في مؤشر جديد عزز احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا، أرجأت المفوضية العليا إعلان القائمة النهائية للمرشحين لها، لأسباب قانونية متعلقة باللغط الذي صاحب مرحلة الطعون الانتخابية، والحديث عن مخالفات لقوانين الترشح وضغوطات على القضاء لإصدار أحكام لمصلحة بعض الأسماء في السباق الانتخابي أو ضدها.
ومع تسارع العد العكسي نحو موعد فتح صناديق الاقتراع في 24 ديسمبر (كانون الأول)، بات عسيراً على المفوضية استكمال المراحل الأخيرة من العملية الانتخابية المتعلقة بتنظيم الدعاية الانتخابية واستكمال التجهيزات اللوجستية والأمنية، لتهيئة الظروف الملائمة التي تسمح بإجراء الانتخابات في أجواء تضمن لها النجاح.
وكان لافتاً أن غليان وتوتر المشهد السياسي الذي يوشك أن ينسف الاستحقاق الانتخابي، تزامن مع تقارب لم يكن منتظراً في المسار العسكري بين معسكري الشرق والغرب على أعلى المستويات، وتجاوب كبير من أبرز حلفائهما العسكريين في موسكو وأنقرة، مع خطة اللجنة العسكرية لسحب القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وهو الملف الذي كان مرشحاً أن يعرقل تنظيم الانتخابات في موعدها أكثر من غيره.
تأجيل نشر القائمة الرئاسية
أعلنت المفوضية العليا للانتخابات السبت، تأجيل الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين لخوض الانتخابات الرئاسية لأسباب "قضائية وقانونية"، وأكدت مفوضية الانتخابات في بيان أنها "ستعمل على اتخاذ كل طرق التقاضي للتأكد من تطابق قراراتها مع الطعون المقدمة والأحكام القضائية الصادرة بالخصوص"، وشددت على أن "نجاح العملية الانتخابية هي مسؤولية تضامنية لا نتحملها المفوضية وحدها، مؤكدة "حرصها على ألا يقتصر دورها على تنفيذ القانون فقط، بل على تنفيذ صحيح للقانون بما ينعكس على صدقية نتائج الانتخابات"، وأشارت إلى أنها "ستتبنى بعض الإجراءات القضائية والقانونية بالتواصل مع المجلس الأعلى للقضاء واللجنة القانونية المشكلة من مجلس النواب قبل إعلان القائمة النهائية للمرشحين".
عوائق قانونية وسياسية
في السياق، كشف عضو البرلمان صالح افحيمة عن فحوى لقاء جمعه برئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح للوقوف على أسباب تعثر جهود المفوضية لتنظيم الانتخابات، وكشف عن صعوبات كبيرة تواجهها ذات طابع سياسي وقانوني، "وجدنا أن المفوضية تقوم بدورها بشكل جيد، وأنها ماضية في تنفيذ التشريعات الصادرة عن مجلس النواب، على الرغم من العراقيل التي اتضح أنها خليط بين عراقيل قانونية وأخرى سياسية". وأضاف، "من خلال ما دار من نقاشات مع رئيس المفوضية اتضح أن هناك خللاً في تطبيق القانون من بعض الجهات المعنية بتنفيذ بعض مواده سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وطلبنا تقديم تقرير مكتوب للجنة لعرضه على البرلمان ليتخذ ما يراه مناسباً بالخصوص".
وبين افحيمة أن "المفوضية طلبت بعض الإجراءات من مجلس النواب سيتم الإعلان عنها في حينها، ودعمت مطلبها بوثائق ومستندات تؤكد ضرورة القيام بهذه الإجراءات، واللجنة البرلمانية بدورها سترفع هذا الطلب في تقريرها لمجلس النواب، وهو صاحب القرار النهائي في الاستجابة من عدمها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، قال رئيس اللجنة النيابية لمتابعة الانتخابات الهادي الصغير إنها "بصدد عقد أول اجتماع مع رئيسي المفوضية والمجلس الأعلى للقضاء والجهات الأمنية، على أن يتم تقديم تقرير إلى مجلس النواب الأربعاء المقبل عن إمكان إجراء الانتخابات في موعدها أو تأجيلها"، وأوضح الصغير أنه "استناداً إلى تقرير اللجنة فإن مجلس النواب هو من سيقرر تأجيل الانتخابات أو إجراءها في موعدها".
البعثة الدولية تتمسك بالانتخابات
وبعد ساعات من إعلان المفوضية العليا تأجيل نشر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة وما حمله هذا الإعلان من دلالات جديدة حول صعوبة الالتزام بموعد الانتخابات نهاية العام الحالي، سارع الأمين العام المساعد ومنسق البعثة والقائم بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ريزدون زينينغا إلى لقاء رئيس المفوضية عماد السايح لمناقشة المسار المتعثر للعملية الانتخابية، وشدد زينينغا خلال اللقاء، بحسب بيان للبعثة، على "أهمية معالجة التحديات السياسية والتقنية التي قد تعطل المضي قدماً في المسار الانتخابي".
وشددت البعثة مجدداً على موقفها الدائم الرافض تأجيل الانتخابات، مؤكدة "ضرورة تجنب التراجع والحفاظ على المكتسبات التي تحققت حتى الآن، بما في ذلك تسجيل قرابة 3 ملايين ناخب، والتوزيع الناجح لبطاقات الناخبين وتسجيل عدد كبير من المرشحين للرئاسة والبرلمان، ودلالة كل ما سبق على التأييد الشعبي للانتخابات".
القضاء يرفض تهم الفساد
في المقابل، رفض المجلس الأعلى للقضاء الليبي كل التلميحات والتصريحات التي اتهمت بعض القضاة والمستشارين التابعين له بتلقي رشى خلال النظر في الطعون الانتخابية، واصفاً هذه الاتهامات بأنها "محض افتراءات وأراجيف وكذب بواح"، مؤكداً على "متابعة مروجيها قانونياً عبر مكتب النائب العام".
وأضاف المجلس في بيان أن "إصدار المجلس الأعلى للقضاء للائحة التنفيذية المتعلقة بتحديد آلية واختصاص لجان الطعون الانتخابية كان تنفيذاً لنص قانون انتخاب الرئيس الذي اعتمده مجلس النواب ولم يأت بشيء من عنده، كما أن تعديل اللائحة وسحبها جزئياً كان تماهياً مع التعديلات التي أقرها مجلس النواب على القانون".
ونوه البيان إلى أن "تعديل وتصويب القوانين يتم عبر السلطة التشريعية وليس عبر القضاء الذي يمارس رقابة لاحقة، كما أن الطعون الدستورية الموجهة للقوانين تدخل في اختصاص المحكمة العليا وليس المجلس الأعلى للقضاء"، وأشار المجلس إلى أن "منع أعضاء الهيئات القضائية من الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية للالتزام بعدم لعب أي دور سياسي".
تقدم جديد بالمسار العسكري
وفي استمرار للتناقضات والتقلبات الغريبة التي يعيشها المشهد الليبي منذ سنوات، تزامن الانسداد السياسي مع إحراز الأطراف العسكرية تقدماً كبيراً في مساعي توحيد الجيش وسحب القوات الأجنبية من البلاد بعد أشهر من التعثر والجمود في المحادثات حول هذه الملفات المهمة.
ففي سرت، وسط ليبيا، تفاجأ الجميع باجتماع غير منتظر بين رئيسي الأركان في بنغازي وطرابلس الفريق أول عبدالرازق الناظوري واللواء محمد الحداد، لبحث خطط توحيد الجيش وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، وحقق اللقاء الأول من نوعه نتائج وصفت بـ "الإيجابية". وقال الفريق أول عبدالرازق الناظوري والقائد العام المكلف حالياً بقيادة الجيش في بنغازي عن لقاء نظيره غرب البلاد، "التقينا في مدينة سرت كمؤسسة عسكرية ستتوحد قريباً من دون أي تدخل أجنبي". وكشف الناظوري أن "وجهات النظر مع اللواء الحداد كانت متقاربة، وشددت على مسؤوليتنا المشتركة في حماية الوطن والدستور والمحافظة على المؤسسة العسكرية مع احترام الهيئات المدنية والسياسية كافة وفي مقدمها مجلس النواب وكل المؤسسات المنبثقة عنه".
وتابع، "نحن كمؤسسة عسكرية اتفقنا على توحيد المؤسسة، وننتظر انضمام اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) لهذه الاجتماعات، وستكون اجتماعات متتالية من دون تدخل أي طرف أجنبي". وقال الناظوري "نحن ندعم بناء الدولة المدنية وبعيدون من التجاذبات السياسية والحزبية، وإنما نريد حماية الوطن والدستور وحماية سير العملية السياسية، ولن نفرط في حق الجيش الليبي، وسنعمل على بنائه ليحمي البلاد وحدودها وسيادتها".