل من حجمه في فبراير (شباط) 2020 بنسبة 0.5 تقريباً، أي إن الاقتصاد لم يعد بعد إلى ما كان عليه قبل أزمة كورونا، وبالطبع، يمكن لأي قرار برفع سعر الفائدة حالياً أن يقضي على أي فرص لاستمرار النمو، ولو بمعدلات ضعيفة، وفي حال النمو بالسلب (دون الصفر) لشهرين متتالين، يصبح الاقتصاد تقنياً في حال ركود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعليقاً على أرقام نمو الناتج المحلي الإجمالي المخيبة للآمال، قال وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك إنه يدرك أن "طريق التعافي سيواجه عقبات"، مشيراً إلى إنفاق الحكومة ما يزيد على نصف تريليون دولار (400 مليار جنيه استرليني) لدعم الاقتصاد خلال أزمة كورونا منذ ربيع العام الماضي.
مخاوف الركود
والمكون الرئيس الذي اعتبره المكتب سبباً في تراجع النمو الشهر قبل الماضي هو الانكماش الذي شهده قطاع البناء والتشييد، ويرجع ذلك إلى زيادة مشاكل سلاسل التوريد وارتفاع أسعار مواد البناء المختلفة، لكن الواضح من تفاصيل الأرقام أن قطاع الضيافة والترفيه، الذي شهد انتعاشاً معقولاً في الصيف، بدأ يعاني أيضاً.
وذكرت شركة البحوث والاستشارات "كابيتال إيكونوميكس" أن الاقتصاد البريطاني يشهد تراجعاً في النمو حتى قبل ظهور متحورة "أوميكرون". وأضافت في ورقة بحثية، أن "خطة الحكومة لتشديد الإجراءات لمواجهة "كوفيد-19" قد تمثل الحد الفاصل بين نمو وانكماش الاقتصاد في شهر ديسمبر (كانون الأول)". ونقلت صحيفة "ذا تايمز" عن رئيس اتحاد الأعمال الصغيرة في بريطانيا مايك شيري قوله إن الاقتصاد "كان يصارع للسير على طريق التعافي" حتى قبل ظهور متحورة "أوميكرون". وأضاف، "الخطة (ب) ستزيد من قلق المستهلكين في شأن متحورة "أوميكرون"، وهو ما سيحد من توجه المستهلكين، الضعيف أصلاً، نحو زيادة الإنفاق في فترة العطلات".
وضع هشّ بالفعل
وكتب المعلق الاقتصادي بن رايت في صحيفة "ديلي تلغراف" مقالاً مطولاً حول الأضرار التي تواجهها الشركات والأعمال من تفعيل الحكومة الخط "ب" لمواجهة انتشار متحورة "أوميكرون"، وعلى الرغم مما يبدو أن الموجة الجديدة من وباء كورونا قد لا تسبب أضراراً اقتصادية مماثلة للموجات السابقة، فإن رايت فصّل في مقاله كيف أن الشركات والأعمال في وضع هشّ بالفعل، ومن شأن أي قيود جديدة أن تؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي الذي لم يبلغ مرحلة كافية من التعافي.